يعلم العالم أن النمو المفرط للاستدانة في الاقتصادات المتقدمة كان سببا في الأزمة المالية العالمية في 2008، لذا تقوم الحكومات والبنوك المركزية بالقيام بمحاولات جريئة لاستعادة الانتعاش الاقتصادي مع موازنة المخاطر الآن مع كثرة الإنذارات بتجدد الأزمة المالية، حتى لا تتهدد المعدلات الضعيفة للنمو والتشغيل والصادرات، خصوصا بدول شرق آسيا.
وفي اليابان ومع تجدد موجات الانكماش قام البنك المركزي بعدد من الإجراءات تهدف إلى رفع معدل التضخم إلى 2 في المائة، وذلك عن طريق التوسع في فرض أسعار الفائدة السلبية على بعض احتياطيات البنوك التجارية، إلا أن نظريات «التوسع» لم تُترجم إلى واقع عملي حتى الآن.
فمن الناحية النظرية، ينبغي لأسعار الفائدة السلبية أن تعمل على إجبار البنوك التجارية على حفز زيادة الإقراض للشركات، والتي بدورها تزيد من الإنفاق الاستثماري لتوظيف مزيد من العاملين ضمن أمور أخرى، ومن المفترض أن يزيد ذلك من تحفيز السوق وتعزيز الإنفاق الاستهلاكي للأسر في اليابان، وإضعاف سعر صرف الين، ثم وقف موجة الانكماش، إلا أن النظريات لا تترجم دائما إلى ممارسات، ففي الوقت الذي دفع المركزي الفائدة إلى مزيد من الخفض، كان تأثير هذه السياسة على الين وأسواق المال غير سار، إذ ذكرت الحكومة اليابانية أن متوسط الأجور الشهري في اليابان واصل تراجعه للشهر السادس على التوالي في الوقت الذي ارتفع فيه معدل البطالة إلى 3.3 في المائة في فبراير (شباط) الماضي، في أول ارتفاع له في ثلاثة أشهر، وارتفع عن معدل قدره 3.2 في المائة في يناير (كانون الثاني) الماضي.
وبلغ متوسط الأجر الشهري بعد وضع معدل التضخم في الاعتبار خلال الشهر الماضي 478.6 ألف ين، أي ما يوازي 4220 دولار بانخفاض قدره 2.4 في المائة عن الشهر نفسه عن العام الماضي، وفقا لبيانات وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات اليابانية.
وقالت الوزارة في بيانها أمس إن متوسط الإنفاق الشهري للأسر اليابانية ارتفع خلال الشهر الماضي بنسبة 1.2 في المائة سنويا إلى 269.8 ألف ين وهو أول ارتفاع له منذ 6 أشهر. وأشارت الوزارة إلى أن قطاعي الزارعة وصناعات الغابات ألغيا أكثر من 80 ألف وظيفة، كما ألغى قطاع التصنيع 60 ألف وظيفة.
وأكدت الوزارة على أن معدل توفر الوظائف الذي يقاس بالنسبة إلى عدد الوظائف الخالية والمتاحة وعدد الباحثين عن عمل لم يطرأ عليه تغيير، حيث استقر عند 1.28 وظيفة لكل باحث عن عمل في فبراير.
وتكافح حكومة رئيس الوزراء تشينزو أبي لتحقيق النمو الاقتصادي في اليابان الذي شهد انكماشا مرتين في الفصول الثلاثة الماضية، حيث قال أبي أمس إنه سيمضي قدما في زيادة مقررة لضريبة المبيعات العام القادم ما لم يتعرض الاقتصاد لأزمة على غرار انهيار بنك ليمان برازارز في 2008، أو زلزال ضخم مثل الذي ضرب شمال شرقي اليابان في 2011.
وأشار استطلاع لـ«رويترز» إلى أن محللين كثيرين يتوقعون تأجيل رفع ضريبة المبيعات إلى 10 في المائة في أبريل (نيسان) العام القادم من 8 في المائة حاليا، مع استمرار ضعف الاستهلاك والصادرات، ما يقوض انتعاش اقتصادي هش.
وترجع أسباب التشاؤم الواسع حول الاقتصاد الياباني، إلى التقلبات التي يشهدها ثاني أكبر اقتصاد في آسيا، وتشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة وانهيار أسعار النفط العالمية، الأمر الذي جعل محافظ المركزي الياباني هاروهيكو كورودا يقول في تصريحات سابقة أن الأسس التي يقوم عليها الاقتصاد الياباني سليمة والتوقعات المتشائمة مبالغ فيها إلى حد كبير.
ويحاول قادة الاقتصاد الياباني التمسك بالمعادلات الأكاديمية المستقرة لتحقيق الانتعاش، مثل أنه مع ارتفاع معدلات السيولة المالية، ترتفع طرديا معدلات الإنفاق الاستهلاكي وبالتالي التضخم، إلا أن اليابان قد تعد أحد الأمثلة القليلة على مستوى العالم التي تقع خارج هذه المعادلة.
فطبيعة المواطن الياباني تميل إلى المحافظة، سواء اجتماعيا أو اقتصاديا، ما جعل اليابان - على سبيل المثال - رغم تقدمها الشديد في المجالات التقنية، إحدى أقل دول العالم تداولا للمعاملات المالية الإلكترونية.
ومع ارتفاع معدلات السيولة بالنسبة للمواطن الياباني، لا ترتفع معدلات الإنفاق الاستهلاكي في السلع غير الضرورية أو الترفيهية، نظرا لطبيعته التي تميل بصورة أكبر إلى الاستثمار والترشيد.
وعلى الرغم من أن الاهتمام الإعلامي بالدراما الاقتصادية الدائرة في اليونان وأوروبا أكبر، فإن هناك وضعا أكثر خطورة في الاقتصاد الثالث عالميا، والذي سيكون له الأثر الأكبر على الاقتصاد العالمي في السنوات القادمة.
وأكدت إليزابيث مالكين المحللة الاقتصادية ببنك ستاندارد تشارترد أن الحكومة اليابانية إن لم تقم برفع ضريبة المبيعات وصولا إلى 15 في المائة من 8 في المائة، فإن الاقتصاد الياباني سيعاني من أزمة مالية مابين 2021 و2023، وأرجعت مالكين الأمر لزيادة معدلات العمر وارتفاع تكاليف العناية بكبار السن، وانخفاض معدلات الادخار، «وبالتالي لن تكون الحكومة اليابانية قادرة على تحمل الدين الحكومي الأخذ في الارتفاع حاليا».
وأصدرت الحكومة اليابانية سندات بقيمة 66.8 تريليون ين، أي ما يوازي 591 مليار دولار خلال الشهرين الماضين منذ بدء التعامل بالفائدة السلبية، وبلغ متوسط العائد على السندات سالب 12 نقطة أساس، وهو أقل من عائد يناير الماضي.
وعلى سبيل المثال أصبح العائد على السندات العشرية سالب 0.095 في المائة مقارنة بنحو 0.22 في المائة قبل التحرك نحو الفائدة السلبية على السندات المستحقة لعشر سنوات، ومن المقرر أن تبيع الحكومة اليابانية سندات بقيمة 170 تريليون ين خلال العام الحالي.
رشادة اليابانيين الزائدة تُضعف فرص تحفيز الاقتصاد
رئيس الوزراء: لن نتراجع عن زيادة ضريبة المبيعات إلا في حالة انهيار بنك أو زلزال ضخم
رشادة اليابانيين الزائدة تُضعف فرص تحفيز الاقتصاد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة