أثارت تصريحات رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس الصحافية الداعية لإقرار قانون يمنع ارتداء الحجاب في الجامعات جدلا في الأوساط السياسية الفرنسية، حيث سارعت وزيرة التربية الوطنية والمسؤولة المباشرة عن الجامعات، نجاة فالو بلقاسم، برفض هذا المقترح والتذكير أن الأمر يتعلّق بـ«راشدات».
وليس سرا بالنسبة لأحد أن رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس له طموحات سياسية كبيرة وأنه طامع برئاسة الجمهورية، رغم تأكيده في كل مناسبة بولائه للرئيس فرنسوا هولاند الذي يعتبره المرشح «الطبيعي» لليسار في الانتخابات الرئاسية القادمة ربيع عام 2017، وخلال السنوات الأربع الأخيرة، سعى فالس لبناء شخصية ومسار خاصين به: بالطبع، ما زال يؤكد أنه يساري وأنه ينتمي للحزب الاشتراكي. فالرجل الذي ولد في مدينة برشلونة ولم يحصل على الجنسية الفرنسية إلا في سن الثامنة عشرة عاما، يريد أن يكون «عصريا» مبتعدا عن الإيديولوجيات القديمة ومقتربا من الليبرالية الاقتصادية والاجتماعية، كما عكست سياسات حكومته في العامين اللذين مضيا على ترؤسه للحكومة. كذلك، يريد فالس أن يظهر بمظهر الرجل ذي القبضة الحديدية الذي يحارب الإجرام والإرهاب والتطرف.
ومن المعارك التي يدعو فالس لخوضها، معركة ارتداء الحجاب في الجامعات. وأعلن في حوار مع صحيفة «ليبيراسيون» دعمه لاستصدار قانون يمنع ارتداءه في الجامعات، علما بأن قانون منع ارتداء ما يدل على الشعائر الدينية في المدارس قد أقر خلال زمن كان فيه جاك شيراك رئيسا للجمهورية، أي قبل عشر سنوات. وإذ يعتبر فالس أن تشريعا بهذا المعنى يجب أن يقر، فإن السؤال المطروح مزدوج: هل هناك حاجة لقانون كهذا؟ وهل هناك إجماع عليه؟ وأخيرا تبقى مسألة التوقيت مطروحة، حيث إنه لم يتبق للحكومة سوى بضعة أشهر قبل أن يحل موعد الانتخابات القادمة.
بداية، ليس هناك إجماع داخل الحكومة حول هذه القضية، حيث إن وزيرة التربية الوطنية والمسؤولة المباشرة عن الجامعات نجاة فالو بلقاسم لا توافق فالس الرأي، إذ سارعت للقول إن الموضوع «لا يحتاج لاستصدار قانون يمنع الحجاب بواسطته، لأن الأمر يتعلق براشدات». كذلك، فإن وزير الدولة لشؤون التعليم العالي تيري مادون تبنى موقف وزيرته، وأكد بدوره أنه «لا حاجة لقانون لمنع الحجاب في الجامعات». وسعى مادون للتقليل من أهمية هذه الظاهرة التي اعتبرها «هامشية»، وفق ما ينقله له رؤساء الجامعات.
فضلا عن ذلك، فإن المجلس الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي سبق له أن أصدر مذكرة يركز فيها على مبدأ العلمانية في مؤسسات التعليم العالي ولكنه، في الوقت عينه، لا يرى في ارتداء الحجاب «تهديدا» للعلمانية في الجامعات، خصوصا أن القوانين الداخلية التي تنظم عملها تترك الحرية لطلبة والطالبات في ارتداء ما يريدونه. وفي كتيب عملي أعده المجلس الأعلى للتعليم العالي، ورد أنه يحق للطالب والطالبة أن يرتدوا ما يريدون شرط ألا يفهم ذلك على أنه ترويج ديني، احتراما لمبدأ العلمانية.
ويبقى أن لهذه المسألة جانب سياسي بالغ الأهمية، إذ إن اليمين الفرنسي سبق له أن طرح مشروع قانون لمنع ارتداء الحجاب في الجامعات. وإذا اختار فالس السير بمشروعه حتى النهاية، فسيجد نفسه في صفوف اليمين وبمعارضة اليسار إجمالا. وهذه الوضعية ستزيد الفجوة بينه وبين اليسار الذي أخذ على رئيس الجمهورية والحكومة معا التخلي عن قيم اليسار، واقتباس أفكار ومشاريع اليمين كما حصل في موضوع نزع الجنسية عن الإرهابيين أو المتعاطفين معه.
ويذكر أن العمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا في شهري يناير (كانون الثاني) ونوفمبر (تشرين الثاني)، جاءت لتبرز فالس على أنه «جنرال» يقود بلاده في حربها على الإرهاب. وفي أكثر من مناسبة، اعتبر فالس أن فرنسا تواجه «أخطارا محدقة» وندد بالتطرف الذي يقود مباشرة إلى الإرهاب. ودعا النخب المسلمة والمسؤولين الدينيين إلى خوض «الحرب الإيديولوجية» ضد التطرف. ولم يتردد فالس في تأكيد أنه «ليس لنا أن نتفهم ما يقوم به الإرهابيون، لأن ذلك سيكون بمثابة تبرير لأفعالهم، بل يتعين فقط محاربتهم».
بيد أن رئيس الحكومة، بالغ التشدد والتصلب، يريد أن يكون من ناحية أخرى مدافعا عن الإسلام وعن «مواءمته» وقدرته على التعايش مع قيم الجمهورية الفرنسية، بما فيها العلمانية، في الوقت الذي يروج فيه اليمين المتطرف وبعض اليمين الكلاسيكي لنظرية استحالة التعايش بين الإسلام والديمقراطية وقيمها.
وفي حديثه الصحافي أمس، أعلن فالس أنه قادر على الإتيان بالدليل على قدرة الإسلام على التجانس تماما مع المجتمع الفرنسي. وقال رئيس الحكومة: «تواجه العلمانية اليوم تحدي صعود التطرف، ولكن أيضا موقع الإسلام في مجتمعاتنا. وآمل أن نكون قادرين على إظهار الإسلام وهو ديانة كبرى في العالم والديانة الثانية في فرنسا، يتلاءم في العمق مع الديمقراطية والجمهورية، وقيمنا، بما فيها المساواة بين المرأة والرجل». وأضاف فالس: «بعضهم لا يريد أن يقتنع بذلك، وغالبية مواطنينا تشكك.. ولكنني مقتنع بأن هذا الأمر ممكن. ولذا، علينا أن نحمي مواطنينا الذين يعتنقون الإسلام من الآيديولوجية المتطرفة ومن التهجمات والأعمال المعادية التي تستهدفهم».
وسبق لفالس الأسبوع الماضي أن دعا إلى «وثبة» تبين أن للإسلام مكانه ومكانته في فرنسا وأوروبا، لكنه نبه من الفكر المتطرف «الأقلوي» الذي هو آخذ في كسب «المعركة الآيديولوجية والثقافية» داخل الإسلام.
رئيس الحكومة الفرنسية يسعى لمنع الحجاب في الجامعات.. ووزيرة التربية تعارض
فالس يتأرجح بين الدفاع عن الإسلام والتنديد بالتشدد الإسلامي
رئيس الحكومة الفرنسية يسعى لمنع الحجاب في الجامعات.. ووزيرة التربية تعارض
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة