شاشة الناقد

إيزابيل أوبير وغبريال بيرن في «أعلى من القنابل»
إيزابيل أوبير وغبريال بيرن في «أعلى من القنابل»
TT

شاشة الناقد

إيزابيل أوبير وغبريال بيرن في «أعلى من القنابل»
إيزابيل أوبير وغبريال بيرن في «أعلى من القنابل»

‫• Louder Than Bombs ‬
• إخراج: واكيم ترايير
• دراما اجتماعية | نروج، دنمارك فرنسا (2015)

بعد عام واحد على تقديمه في مهرجان «كان» السينمائي، يطرح فيلم «أعلى من القنابل» نفسه في عروض أميركية وأوروبية. طبعًا جناحا الفيلم لا يقدران على حمله لما بعد الساحلين الشرقي والغربي للولايات المتحدة ولما بعد أوروبا. ذلك لأن شركات التوزيع العاملة ما بين بيروت والقاهرة ودبي وباقي العواصم العربية العارضة للأفلام، تكتفي بما يصلها من أفلام أميركية وبما تشتريه كذلك من أعمال تماثلها.
ليس أن «أعلى من القنابل» عملاً لا يفوّت، لكنه من الأهمية في الوقت ذاته، بحيث إن المشاهد العربي سيجد فيه الكثير مما يبحث عنه حول كيف يفكر الغرب بالأوضاع الأمنية والسياسية في دول آسيوية مسلمة.
يدور حول مصوّرة صحافية اسمها إيزابيل (إيزابيل أوبير) تداوم الانتقال بين المواقع الساخنة حول العالم. نراها في مطلع الفيلم في غزّة ثم تتركها إلى أفريقيا وأفغانستان. ذات ليلة، وبعد عودتها إلى ضاحية في ولاية نيويورك حيث تعيش مع أسرتها (زوج وولدان) تقتل في حادثة سيارة. يقدّم المخرج روايتين للحادثة ثم يتركهما بلا حل: نراها تصارع الإغفاء وراء المقود في تلك الرحلة الليلية على طريق ريفي، في مشهد، وفي آخر نراها يقظة، لكن الشاحنة القادمة من الاتجاه الآخر هي التي صدمتها.
لكن بصرف النظر عما حدث، يرث الزوج (الجيد غبريال بيرن) ومنذ مقتلها قبل ثلاث سنوات، علاقة غير مريحة مع ابنه الأصغر كونراد (ديفيد درويد) ملؤها التوتر، وعدم رغبة كونراد التواصل مع أبيه. هي أفضل حالاً بين الأب وابنه الأكبر جونا (جيسي أيزنبيرغ)، وهذا بدوره على تواصل أفضل مع شقيقه درويد.
لكن ما يفتقده الفيلم في الحقيقة هو تواصل أفضل مع ذاته ومع مشاهده.
في نحو منه هو فيلم عن امرأة تهوى مخاطر الحرب لأنها تريد النجاح في حرفتها كمصوّرة صحافية. خلال ذلك، يستعرض الفيلم مشاهد الموت المجاني في أفغانستان، حيث كانت تلتقط الصور وتعايش الأحداث وتتأثر ولو على نحو داخلي. في هذا الجزء وحده، يضمن المخرج تناول موضوعين مهمّين هما: المرأة في العمل الخطر والموقع الخطر ذاته. لكنه لا ينوي التعليق بل يمضي للحديث عنها ما يجعل مشاهد القتل تتحوّل، بصرف النظر عن صدق الرغبة وراءها، إلى كليشيهات لاصقة.
الحكاية ليست متوالية زمنيًا، بل تدخل وتخرج ثم تعود مرارًا بين أزمنة متعددة تتيح لشخصية المصوّرة أن تظهر في عدّة مشاهد على إمتداد الفيلم. وهي، بعد التمهيد، تتمحور حول تلك العلاقة الأسرية المتشابكة وبطريقة من يريد أن يقول إن لا شيء ثابتًا في هذا العالم سوى الموت. فالفيلم يكشف عن أن المصوّرة كانت تخون زوجها والزوج يقيم علاقة متعبة مع معلمة إبنه الأصغر، بينما أبنه الأكبر يخون زوجته مع صديقة سابقة.
في مجمله يخلط الفيلم الأوراق التي بين يديه على نحو يترك المشاهد بلا مفاد واضح. في بعضه عمل له دلالاته ومهارته، وفي جلّه حكاية غير قابلة للتفاعل عاطفيًا أو سياسيًا معها.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.