في حين لا تزال باريس وبروكسل وكثير من العواصم الأوروبية والعالمية تحت وقع الصدمة التي أحدثتها الأعمال الإرهابية في العاصمة البلجيكية، تدفع فرنسا باتجاه مواقف حازمة وتعيد التأكيد على الحاجة لمحاربة تنظيم داعش حتى القضاء عليه، وليس فقط «تحييده» كما يقول ويكرر الرئيس الأميركي باراك أوباما.
«فرنسا في حالة حرب ضد (داعش)»، هذا ما قاله رئيسا الجمهورية والحكومة يوم الثلاثاء الماضي، وما أكده وزير الدفاع جان إيف لودريان، في تصريحات صحافية أمس. واغتنم الوزير الفرنسي الذي يشغل هذا المنصب منذ ربيع عام 2012 المناسبة، ليرسم تصور بلاده لطبيعة الحرب على «داعش»، خصوصا أن القوات الفرنسية تقاتل على أكثر من جبهة. فهي موجودة بقوة في أفريقيا وبلدان الساحل مثل مالي، والنيجر، وتشاد وبوركينا فاسو، كما أعادت نشر قواتها في المنطقة لتوجيهها نحو مواجهة المخاطر الإرهابية. كذلك عمدت إلى إعادة تأهيل قاعدة «مداما» الواقعة في النيجر، في المثلث الحدودي الجزائري الليبي النيجيري، لتطل باريس منها على ما يجري في الجنوب الليبي. كذلك تساهم فرنسا بقواتها الجوية في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية في العراق وسوريا، ولها حضور استخباراتي وقوات خاصة في الداخل الليبي.
وترى باريس أن خطر «داعش» الذي تبنى المجزرة المروعة التي ضربت العاصمة الفرنسية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وكذلك العمليات الإرهابية الأخيرة في بروكسل تستوجب «الحرب على الإرهاب الشامل». من هنا، فإن الوزير لودريان الذي فند حجج الداعين لانسحاب باريس من الحروب الخارجية بالقول إنه «يتعين الوجود على كل الجبهات لدحر (داعش)»، مضيفا أن التنظيم يتراجع في سوريا والعراق، حيث خسر 25 في المائة من الأراضي التي كان يسيطر عليها. ولذا، شدد الوزير الفرنسي على ضرورة الاستمرار في الحرب «حتى القضاء التام عليه وتحقيق النصر»، مشيرا إلى الحاجة إلى استعادة الموصل (العراق) والرقة (سوريا).
لكن الحرب على «داعش» هي أيضا «داخلية»، ويجب أن تكون، وفق لودريان، بالدرجة نفسها من العزم والحزم. وقال لودريان: «أنا لا أقوم بحرب دينية (ضد الإسلام).. وظيفتي أن أضمن أمن الفرنسيين في الخارج بالتزامن مع وزير الداخلية برنار كازنوف.. ونحن نوفر كل الإمكانيات لدحر العدو (داعش)». ويعزو وزير الدفاع للتنظيم المذكور «خططا للهيمنة العالمية واستخدام الإرهاب لنسف استقرار الديمقراطيات».
ولكن هل يتعين على المواطنين الأوروبيين التخوف من لجوء الخلايا المرتبطة بـ«داعش» إلى استخدام الأسلحة الكيماوية؟ يقول الوزير الفرنسي إن هناك «شكوكا» بخصوص لجوء «داعش» إلى هذا السلاح في سوريا، «لكن استخدامه على التراب الأوروبي أكثر تعقيدا، لأن نقل المكونات الكيماوية (لهذا السلاح) أمر صعب.. ولكن مع ذلك يتعين التزام الحذر».
