تغريم إيران يؤكد علاقتها بـ«القاعدة».. ويحرج أوباما وإدارته

محللون سياسيون ينتقدون صمت البيت الأبيض إزاء تجاوزات طهران

صورة أرشيفية لهجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية التي استهدفت برجي التجارة العالمية في نيويورك (غيتي)
صورة أرشيفية لهجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية التي استهدفت برجي التجارة العالمية في نيويورك (غيتي)
TT

تغريم إيران يؤكد علاقتها بـ«القاعدة».. ويحرج أوباما وإدارته

صورة أرشيفية لهجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية التي استهدفت برجي التجارة العالمية في نيويورك (غيتي)
صورة أرشيفية لهجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية التي استهدفت برجي التجارة العالمية في نيويورك (غيتي)

لا تزال تداعيات هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) تلقي بظلالها على الأميركيين، وكانت آخر التداعيات قرار محكمة فيدرالية أميركية بتغريم إيران عشرة مليارات ونصف المليار دولار بسبب تورّطها في دعم منفذي الاعتداءات التي نفّذها إرهابيون بطائرات مختطفة استهدفت أبراجا تجارية ومباني رسمية في الولايات المتحدة، وأدت إلى مقتل وإصابة آلاف من الضحايا، وأعقبتها حروب أطاحت بنظامي الحكم في أفغانستان والعراق، وأعمال عنف أخرى.
وبحسب القرار الصادر من المحكمة الفيدرالية، يترتّب على إيران دفع غرامة لتعويض ذوي الضحايا والشركات المتضررة من الهجمات.
يذكر أنها المرة الثانية التي تصدر فيها محكمة أميركية قرارًا ضد إيران بتهمة التعاون مع تنظيم «القاعدة» في هجمات سبتمبر، حيث قضت محكمة أميركية عام 2012 على إيران بدفع 6 مليارات دولار كتعويض لأسر ضحايا 11 سبتمبر، وذلك بعدما وجهت الإدارة الأميركية اتهامات إلى إيران بإبرام اتفاق سري مع مجموعة تابعة لـ«القاعدة»، تسهّل مهّمتها في استقطاب أعضاء جدد، وتجميع الأموال لصالح التنظيم، وتسهيل تنفيذ هجمات في باكستان وأفغانستان.
يقول الباحث الأميركي بجامعة «جورج واشنطن» ستيفن هيغ: لم يكد يجف حبر المقابلة المطوّلة التي أجراها الرئيس أوباما لمجلة (الأتلانتيك) مع الصحافي جيفري غولدبرغ، حيث كرّر انتقاده اللاذع للعرب ووصفهم «بالقبليين»، متهما حلفاء بلاده التقليديين رغم التزامهم باستقرار المنطقة في ظل قيادة الولايات المتحدة، بنشر التطرف في العالم، حتى تلقى ونظرياته عن المنطقة صفعتين متتاليتين من الإيرانيين، الذين وصفهم «بالعقلاء»، الذين يحسبون حساب الربح والخسارة عند اتخاذهم قراراتهم الاستراتيجية.
وأتت الصّفعة الأولى التي سبقت نشر المقابلة على شكل التجارب الصاروخية الباليستية التي تحدّت بالصوت والصورة العقوبات الأميركية، التي فرضتها مطلع العام بسبب برنامجها الصاروخي. أما الصفعة الثانية، فكانت في قرار المحكمة في مدينة نيويورك برئاسة القاضي جورج دانيلز والتي قضت بتغريم إيران بـ10.7 مليار دولار لتورطها في أحداث 11 سبتمبر، لتصرف كتعويضات لصالح أسر ضحايا الهجمات، وشركات التأمين المتضررة. كل ذلك يأتي على خلفية الصورة المهينة والمذلة للبحارة الأميركيين الذين احتجزوا لساعات، قبل أسابيع، من قبل الباسيج الذي عمد إلى نشرها في الصحافة، غير آبه، أو مطمئنا لغياب أي رد فعل من قبل الرئيس أوباما وإدارته.
من جهته، يرى لي سميث، كبير المحللين في معهد «هادسون» الأميركي، أن هذا الحكم جاء ليؤكد ما هو معروف في الأوساط السياسية في واشنطن حول علاقة إيران بالقاعدة والشبهات حول ضلوعها في هجمات 9-11. أما عن مدى تأثير هذا الحكم على الرأي العام، فقد أكد سميث أنه ومنذ احتلال السفارة الأميركية في إيران، وصولا إلى احتجاز البحارة الأميركيين قبل أسابيع ومعاملتهم كأسرى حرب، كل استطلاعات الرأي التي أجريت تؤكد على أمر واحد: الرأي العام الأميركي لديه نظرة سلبية جدا عن إيران.
ولا يعتقد سميث أن هذا الحكم قد يغير من سياسة البيت الأبيض، فما حدث سابقا من إحراق سفارة السعودية، وقبلها مع تمكن قراصنة إيرانيين من التحكم والسيطرة على سد صغير أقل من 20 ميلا من مدينة نيويورك قبل عامين، لم يحمل البيت الأبيض على أي رد فعل قوي ضد طهران في ظلّ ذهول حلفاء الولايات المتحدة التقليديين. وقد تواجه إدارة الرئيس أوباما ضغوطا اليوم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي من أجل اتخاذ إجراءات لمعاقبة إيران على إقدامهما على تحدّي العقوبات الأميركية من خلال تجاربها للصواريخ الباليستية، ولكن هذا لن يغير من نهج أوباما الذي طالب في حواره مع «الأتلانتيك» السعودية بالقبول بمناطق نفوذ لإيران في المنطقة. وأضاف سميث أن إمعان إيران في تحدي الولايات المتحدة والإفلات من العقاب إنما يقصد منه إرسال رسالة للسعودية، تدّعي من خلالها أنها باتت قوة إقليمية بدعم أميركي.
بهذا الصدد، يرى الباحث الاجتماعي الأميركي الشهير، روبرت كنتر، أن أوباما أسير عقد كثيرة قد تبدأ بعلاقته المتوترة مع أبيه الكيني، والمضطربة مع أمه، وصولا إلى شخصيته المغرورة والتي تأبى التراجع عن أخطاء وتقديرات ارتكبها خلال فترة حكمه في البيت الأبيض، في حين لا يمر أسبوع إلا وتبرهن الأحداث عقم نظرياته وخطورتها على العالم. ويقول السيناتور السابق، جو ليبرمان، إن العالم أصبح اليوم أكثر من أي وقت مضى ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية أقل استقرارا، نتيجة لسياسات أوباما.
أما التهديدات، فتأتي من القوى التوسعية مثل إيران وروسيا والصين البلاد التي يتماهى معها الرئيس الأميركي ويعتبرها شريكة في حلول الأزمات العالمية، من دون إغفال طبعا خطر «داعش» والقاعدة، والتي يبدو من خلال الوقائع الدامغة أن تلك الأخيرة على علاقة عضوية مع الحرس الثوري الإيراني. ويبقى السؤال المطروح هو ماذا ستفعل الإدارة الأميركية القادمة إزاء تلك المشاكل التي سيخلفها لها الرئيس أوباما؟



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.