كانت تجاذبات المواقف بين واشنطن وطهران طوال الأشهر الماضية، منذ توقيع الاتفاق النووي لدول «5+1» مع إيران، نقطة تحول سياسية كبرى في العلاقة بين دول الخليج والولايات المتحدة، رغم طمأنة الرئيس الأميركي باراك أوباما الخليجيين في قمة كامب ديفيد، مايو (أيار) الماضي، لكن الموقف الخليجي ظل ثابتا في شأن قبوله المشروط بأي اتفاق نووي مع إيران المتوغلة في تدخلاتها في سوريا والعراق ولبنان، وكذلك محاولة هيمنتها على اليمن.
وتذبذب الموقف بدأ ينعكس على إيران، بعد أشهر عصيبة، وإجماع عربي وآخر إسلامي يدين تدخلاتها الإجرامية في دول عدة، ودعمها لتثوير بعض الصفوف الشعبية، وهو ما أثر على مواقفها الدبلوماسية، وجعلها في عزلة أعمق على مستويات متنوعة وصلت حتى اقتصادها، وسط تحذيرات سعودية للولايات المتحدة بشأن إيران كونها مؤسسة على إثارة الأزمات في المنطقة.
ولم يمض كثير من الوقت ليختبر الرئيس الأميركي صواب الموقف السعودي، وذلك حين أجرى الحرس الثوري الإيراني سلسلة من التجارب لإطلاق صواريخ باليستية قوبلت بموجة قلق عالمية، وعدها الأميركيون خرقا للاتفاق النووي، وسابقا عمق الإيجابية في الهبة الخليجية والعربية لإنقاذ اليمن وشرعيته وشعبه من نفوذ إيران هناك، ومحاولتها السيطرة على اليمن وتطويق دول الخليج، الأمر الذي جعل الاستراتيجية الأميركية تعيد الحسابات.
وجاءت قمة الرياض، الخليجية - الأميركية، التي غلب عليها الجانب الأمني، وطغت تدخلات إيران على أعمال القمة، لتعزز تلك الصورة، قبل بضعة أشهر من مغادرة الرئيس أوباما رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، حيث أبدى أوباما في ختام القمة، أمس، قلقه من السلوك الإيراني الذي يدعم الجماعات الإرهابية، متعهدا بمراقبة سفن نقل الأسلحة في المنطقة.
طهران تراقب القمة والزيارات المتكررة لأوباما إلى السعودية، إذ يعد أحد أكثر الرؤساء الأميركيين زيارة إلى المملكة، في ظل ثوابت التحالف الاستراتيجي بين أميركا ودول الخليج، خصوصا السعودية التي تعد الحليف الاستراتيجي لها في المنطقة، مما يجعلها في عجز بعد نجاحات دبلوماسية سعودية قادتها خلال أشهر قليلة جعلتها في كماشة الإدانات والتحييد الدولي.
كثير من الصدمات تلقتها طهران خلال أيام، من القمة الإسلامية في تركيا التي خلص بيانها إلى إدانة إيران وأذرعها الإرهابية، وإدانات قبلها في جامعة الدول العربية، حتى قبل ساعات من زيارة أوباما الوداعية إلى الرياض، حين قررت المحكمة العليا الأميركية، الأربعاء، أن على إيران أن تدفع تعويضات بقيمة ملياري دولار من أموال مجمدة في الولايات المتحدة يطالب بها أكثر من ألف من ضحايا أميركيين لاعتداءات خططت لها طهران، ويمثل الحكم الذي أصدرته هيئة المحكمة بأغلبية انتكاسة للبنك المركزي الإيراني، بعدما خلصت المحكمة إلى توجيه الأموال المجمدة لتنفيذ حكم لصالح عائلات الضحايا أصدرته محكمة اتحادية أميركية في 2007، ويمنح العائلات تعويضات بقيمة 2.6 مليار دولار.
المحلل السياسي، سالم العجمي، أوضح أن العلاقة التاريخية بين دول الخليج وأميركا تعلو على أي إخفاق في الإدارة الأميركية الحالية، وأن موقف طهران غير مستقر منذ بدء «عاصفة الحزم»، معتبرا أن زيارة أوباما للسعودية، ولقاءه القادة الخليجيين، تعميم على أن الأولوية هي لأمن الخليج والمنطقة، مشيرا إلى أن حاجة واشنطن اليوم لدول الخليج أهم من حاجة الخليجيين لها.
وأضاف العجمي، خلال اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» من الكويت، أن دول الخليج أصبحت في موقع ثقة بقدراتها الذاتية لحفظ الأمن والاستقرار، وحماية الإقليم من التهديدات الإيرانية، ونتيجة ذلك هو تأكيد أوباما على الأعمال العدائية الإيرانية وتهديداتها للمنطقة، وتأثير ذلك على العراق وسوريا ولبنان عبر إثارة النعرات الطائفية، وتعميق الانقسامات في المجتمعات تلك، مفسرا ذلك بأن الإدارة الأميركية تعي خطورة إيران، وهو أمر يقلق إيران كما هو معتاد من أي تقارب وتحالف وشراكة مع السعودية بالتحديد.
وزراء دفاع دول الخليج استبقوا القمة الخليجية الأميركية باجتماع مع نظيرهم الأميركي، أشتون كارتر، خلصوا فيه إلى التعبير عن قلقهم من استمرار إيران في زعزعة الأمن والاستقرار، والتدخل في شؤون دول المنطقة، ودعم المنظمات الإرهابية، فيما أكد وزير الدفاع الأميركي على «التزام بلاده بالوقوف مع دول المجلس ضد تلك الممارسات الإيرانية»، وكشف أنه تم خلال الاجتماع بحث العلاقات العسكرية بين الجانبين، وسبل تعزيز التعاون العسكري في عدة مجالات، من بينها منظومة الدفاع الصاروخي، والأمن البحري، والتسليح والتدريب، مشيرا إلى أنها «مجالات حيوية لتعزيز القدرات العسكرية لدول المجلس وجاهزيته الدفاعية للحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها»، وكذلك بحث التطورات الأمنية في المنطقة، وما تشهده من صراع وحروب وجهود في محاربة تنظيم داعش.
وأوضح عبد اللطيف الزياني، أمين عام مجلس التعاون الخليجي، عقب اجتماع وزراء الدفاع المشترك، أن الوزراء اتفقوا على خطوات لتعزيز التعاون العسكري بين الجانبين، من بينها التعاون في مجال القوات الخاصة، والتعاون في مجال الدفاع الجوي الصاروخي، عبر مساهمة أميركا في بناء قدرات دول المجلس للتصدي لهذه التهديدات، وبين كذلك أنهم اتفقوا على مكافحة الأنشطة البحرية الإيرانية المخالفة، من خلال تسيير دوريات مشتركة لاعتراض شحنات الأسلحة الموجهة لليمن أو غيره من الدول.
الانجذاب الأميركي لموقف السعودية الثابت يقلق الإيرانيين
بعد قرار المحكمة العليا تعويض ضحايا هجمات خططت لها إيران.. قمة الرياض تقدح زنادا في وجه طهران
الانجذاب الأميركي لموقف السعودية الثابت يقلق الإيرانيين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة