أزمة العراق تتصاعد.. وأميركا تهدد باستخدام القوة لحماية خطوطها الحمراء

انسحاب «بدر» يحبط آمال معارضي الجبوري لانتخاب بديل له لرئاسة البرلمان

متظاهرون عراقيون في ساحة التحرير وسط بغداد ضد التيار الصدري وفساد المسؤولين في البلاد (أ. ف. ب)
متظاهرون عراقيون في ساحة التحرير وسط بغداد ضد التيار الصدري وفساد المسؤولين في البلاد (أ. ف. ب)
TT

أزمة العراق تتصاعد.. وأميركا تهدد باستخدام القوة لحماية خطوطها الحمراء

متظاهرون عراقيون في ساحة التحرير وسط بغداد ضد التيار الصدري وفساد المسؤولين في البلاد (أ. ف. ب)
متظاهرون عراقيون في ساحة التحرير وسط بغداد ضد التيار الصدري وفساد المسؤولين في البلاد (أ. ف. ب)

كشف مصدر عراقي مطلع لـ«الشرق الأوسط» أن «الولايات المتحدة الأميركية أوصلت عن طريق جوزيف فوتيل، قائد القيادة الوسطى الأميركية، رسالة هامة ومختصرة إلى القيادات السياسية العراقية، مفادها أنها ستتولى عن طريق قواتها المرابطة بالقرب من العراق حماية خطوطها الحمراء في العراق، ومن بينها الرئاسات الثلاث». وأضاف المصدر المطلع أن «الموقف الأميركي كان واضحا منذ زيارة جون كيري وزير الخارجية، الذي أكد على الثوابت الأميركية السياسية والاستراتيجية، حيث جاء المبعوث الرئاسي ماكفورك لنفس الغرض، ثم إعلانه بوضوح في لقائيه مع القادة العراقيين، لا سيما رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، ورئيس ائتلاف (متحدون) أسامة النجيفي، مشددا على أن ما حصل بالضد من رئيس البرلمان سليم الجبوري أمر غير شرعي»، مبينا في ذات السياق أن «ما عرضه كيري وماكفورك هو البعد السياسي للمسألة، لكن حينما شعرت واشنطن أن هناك تحرشا بالرئاسات الثلاث، جاءت رسالة فوتيل واضحة، وهي بمثابة خط أحمر لا يمكن التنازل عنه».
وبشأن الموقف الإيراني حيال هذه التطورات، قال المصدر المطلع إن «الإيرانيين وبعد الاتفاق النووي لم يعودوا قادرين على معارضة الأميركيين في مثل هذه المسائل؛ لأن إيران لديها تقريبا نفس الثوابت، طالما أن منصب رئيس الوزراء يبقى من حصة الشيعة، كما أن عين واهتمام إيران الآن منصب على التفاهم مع أميركا بشأن سوريا كأولوية أولى».
في غضون ذلك، أدى انسحاب «منظمة بدر»، التي يقودها هادي العامري، من المعتصمين داخل قبة البرلمان، إلى الإخلال بالنصاب القانوني، الذي يسمح بعقد جلسة رسمية يتم من خلالها انتخاب هيئة رئاسة جديدة للبرلمان، بدلا من رئيس البرلمان سليم الجبوري، الذي أقيل الخميس الماضي في جلسة لا يزال الجدل مستمرا بشأن دستوريتها، وبشأن عدد الحاضرين، فضلا عن نائبيه، الشيعي همام حمودي، والكردي آرام شيخ محمد.
وفي هذا السياق، أكد ستار الغانم، النائب بكتلة «بدر» البرلمانية، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نواب في الكتلة عقده أمس بمبنى البرلمان أن «تنظيم (داعش) يهدد البلاد إلى جانب الأزمة الاقتصادية التي تركت آثارها، ومحاولات الأعداء إثارة الفوضى، وهو ما يشكل خطرا أشد»، مبينا أن «الخوف من تشتيت وحدة الصف الوطني يحتم علينا ضمد الجراح، وتحمل المسؤولية الوطنية والأخلاقية، ونكران الذات؛ لأن هدفنا الأول هو حسم المعركة مع (داعش) في هذا الوقت العصيب».
وأضاف الغانم موضحا: «إننا في كتلة (بدر) البرلمانية نقف مع تطلعات الشعب العزيز ومع الإصلاحات الشاملة والجذرية، وتوحيد كل الجهود والإمكانات لمحاربة (داعش)، وتقديم الخدمات للشعب العراقي»، مشددا القول على ضرورة «العمل على إيجاد حلول للأزمة الخانقة التي يمر بها البلد». كما شدد الغانم على أهمية «الحفاظ على وحدة مجلس النواب»، مؤكدا في ذات السياق أن تعطيل «المؤسسة الممثلة للشعب العراقي يعتبر تعطيلا للإصلاحات»، وأن كتلته «تقف ضد تقسيم مجلس النواب تحت أي ذريعة، وعلى جميع الأطراف التوحد وحسم موضوع الرئاسات الثلاث»، داعيا إلى «عقد جلسة برلمانية موحدة لحل الأزمة الحالية».
من جهته، أكد رعد الدهلكي، عضو البرلمان العراقي عن تحالف القوى العراقية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «اجتماعا مهما عقد لتحالف القوى العراقية، حضره كل أعضاء الاتحاد، بمن فيهم عدد ممن شاركوا في الاعتصام، حيث جرى التأكيد على أننا جميعا مع الإصلاح والتغيير، ولكن يجب أن يكون ذلك ضمن الأطر والأسس القانونية والدستورية». وأضاف الدهلكي الذي ينتمي إلى كتلة «ديالى هويتنا»، التي ينتمي إليها الجبوري، أن «رئيس البرلمان سليم الجبوري ليس متمسكا بالمنصب، بل ما يهمه هو وحدة العراق، وبالتالي لا سبيل أمام الجميع إلا بالحوار للخروج من الأزمة الحالية».
وحول ما إذا كان سيستمر هذا الانقسام، قال الدهلكي إن «هناك حوارات بين الجميع، وسيتم احتواء الموقف، وسوف تعقد الجلسة الرسمية خلال اليومين القادمين برئاسة الجبوري».
إلى ذلك، نفى زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، ما تردد من أنباء مؤخرا عن حصول توافق بينه وبين رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وقال الصدر في بيان له أمس إن «على الوزراء تقديم استقالاتهم فورا للتمهيد لتقديم الكابينة الوزارية المتصفة بالتكنوقراط المستقل»، مطالبا الشعب «بالضغط على الوزراء ومقراتهم لتحقيق هذا المطلب». كما دعا الصدر، رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي إلى «إعطاء مدة زمنية محددة لتصحيح مسار باقي العملية السياسية، كالدرجات الخاصة والهيئات وغيرها»، مشترطا أن «لا تزيد هذه المدة عن 40 يوما». وطالب الصدر أيضا رئيس مجلس الوزراء «باستغلال الدعم الشعبي وعدم الانصياع للكتل السياسية المنادية بالتحزب، وعدم توقيع اتفاقيات مخالفة للرأي الشعبي»، مهددا «بإيكال الأمر للشعب وعدم التدخل بأي مهاترات سياسية، في حال عدم تجاوب العبادي».
وشدد الصدر بالقول: «تبا للحكومة السابقة ولقائدها صاحب الولاية الثالثة المنهارة»، في إشارة إلى رئيس مجلس الوزراء السابق نوري المالكي، وتابع موضحا أنه «بعد أن بينت وصايانا وما قلناه داخل الخيمة الخضراء من أن الشعب مطالب بأن يقول كلمته وأن يصول صولته، طغت على الواجهة الأصوات النشاز، المطالبة بالمحاصصة وإرجاعها بعناوين وحجج ما أنزل الله بها من سلطان».



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.