وإذا كان «داعش» يتقلص في بلدان المشرق (وفق تسمية وزير الدفاع الفرنسي)، فإنه يتمدد في ليبيا ومناطق أخرى من أفريقيا. وخوف لودريان من التطورات في ليبيا مزدوج: فهو أولا متخوف من معاودة تدفق عشرات الآلاف من المهاجرين من ليبيا باتجاه أوروبا. وهو من جهة ثانية، قلق من اتساع رقعة نفوذ «داعش» في ليبيا. وفي الشق الأول، يؤكد أن ما لا يقل عن 800 ألف ساعٍ للهجرة موجودون في ليبيا حاليا، الأمر الذي لم تأت عليه أي إحصائيات معروفة من قبل. وبحسب الخبراء، فإن عودة الربيع واستقرار الطقس والأحوال المناخية ستدفع بعشرات الآلاف من المهاجرين وطالبي اللجوء، وغالبيتهم في ليبيا إلى التدفق مجددا عبر المتوسط والأرجح عبر ليبيا، بعد إغلاق «مر البلقان». وبالنظر لكون ما كشفته التحقيقات الفرنسية والبلجيكية من تمكن عدد من الإرهابيين من التنقل بسهولة بين سوريا وأوروبا، والاندساس في صفوف اللاجئين، فإن المخاوف الأوروبية أن تستنسخ التجربة نفسها في ليبيا.
وينتظر الأوروبيون، ومعهم الولايات المتحدة الأميركية، أن تنجح حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت برئاسة فايز السراج، بفضل مساعي الأمم المتحدة من أن تفرض نفسها وتستقر في طرابلس، وأن تكشف عما تريده من مساعدات أمنية وعسكرية من الدول الغربية، بحيث توفر الغطاء «الشرعي» للتدخل عن طريق تقديم طلب رسمي بهذا الخصوص إلى مجلس الأمن الدولي. وحتى يتحقق هذا الأمر، فإن وحدات خاصة غربية تعمل في ليبيا، كما أن طائرات من غير طيار وأخرى طائرات حربية تقوم بعمليات استطلاع، وأحيانا بعمليات قصف لأهداف تابعة لتنظيم داعش في ليبيا. كذلك يريد الأوروبيون أن تتمكن وحداتهم البحرية الموجودة خارج المياه الإقليمية الليبية من التدخل قريبا من الشواطئ الليبية لملاحقة مهربي البشر ووضع اليد على السفن التي يستخدمونها. ودعا لودريان الأطراف «المؤثرة» إلى الضغط على القوى السياسية الليبية المتناحرة لتسهيل انطلاقة حكومة السراج.
بعيدا عن ليبيا، يتمثل التحدي الأمني الرئيسي الذي ستواجهه باريس انطلاقا من منتصف شهر يونيو (حزيران) المقبل في فعاليات بطولة كرة القدم للبلدان الأوروبية التي تستضيفها فرنسا التي ستجرى في العاصمة باريس وفي المدن الرئيسية. وسمعت أصوات تطالب بأن تجرى المباريات بعيدا عن الجمهور لخفض المخاطر الإرهابية. لكن الحكومة ترفض هذا الطرح، وتؤكد أنها قادرة على توفير الأمن للفرنسيين وللزائرين، كما نجحت في توفير الأمن لقمة المناخ التي استضافتها باريس في الأيام الأولى من ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وأمس، قال لودريان إنه يتعين أن تجرى المباريات كما هو مخطط لها، وإن القوات الأمنية والجيش والأجهزة المختلفة ستسهر على راحة وأمن الجميع، علما بأن عشرة آلاف جندي فرنسي منتشرون على كل الأراضي الفرنسية، وأسندت إليهم مهام حماية المواقع الحساسة، والأماكن العامة ودور العبادة والمرافق الأساسية. وفيما تؤكد السلطات الفرنسية أن التهديد الإرهابي ما زال في أعلى مستوياته، فإن توفير أمن هذه الألعاب يشكل مصدر قلق كبير للسلطات وللأجهزة التي ستوكل إليها مهمة حمايتها.
فرنسا تدعو إلى المواجهة «الشاملة» للإرهاب.. والقضاء على «داعش» نهائيًا
باريس ستواجه تحديات أمنية كبرى مع انطلاق مباريات «اليورو 2016»
فرنسا تدعو إلى المواجهة «الشاملة» للإرهاب.. والقضاء على «داعش» نهائيًا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة