بعد وفاته بـ100 عام، أصبح على النمساويين التعرف من جديد عن حياة إمبراطورهم، فرانز جوزيف الأول، ليس في معرض واحد فحسب، وإنما أربعة معارض بدأت من أول من أمس وستستمر حتى 27 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى المئوية لوفاته.
وكانت المكتبة النمساوية الوطنية بفيينا، التي تعتبر جزءا من مباني قصر الهوفبورك قد استبقت الافتتاحات الرسمية بدعوة حضرها الرئيس النمساوي هاينز فيشر وحشد من رجال الصحافة والإعلام لكون أن الإمبراطور المولود عام 1830 والمتوفى 1916 الذي حكم النمسا وإمبراطورية الهابسبرغ لفترة 64 سنة، كان يوصف بـ«آلية إعلامية» ضخمة، وأنه اهتم بصورة غير مسبوقة بالإعلام، بل وفي واقع الأمر، كانت له إمبراطورية إعلامية وكاميرات لاحقته حيثما، انتقل مما جعله يحتفظ بإرثه خير حفظ.
تركز المعارض على حياة الإمبراطور فرانز جوزيف المشهور بـ«شاربه» المميز الذي ما تزال مسابقات تقام لاختيار أكثر الشوارب شبها به، فيما أجمعت كثير من المصادر على أن الإمبراطور لم يكن مجرد حاكم بل كان رأس دولة مثيرا للجدل.
تمت خصخصة المعارض لتسليط الضوء على المزيد من الصور والمعلومات التي تعرض بطرق تقنية حديثة وجذابة تتابع تطورات حياته السياسية والشخصية وحتى مظهره.
وفي هذا السياق، تقام المعارض بأكثر من موقع، منها اثنان بقصر الشونبرون حيث ولد وعاش ومات الإمبراطور، أحدهما بعنوان «رجل وعرش»، والثاني بعنوان «حياة ومناسبات»، أما الثالث فيقام بجزء من المكتبة الوطنية جوار قصر الهوفبورغ الذي كان بمثابة المقر الشتوي لأباطرة الهابسبرغ فيما كانوا يسكنون قصر الشونبرون صيفا. تحت عنوان «ملك وصيد» يجيء المعرض الرابع والمقام بقصر «نيدر فيلدن» خارج فيينا على بعد 50 كيلومترا شرقا بإقليم النمسا السفلى، ويركز على عشق الإمبراطور للصيد الذي يصفونه بأنه كان «صيدا رحيما» دون أي شرح لكيفية ذلك، خاصة أن المعرض يضم عددا مهولا من البنادق ومعدات القنص.
ويذكر أن المنظمين ورغم كثرة المعروضات وتنوعها حرصوا على تغييب الإمبراطورة إليزابث زوجة الإمبراطور التي يعشقها النمساويون لدرجة الغرام، ما بدا وكأنهم تحسبوا أن تطغى شعبيتها على الإمبراطور.
إلى ذلك، تعرض للمرة الأولى الكثير من خطابات الغرام التي ظلت ملتهبة طيلة 34 عاما بين الإمبراطور وعشيقته الممثلة كاترينا شرات، التي توفيت عام 1940 عن عمر يناهز الـ86 والتي ورغم وفاتها بسنوات بعد الإمبراطور فإنها لم تتحدث مطلقا عن علاقتهما.
ومعلوم أن زواج الإمبراطور فرانز جوزيف من الإمبراطورة إليزابث المشهورة باسم سيسي كان حدثا في حد ذاته إذ تزوجها ضد رغبة والدته التي كانت تفضل الشقيقة الأكبر لسيسي بدعوى أنها الأكثر رزانة وقدرة واستعدادا لحياة القصور والمسؤولية، فيما أحب الإمبراطور الأخت الصغرى، وكلتاهما بنت خالته.
