«قطعة واحدة منسوجة من خيوط الفضة الطائرة في تناغم وتلاحم»، جملة وردت في البيان الصحافي المصاحب لمعرض المصورة السعودية ريم محمد الفيصل، هي جملة تختصر بشاعرية وحساسية موضوع معرضها الأخير «كياروسكور» الذي يقام في غاليري «الربع الخالي» بدبي. الملاحظ في مجموعة الأعمال التي تعرضها الفيصل هنا هو أنها جميعها تحتاج لوقت وتأمل. فلا يمكن للزائر لمعرضها أن يمر على الصور سريعا، حتما سيفقد الكثير مما أرادت المصورة أن تنقله.
مبدئيا الصور لا تحمل الكثير من التفاصيل أو الحركة ولكنها تعبر بصمت رشيق عن معان عميقة وأحاسيس مختلفة. من قمة الجبل التي تبرز من بين السحاب أو من القارب الوحيد في بحيرة ساكنة أو تلك البقعة المضيئة في نهاية ممر مظلم، تتوالى الصور والرموز والمعاني.
بالنسبة لريم الفيصل يضم المعرض رحلة زمنية في أعمالها التي أنتجتها على مدى 25 عاما، وتختارها بدقة لتعبر عن تقنية «كياروسكور» أو الظل والنور، وتعتمد التقنية على التحكم في الظلال. تقول الفيصل تعليقا على ذلك الاختيار: «كثير من أعمالي فيها ذلك التأثير، فأنا أحب التصوير في الضوء الخافت». التقنية تبدو محببة للفنانة، وهو أمر لا شك مشبع فنيا، ولكني أتساءل إن كانت التقنية تضيف إلى المعاني التي تريد أن تعبر عنها؟. تقول: «نعم، لأن معظم أعمالي روحانية الطابع، الظل والنور فيها يرمزان للحياة، والروح الإنسانية دائما في موقع تجاذب بين الظل والنور، الأمل والحزن، الإيمان واليأس..»..
الضوء الذي يكسر طبقات السواد في بعض الصور ويلمع كبريق الأمل وسط بحار الحزن واليأس يبقى عاملا قويا وقادرا على تحويل الصور والمتأمل لها من حالة لأخرى، تقول: «إذا تأملنا المساحات السوداء الكبيرة وتابعنا تأثير نقطة بيضاء وحيدة عليها، نرى تأثيرها القوي فهي ببساطة تكسر اللون الأسود وتضيئه».
بتتبع منطق المصورة وبتتبع الصور المعروضة نكتشف أن كل صورة لها حالة خاصة، تحتاج للوقوف أمامها (وربما الجلوس يكون أفضل) لبعض الوقت، لتتكشف أمامك أعماقها، إحساس يراودني بينما أتجول ببصري في المعروضات. تؤكد الفيصل ذلك الإحساس: «أكثر الصور تحتاج للسكون والتدبر، يجب أن تنظري للصورة مع وقت وأن تقضي وقتا أمامها، لا ينفع المرور السريع أمامها».
الصور تعكس لقطات من أماكن مختلفة ومن بلدان مختلفة، أتساءل عن صورة لجبل مكلل بالسحاب، أين أخذت هذه الصورة؟ تجيبني الفيصل ببساطة محببة: «في الصين»، ولكنها تستطرد لتفسر لماذا لم تدرج أي تفصيلات حول الأماكن واكتفت بجملة «من دون عنوان» أسفل الصور: «سميتهم (من دون عنوان) لأني أريد أن يركز المتأمل للصور على الروح والحال وليس على المكان».
بعض الصور تجذب النظر لها ليس فقط بالتضاد بين الضوء والظل ولكن بسبب اختفاء تفاصيلها خلف غلالة «محببة» وهو تأثير خاص تتعمد المصور إحداثه في الصور ما يجعلها غير محددة الملامح. تشير إلى أن تأثير تلك التقنية يماثل الأسلوب «التأثيري» في الرسم وتضيف: «عموما أنا لا أحب الكمال، فهذا التكنيك يعبر عن مشاعر مختلفة وهنا تحديدا يعبر عن عالم يختفي تدريجيا».
يبقى تأثير الصور الهادئ المنساب بنعومة معي لوقت طويل بعد مغادرة المعرض، ربما يكون ذلك التأثير ما تريد أن تصل له المصورة، وقد لا يكون، لكن المؤكد أن لعبة الضوء والظل تثير الكثير من المعاني والمشاعر داخل النفس البشرية.
«كياروسكورو»..لعبة الضوء والظل في معرض المصورة السعودية ريم الفيصل
رحلة زمنية في أعمالها التي أنتجتها على مدى 25 عامًا
«كياروسكورو»..لعبة الضوء والظل في معرض المصورة السعودية ريم الفيصل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة