وادي الجِمال.. متعة الاقتراب من النجوم والمجرات

راقب الطيور واسبح مع الدرافيل في المالديف المصرية

المالديف المصرية ({الشرق الأوسط})
المالديف المصرية ({الشرق الأوسط})
TT

وادي الجِمال.. متعة الاقتراب من النجوم والمجرات

المالديف المصرية ({الشرق الأوسط})
المالديف المصرية ({الشرق الأوسط})

للسياحة البيئية سحر خاص؛ لأنها تمنحك مغامرة اكتشاف أماكن طبيعية بكر، لم تخربها أيدي البشر، فضلا عن أنها تضمن لك مشاهدة طيور ونباتات نادرة، وتمنحك سلاما نفسيا مستمدا من الطبيعة، كما أنك ترى الحيوانات في بيئتها الطبيعة من دون حواجز. وفي مصر تكثر المحميات الطبيعية ذات البيئة الصحراوية والبحرية في آن واحد، ومن بينها محمية «وادي الجِمال».
تقع المحمية على بعد 50 كيلومترا من مدينة مرسى علم، وعلى بعد 350 كيلومترا جنوب الغردقة. وجاءت تسمية وادي الجمال من وجود نبات بها مستساغ للجِمال، فكانت الجزيرة مكانا مثاليا لتجمعاتها وتكاثرها. ويقطن المحمية أهل قبائل «العبابدة» و«البشارية»، يعيشون على مياه الآبار الجوفية في مناطق مختلفة، ويمارسون الصيد البري.
ويمتد الجزء البري للمحمية مسافة 4 آلاف و770 كيلومترًا، أما البحري فيمتد مسافة ألفي كيلومتر. وتتكون المحمية من عدة جزر رائعة الجمال وأرخبيل، وهي: جزيرة وادي الجمال، تبعد 8 أميال وتتميز بكونها قبلة لأسراب الطيور المهاجرة، ومنطقة محمية حنكوراب التي تبعد 18 كيلومترًا جنوبي وادي الجمال، وهي تتميز بالشواطئ والشعاب المرجانية، ثم منطقة محمية القلعان، التي تبعد مسافة 9 كيلومترات، شمال قرية حماطة، وتمتاز بوجود أحراش المانجروف، المعروف بقدرته على امتصاص الملح من الماء، حيث تظهر ذرات الملح على أوراقه، أما محمية جزر حماطة، فتقع على بعد ميلين من الشاطئ المقابل لقرية حماطة، وتتميز بأماكن لممارسة أنشطة السباحة والغوص.
شموخ الجبال المترابطة في سلاسل بديعة، يعطيك إحساسا بعظمة الطبيعة وسحرها، وخصوصا أنها تتميز بألوان متباينة، أشهرها: جبل نجرس، وجبل حماطة. وبالقرب من شاطئ البحر سوف تجد جبالا من الشعاب المرجانية المتحجرة بألوان متعددة، وجبالا حمراء من الجرانيت، وجبال الكوارت بلونها البيج، وتستخرج من تلك الجبال بلورات الزمرد وخام الفلزبار.
يمكن الوصول للمحمية برا عبر حافلات من مرسى علم، ومن الغردقة عبر الطريق الساحلي (الغردقة – شلاتين)، ولا توجد رسوم لزيارة المحمية، لكن يجب التنسيق لأخذ تصاريح الزيارة من وزارة البيئة، ولا داعي للقلق حيالها إذا كنت تتبع شركة سياحية، حيث تقوم الشركة بالحصول على الأوراق اللازمة. وعادة تتكلف زيارة مرسى علم أو الغردقة من القاهرة، والإقامة لعدة أيام، ما لا يزيد عن ألفي جنيه (200 دولار)، وفقا لبرنامج شركة السياحة.
وحول أفضل الأوقات للاستمتاع بسحر الطبيعة في المحمية، يقول محمد جاد، مسؤول محميات جنوب البحر الأحمر بوزارة البيئة: «يعد فصل الربيع أفضل أوقات زيارة المحمية للاستمتاع بالنباتات المزهرة والحيوانات البرية والزواحف، ومراقبة أسراب الطيور المتوطنة والمهاجرة، وأفضل الأوقات الخامسة فجرا أو نهاية النهار».
ويشير جاد إلى أن أكثر زوار المحمية من أوروبا من المهتمين بالسياحة البيئية، حيث يكون هدفهم الأول المغامرة والاستمتاع بالطبيعة البكر، والتعرف على أنواع نادرة من الكائنات عن قرب.
* مراقبة الطيور والحيوانات النادرة
التجول بين أرجاء جزيرة وادي الجمال يجعلك وجها لوجه مع 25 نوعا من الزواحف البرية، والتي يمكنك مشاهدتها أثناء النهار، و43 نوعا من الطيور المائية والبرية والجارحة، منها: رئيس البحر، والبلشون، وأبي ملعقة، والواق الأخضر، والنورس، والصقر، والقطاط، والخطاف بأنواعه، ودقناش البادية، والغراب النوحي. كما تشتهر المحمية بأنها موطنا للغزال وحيوان التيتل، وثعلب الرمال، والضبع المخطط، والحمار النوبي، وقط الرمال الذي يشبه القط الفرعوني الشهير المنقوش على المعابد، ولا داعي للقلق؛ لأن أهالي المحمية من قبائل البدو خير مرشدين، وسوف يخبرونك بكيفية التعامل مع تلك الحيوانات، بل والتقاط «سيلفي» مميز، لذكريات لا تنسى.
وتتميز المحمية بما تحويه من فصائل متنوعة للزواحف والثدييات، كما تشتهر بأنها أكبر تجمع لصقر الغروب على مستوى العالم. وفي البحر ينتشر قرش «ويل شارك»، وسمكة «عروس البحر»، وكذلك الدلافين. كما تعد المحمية موطنا للماعز الجبلي «الإيبكس»، الذي يصل عمره الافتراضي إلى 20 سنة، ويعيش في أعالي الجبال.
* نباتات وأحراش
سوف تتعرف في محمية وادي الجمال على أنواع نادرة من النباتات، تختلف بحسب قربها أو بعدها عن شاطئ البحر، حيث يوجد بها ما يزيد عن 140 نوعا من النباتات، منها 125 نوعا بأهمية رعوية، فضلا عن 32 نباتا بأهمية طبية، و40 نوعا يمكن استخدامه في الطعام والشراب، و11 كوقود. وما بين السلاسل الجبلية توجد أشجار التين والدوم والتاماركس والسافوليا والأكاشيا، التي يخرج من لحائها الصمغ العربي، وأشجار «بلح السكر» التي تستخدم ثمارها في علاج مرض السكر، فضلا عن أحراش أشجار «الأراك» التي تستخدم جذور نباتاتها في صنع السواك.
* برنامج لرحلة لا تنسى
يرافقك في الرحلة داخل المحمية دليل جبلي من أبناء قبائل العبابدة، حيث يأخذك في جولة سريعة لمدة 45 دقيقة في مساحات أشجار المانجروف، بواسطة قوارب تقليدية، يعقبها توقف في نقطتين لمتابعة ومراقبة الطيور لحظات خروج الأفراخ الصغيرة من بيضها، ثم يليها الوصول إلى مرسى السفن بطول 40 مترا، وهنا يمكن الاستمتاع بمنظر بانورامي للمحمية والتقاط الصور. بعدها سوف تتجول بين أحراش المانجروف، لمراقبة أكثر من أربع فصائل من سلطعون البحر، ونحو 13 فصيلة من الأسماك الصغيرة، و13 نوعا من الطيور، يعقبها فترة استراحة في الخيام التقليدية لقبائل العبابدة، واحتساء المشروب التقليدي «قهوة الجَبَنَة»، ويمكنك شراء المشغولات اليدوية من الحلي التقليدية.
* آثار ما قبل التاريخ
لن تقتصر مغامرتك في وادي الجمال على الاستمتاع بالبحر والتجول بين الوديان وتسلق السلاسل الجبلية، بل سوف تزور مناطق أثرية تعود إلى ما قبل التاريخ، أهمها: طريق التجارة التاريخي، الذي تتناثر على جانبيه آبار المياه القديمة والحصون والبيوت التاريخية، فضلا عن تتبع النقوش الصخرية التي خطتها أنامل إنسان ما قبل التاريخ. كما يمكن التجول بين أروقة معبد سيرابيس، إله الشفاء الذي كان يعبده اليونانيون مع المصريين قديما. والمعبد منحوت ببراعة في باطن جبال وادي سكيت، على بعد 60 كيلومترا داخل وادي الجمال. وتحيط به الصخور الجرانيتية الصلدة اللامعة، والتي تتلألأ تحت أشعة الشمس، كما تكتسي باللون الفضي في حال انعكس عليها ضوء القمر.
كما يمكنك زيارة متحف قبائل «العبابدة»، والذي يضم الأدوات التي يستخدمونها، حيث يمكنك التعرف عن كثب على طرق الصيد والأدوات التي كانوا يستخدمونها، من الدروع والسيوف والأواني والملابس، ويمكنك شراء منتجات الحلي والمنسوجات اليدوية بألوانها الزاهية، التي تنتجها سيدات القبائل كمصدر دخل للسكان.
* حمامات الشمس والسباحة مع الدرافيل
جمال شواطئ جزيرة وادي الجمال وأرخبيل حماطة، الذي يضاهي جمال شواطئ المالديف، ينافسه جمال ما تحويه الأعماق من روعة التكوينات المرجانية بألوانها الساحرة، حيث يوجد 100 نوع من المرجانيات، ويعيش فيها أكثر من 2400 نوع من الرخويات والقشريات، و59 نوعا من المحاريات، و133 نوعا من الأسماك تنتمي إلى 89 جنسا، والتي تجعل متعة الغوص لا مثيل لها، مع التشكيلات اللونية للأسماك والزواحف البحرية تحت الأعماق.
ويتضمن برنامج الرحلات التي تنظمها الشركات السياحية؛ رحلات باليخوت، للقيام بالغوص السطحي«السنوركلينج»، أو مغامرة الغطس لمشاهدة الكائنات البحرية، والسباحة مع الدرافيل، حيث تعد محمية وادي الجمال منطقة لتكاثر الدرافيل، كما يمكنك الغوص ومشاهدة الكائن البحري النادر «عروس البحر» الذي يهاجر من أستراليا. كما يمكنك الاستلقاء للحصول على حمامات شمس في جو من الخصوصية والهدوء، وتتكلف الرحلة 200 جنيها (حوالي 20 دولار).
* التخييم ورؤية النجوم والمجرات
في وادي الجمال سوف تتاح متعة لا نظير لها في أي محمية أخرى؛ لأنك إذا شخصت بناظريك إلى صفحة السماء المتلألئة، حيث تظهر النجوم بوضوح لتشعر معها أنك على مقربة منها، حيث يمكنك الاستمتاع بمشاهدة ذراع مجرة درب التبانة، أثناء الاستلقاء تحت أشجار «الأكاشيا» قبل شروق الشمس، في مخيمات يتم إعدادها خصيصا لذلك، تظهر المجرة بوضوح، والتي تحوي ما بين 200 إلى 400 مليار نجم، ومن ضمنها الشمس، بالرغم من بعدها بآلاف السنين الضوئية. ومن الرائع حقا مشاهدتها وكأنها أسراب لامعة في السماء، مما يمكنك من التقاط صور تذكارية فائقة الجودة والوضوح لها.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».