ويقول النمساويون إن أم الإمبراطور فرانز جوزيف كانت «حماة» متسلطة لم تقبل مطلقا اختيار ابنها مما تسبب في شقاء سيسي، وزاد نفورها من البقاء في فيينا، مفضلة أجزاء أخرى من الإمبراطورية التي غطت معظم أوروبا وامتدت حتى المكسيك.
وكان الإمبراطور فرانز جوزيف قد تعرض في حياته لمأساة تلو الأخرى، ومن ذلك وفاة مولودته الأولى، وهي ما تزال طفلة رضيعة ثم ازداد شقاء بوفاة ابنة وولي عرشه الأمير رودلف الذي توفي منتحرا في عام 1889، مما منح حق ولاية العهد لابن أخيه «الذي كان يكرهه لدرجة أنه لم يحضر حفل زواجه 1900 كما لم يحضر جنازته 1914».
يضم المعرض أيضا صورا كثيرة للإمبراطور وصغاره وأحفاده، ومعلوم أن الإمبراطورة سيسي كانت تفضل تصويرها وحيدة جميلة دون صغار وزوج وأحيانا مع كلبها.
زادت مصائب الإمبراطور مصيبة بحادث شنيع أدى لاغتيال زوجته الإمبراطورة سيسي على يد انفصالي إيطالي وهي في رحلة بسويسرا. سبق تلك المآسي التي لاحقت الأسرة الصغيرة للإمبراطور فرانز جوزيف حادث إعدام شقيقه فردينداند ماكسيمليان الذي ولاه على المكسيك. ولم يسلم فرانز جوزيف نفسه من محاولة اغتيال أوشكت أن تؤدي بحياته بعدما أصابه معارض مجري بسكين إصابته بجرح عميق في عنقه. ظلت المآسي تطارد الإمبراطور فرانز جوزيف حتى عامين قبل وفاته بحادث اغتيال ابن أخيه الأرشيدوق فرانز فرديناند بمدينة سراييفو 28 يونيو (حزيران) 1914 في حادث أدى لاشتعال شرارة الحرب العالمية الأولى ونهاية إمبراطورة الهابسبرغ للأبد.
من جانب آخر يركز معرض «رجل وعرش» على نجاحات الإمبراطور فرانز جوزيف كرجل دولة نال تعليما صارما وخبرة عسكرية واسعة فحكم إمبراطورية مترامية الأطراف ضمت المجر وبوهيميا وألمانيا وسلوفيينا وكرواتيا وسويسرا وإسبانيا وإيطاليا، وحتى القدس، كما وصلت إلى المكسيك.
إلى ذلك، نجح الإمبراطور فرانز جوزيف كدبلوماسي ماهر في عقد أحلاف مع القيصر الألماني فيلهام 1871 ومع قيصر روسيا الإسكندر الثاني 1873.
توفي القيصر فرانز جوزيف في سريره بقصر الشونبرون بعد إصابته بالتهاب رئوي، وما تزال أغراضه الشخصية بالقصر «الذي أصبح أكبر مزار سياحي نمساوي» موجودة، وكأنه قد خرج وسوف يعود لاستخدام منشفته أو فرشاة أسنانه أو ليواصل مطالعة كتابه ومن ثم الجلوس على مائدة طعامه، مما يكسب القصر منظرا وروحا يختلفان عما يماثله من قصور أوروبية، لا سيما قصر فرساي الفرنسي الذي استنسخته الإمبراطورة النمساوية ماريا تريزا بعدما سكنته ابنتها الإمبراطورة ماري أنطوانيت، التي سيقت من فرساي بصحبة زوجها الملك لويس السادس عشر بعد هجوم كاسح بواسطة الثوار وتدميرهم لممتلكات الملك والملكة، وذاك مصير نجا منه فرانز جوزيف والشونبرون.
إمبراطور النمسا جوزيف الأول يطل من جديد في الذكرى المئوية لوفاته
«رجل وعرش».. «حياة ومناسبات».. «ملك وصيد» عناوين لمعارض تسلط الضوء على حياته
إمبراطور النمسا جوزيف الأول يطل من جديد في الذكرى المئوية لوفاته
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة