بعد فترة هدوء قصيرة، بدأت القنابل تسقط بكثافة على حلب، مما اضطر الناس للتفكير من جديد فيما إذا كان الوقت قد حان للفرار من المدينة التي تعد مركزا للحرب السورية، فقد اختفت مظاهر الحياة العادية العابرة التي جلبتها الهدنة، وخلت المتنزهات من جديد وأصبحت الشوارع مهجورة ليلا، وأصبح السكان يحصون الانفجارات والقتلى عبر الخطوط الأمامية للمدينة المقسمة بين الحكومة والمعارضة.
يقول عبد المنعم جنيد، الذي يعمل في ملجأ للأيتام بالجزء الذي تسيطر عليه المعارضة من المدينة، لـ«رويترز»: «الناس في أشد الخوف من الغارات الجوية، فقد لمسوا فوائد الهدنة وأصبحوا يتوقون للشعور بالأمن». لكن السفر إلى تركيا التي فر إليها مئات الآلاف منذ تفجر الصراع عام 2011، لم يعد خيارا مطروحا، فالحدود مغلقة أمام الأغلبية. وقال جنيد: «لو أن تركيا فتحت الحدود لشهدت انخفاض عدد سكان حلب بمقدار النصف».
ويقاتل في منطقة حلب كل الأطراف الرئيسية في الحرب السورية متعددة الأطراف، ومنها فصائل المعارضة التي تشن حملات منفصلة مع النظام و«وحدات حماية الشعب» الكردية وتنظيم داعش قرب الحدود التركية.
وأبدت وكالات المساعدات قلقها على مصير عشرات الألوف من السوريين المحاصرين حاليا على الحدود مع تركيا التي تستضيف بالفعل نحو 2.5 مليون لاجئ سوري. وتقع حلب على مسافة قصيرة بالسيارة من الحدود التركية، وكانت أكبر مدن سوريا قبل الصراع، وكان عدد سكانها يزيد على مليوني نسمة، كما كانت المدينة أحد مراكز النشاط الاقتصادي.
واليوم يقدر أن نحو 300 ألف نسمة يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة التي منيت بخسائر بشرية ثقيلة ودمار واسع نتيجة لقصف قوات الأسد الذي أرغم كثيرين على الفرار. وبدعم من سلاح الجو الروسي وميليشيات حليفة من إيران وما يسمى «حزب الله» اللبناني، تمكنت قوات الأسد من قطع أفضل طرق إمداد المعارضة في حلب خلال فبراير (شباط) الماضي.
وإذا تعرضت المعارضة للهزيمة في حلب، فستكون تلك الهزيمة ضربة ساحقة للانتفاضة على حكم بشار الأسد، وكذلك ضربة لتركيا التي أيدت جماعات المعارضة السورية التي تقاتل بالقرب من حدودها.
ويعيش في الجزء الذي تسيطر عليه قوات النظام من المدينة أكثر من مليون نسمة. ويعد ما لحق بهذا الجزء من خسائر بشرية ودمار أقل كثيرا مما لحق بالمناطق التي تسيطر عليها المعارضة. لكن تنامي قوة نيران المعارضة أدى إلى ازدياد الخسائر عما كانت عليه الحال في بداية الحرب.
وقال صهيب المصري، الصحافي البالغ من العمر 29 عاما، هاتفيا لوكالة «رويترز»، إنه في أعقاب الهدنة «بدأت الحياة تعود إلى المدينة، وكان الناس يسهرون خارج بيوتهم حتى ساعة متأخرة من الليل». أما الآن، فقد بدأ الناس يبتعدون إلى مناطق أكثر أمنا، بل وبدأ البعض يغادرها كلية. وأضاف: «ثمة حركة جديدة لسكان حلب باتجاه المحافظات الأخرى وصوب الساحل».
والسبيل الوحيد أمام المعارضة لدخول المدينة والخروج منها هو ما يطلق عليه طريق الكاستيلو الذي يوفر مدخلا للمنطقة التي تسيطر عليها المعارضة على المشارف الغربية للمدينة، لكنه يمر في مرمى النيران من الشيخ مقصود، وهو حي من أحياء حلب تسيطر عليه قوات «وحدات حماية الشعب» الكردية. وتحول العداء بين «وحدات حماية الشعب» والمعارضين إلى حرب مفتوحة في منطقة حلب منذ أواخر العام الماضي. ويقول المعارضون إن هجماتهم جاءت نتيجة محاولات «الوحدات» قطع الطريق.
وقال محمد شيخو، أحد سكان الشيخ مقصود وعضو حزب سياسي كردي، إن قصف المعارضين قتل 109 أشخاص في الشيخ مقصود منذ فبراير الماضي. وقال في اتصال هاتفي: «لم يعد باستطاعتنا الحركة. أقول لك إنها محاصرة». ويقول المرصد السوري الذي يرصد جميع أطراف الصراع إنه رغم إمكانية تهريب بعض البضائع إلى منطقة الشيخ مقصود من المناطق المجاورة التي تسيطر عليها الحكومة، فإنها تعد محاصرة.
ويقول المعارضون إن «وحدات حماية الشعب» تريد السيطرة على طريق الكاستيلو بالتواطؤ مع دمشق. وقال زكريا ملاحفجي، من إحدى جماعات المعارضة في حلب، مشيرا إلى الهجوم على الشيخ مقصود: «20 من ألوية الجيش السوري الحر قررت تلقين (حزب العمال الكردستاني) درسا». وعادة ما يصف المعارضون «وحدات حماية الشعب» بأنها «حزب العمال الكردستاني»، في إشارة إلى صلاتها بالحزب التركي الذي تعده تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية.
استمرار المعارك في حلب وطرق الهروب محدودة
ناشط مدني: لو فتحت تركيا الحدود لانخفض عدد سكان المدينة إلى النصف

استمرار المعارك في حلب وطرق الهروب محدودة

لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة