رسم مسؤولو صندوق النقد الدولي صورة قاتمة للاقتصاد العالمي، وقلصوا توقعاتهم للنمو، حيث أعلن الصندوق صباح الثلاثاء توقعاته بتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي لفترة طويلة. وخيم التشاؤم على توقعات نمو الاقتصاد العالمي مع استمرار النمو الضعيف، ومحدودية النمو في فرص العمل، واستمرار ارتفاع الدين، إضافة إلى المخاطر الاقتصادية والسياسية مع احتمالات دخول الاقتصاد العالمي في حالة من الركود.
وأشار الصندوق في تقريره «آفاق الاقتصاد العالمي»، إلى نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.2 في المائة خلال العام الحالي، وإلى 3.5 في المائة خلال عام 2017، منخفضا عن توقعاته السابقة لنمو الاقتصاد العالمي التي أصدرها في يناير (كانون الثاني) الماضي بنسبة 0.2 في المائة و0.1 في المائة على التوالي. وبذلك يكون صندوق النقد الدولي قد خفض من توقعاته للنمو العالمي للمرة الرابعة خلال عام واحد.
وحذر التقرير من مخاطر الركود على نطاق واسع، وقال إن ضعف النمو يجعل الاقتصاد العالمي أكثر عرضة للصدمات، مثل تخفيض قيمة العملة وتفاقم الصراعات الجيوسياسية. كما ألمح إلى مخاطر استمرار الصراعات الجيوسياسية ومخاطر الإرهاب وتدفق اللاجئين على بلدان منطقة الشرق الأوسط، وأنه قد يكون لها تداعيات على النشاط الاقتصادي العالمي إذا لم تتم معالجتها.
وحذر التقرير من أن استمرار الانخفاض في أسعار النفط يمكن أن يؤدي إلى ضعف النمو وعودة الاضطراب المالي وضعف الثقة، وقال إن موجة جديدة من انخفاض سعر الصرف في الاقتصادات الناشئة يمكن أن تلحق الضرر بالميزانيات العمومية للشركات، وتؤدي إلى انخفاض حاد في تدفقات رأس المال، وقد تؤدي إلى ضغط على الطلب المحلي.
وأضاف التقرير أن استمرار انخفاض أسعار النفط لفترة طويلة سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في الآفاق المتوقعة للبلدان المصدرة للنفط، وعلى الرغم من الاحتياطات الوقائية الكبيرة لدى بعض البلدان، فإن تلك الاحتياطات آخذة في التناقص، مما سيدفع بعض الدول إلى إجراء تخفيضات حادة في الإنفاق. كما توقع أن تظل معدلات النمو في الاقتصادات المتقدمة متواضعة في حدود 2 في المائة. وأرجع التقرير عدم تسارع وتيرة التعافي الاقتصادي إلى ضعف الطلب وانخفاض الإنتاجية. فيما تعاني منطقة اليورو من انخفاض الاستثمار، وارتفاع معدلات البطالة، وضعف الميزانيات العامة، بما يوثر على معدلات النمو التي تظل متواضعة عند حدود 1.5 في المائة العام الحالي و1.6 في المائة العام المقبل.
وتوقع التقرير أن تسجل الاقتصادات الناشئة والاقتصادات النامية زيادة متواضعة في معدلات النمو، حيث تحقق معدل نمو بنسبة 4.1 في المائة هذا العام و4.6 في المائة العالم المقبل، وأرجع أسباب النمو المتواضع إلى تباطؤ النمو في الدول المصدرة للنفط مع استمرار انخفاض أسعار النفط. كما توقع ركودا عميقا في البرازيل وروسيا، وضعف النمو في بعض دول أميركا اللاتينية ودول منطقة الشرق الأوسط، خاصة الدول التي تضررت من انخفاض أسعار النفط ومن الصراعات الإقليمية والمخاطر الأمنية.
وأوضح التقرير أن أسباب ضعف معدلات النمو العالمي ترجع إلى ضعف الطلب على الاستثمار في جميع أنحاء العالم، خاصة في البلدان المصدرة للسلع الأولية، والتي شهدت انهيارات في معدلات التبادل التجاري. واقترن ضعف الطلب على الاستثمار بتباطؤ النمو في التجارة العالمية، نظرا لأهمية السلع الرأسمالية والوسيطة، كما أدت عملية استعادة التوازن في الصين إلى خفض كبير في معدل نمو الاستثمار العالمي.
وتوقع التقرير أن تسجل الولايات المتحدة معدل نمو مستقر عند 2.4 في المائة، مع ارتفاع معدلات النمو بشكل متواضع في عام 2017، يعززه الطب المحلي وتحسن سوق الإسكان. وتوقع أن تحقق منطقة اليورو نسبة نمو 1.5 في المائة هذا العام و1.6 في المائة عام 2017، بانخفاض 0.2 في المائة و0.1 في المائة من تقديرات يناير الماضي. وتأتي التوقعات المنخفضة رغم إجراءات التحفير الإضافية التي أعلن عنها البنك المركز الأوروبي الشهر الماضي. وتعاني منطقة اليورو من ضعف الميزانية العامة للمصارف وانخفاض الاستثمار وارتفاع معدلات البطالة.
ورفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو في الصين بشكل طفيف إلى 6.5 في المائة هذا العام وإلى 6.2 في المائة عام 2017، وأرجع ذلك إلى سياسات التحفيز التي اتخذتها الصين، لكن مسؤولي الصندوق أشاروا إلى أن معدلات النمو في الصين ستضعف، نظرا لاعتماد الاقتصاد الصيني على الاستهلاك. وقال خبراء الصندوق إن التباطؤ الحاد في الصين سيكون له آثار غير مباشرة على الصعيد الدولي، فيما يتعلق بالتجارة وأسعار السلع الأساسية، وسيؤدي إلى تباطؤ في الاقتصاد العالمي.
وقال موريس أوبستفيلد المستشار الاقتصادي لصندوق النقد الدولي ومدير إدارة البحوث، في مؤتمر صحافي على هامش اجتماعات الربيع، إن «استمرار تباطؤ معدلات النمو سيكون له تأثير كبير على الاستهلاك والاستثمار، وتتطلب التوقعات الحالية العمل بشكل فوري واستباقي من جانب صناع السياسات النقدية والمالية لاتباع نهج ثلاثي الأبعاد يتضمن إصلاحات هيكلية على المدى القصير والمتوسط، تتضمن زيادة الإنفاق العام على سياسات سوق العمل النشطة والإصلاحات المتعلقة بخفض الحواجز أمام دخول أسواق المنتجات والخدمات، وإجراءات لسياسة نقدية تيسيرية، ووضع سياسات مالية داعمة للنمو، لمواجهة الوتيرة البطيئة للاقتصاد العالمي».
ونصح أوبتسفيلد صناع السياسة النقدية بالاعتراف بالمخاطر التي يوجهونها والعمل معا لمواجهتها مما يعزز الثقة في الاقتصاد العالمي.
وكانت كريستين لاغارد، مدير صندوق النقد الدولي، قد أشارت في تصريحات سابقة إلى أن الانتعاش الاقتصادي لا يزال بطيئا جدا وهشا للغاية. وأوضحت احتمالات أن يؤدي استمرار انخفاض معدلات النمو إلى آثار ضارة على النسيج الاجتماعي والسياسي في كثير من البلدان.
«النقد الدولي» يتبنى «نظرة تشاؤمية» للنمو العالمي مرجعها «ضعف الطلب على الاستثمار»
خبراء الصندوق يدعون صناع السياسات لاتباع نهج استباقي «ثلاثي الأبعاد»
«النقد الدولي» يتبنى «نظرة تشاؤمية» للنمو العالمي مرجعها «ضعف الطلب على الاستثمار»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة