«باد راغاز».. ألف باء الصحة والرفاهية

السياحة العلاجية في سويسرا تحت شعار «حياتي نفسي صحتي»

بركة سباحة خارجية بمياه جوفية ساخنة
بركة سباحة خارجية بمياه جوفية ساخنة
TT

«باد راغاز».. ألف باء الصحة والرفاهية

بركة سباحة خارجية بمياه جوفية ساخنة
بركة سباحة خارجية بمياه جوفية ساخنة

تشتهر سويسرا بعدة أنواع من السياحة، على رأسها السياحة العلاجية، وهذا النوع من السياحة يشد الكثير من الزوار من منطقتنا العربية وباقي الدول الأوروبية المجاورة، ولكن في الكثير من الأحيان يكون مكان الإقامة أقرب إلى كونه مستشفى كامل التجهيزات وفيه مجموعة من أهم الأطباء في مختلف المجالات، إنما ما يجعل منتجع «باد راغاز» الواقع على مسافة 250 كلم من زيوريخ (ساعة ونصف بالقطار) مكانا مختلفا عن غيره في سويسرا هو أنه يجمع ما بين صفات الفنادق الراقية والمستشفيات الضخمة بنفس الوقت، فهو مقسم على ثلاثة مبان يختلف كل منها من حيث الهندسة والشكل من الخارج وذلك لأنه تم افتتاح المنتجع على مراحل بعد حصول المهندس المعماري برنارد سايمون على الملكية التامة من كانتون سانت غالين وبعد حصوله على رخصة تؤهله من استخدام المياه الجوفية الساخنة المنبعثة من أعماق أرض المنطقة منذ أكثر من مائة سنة.
وللحصول على إذن البناء كان لا بد أن يتعهد المهندس ببناء حمام للعموم ونزل للباحثين عن العلاج من خلال المياه الساخنة.
وفي عام 2009 تم افتتاح الجزء الأحدث من المشروع، وهو عبارة عن مركز صحي على مساحة خمسة آلاف متر مربع وتم حديثا ضم مبنى جديد على شكل مستشفى متخصص بتأهيل المرضى بعد تعرضهم لأزمات صحية (أزمات قلبية، عمليات زرع أعضاء، عمليات تركيب أطراف صناعية..).
يمكن التنقل بين مبنى وآخر من الداخل، فلكل مبنى بهو خاص به يمكن الوصول من خلاله إلى بهو المبنى الآخر، وما يميز المشروع هو تركيزه على الصحة والتأهيل الصحي مع إتاحة الفرصة للأكل الصحي طيلة فترة الإقامة في مطاعم حاصلة على نقاط «غولت ميو» ونجوم ميشلان، فإذا أردت اتباع حمية غذائية محددة تحت إشراف أحد الأخصائيين فلا تشعر بالحرمان من النكهات الجيدة.
ويشرف على المستشفى أكثر من 70 طبيبا، كل مختص في مجاله، ويستقبل المستشفى السياح القادمين من الخارج بغية تأهيل أنفسهم بعد إجراء عمليات معينة، كما أن المستشفى مجهز بأهم المعدات ولكن يتهيأ إليك وكأنك في فندق من فئة 5 نجوم، وهذا الأمر مهم جدا لأن البعض يشعرون بالانزعاج بسبب تواجدهم في المستشفيات التقليدية.
وفي مقابلة أجرتها «الشرق الأوسط» مع رئيس الجهاز الطبي في مستشفى المنتجع الدكتور كليمنس زيبر، أوضح أهمية هذا المشروع الذي يستقبل الكثير من السياح أو المرضى من المنطقة العربية، وأوضح بأن المرضى يأتون إلى المشروع للراحة في المقام الأول ولاتباع برامج خاصة لإعادة تأهيلهم، كما أن هناك برامج كثيرة أخرى للمحتاجين إلى إنقاص وزنهم، فيشرف فريق من الأخصائيين الغذائيين على كل زائر، ويتم وضع برنامج خاص بما يشمل النظام الغذائي بالتنسيق مع مطابخ المطاعم المتوفرة والطهاة، كما توجد على لوائح الطعام في جميع المطاعم المتوفرة ما يعرف باسم «المطبخ المتوازن» Cuisine Equilibree ويبرز عدد السعرات الحرارية لكل طبق ونسبة الدهون فيه، ويتابع زيبر بأن زوار المنتجع يأتون لعدة أسباب ويأتون بأعداد كبيرة، فتكون فرصة لمعظم أفراد العائلة المرافقة للمريض لإجراء الفحوصات اللازمة والاستفادة من الإقامة في مكان راق مجهز بناد صحي ومركز رياضي وبرك سباحة تأتي إليها المياه الجوفية الساخنة التي يتم تخفيض درجة حرارتها إلى نحو 30 درجة مئوية، مباشرة من الجبل، كما توجد عدة رياضات وهناك فريق كامل من الأطباء الذين يسهرون على راحة المريض أو الزائر.
* نشاطات ورياضات
توجد في المنتجع 18 حفرة لرياضة الغولف بالإضافة إلى ملعب جديد بتسع حفر، كما يقدم المنتجع برامج يومية فترة الصباح لممارسة الرياضة في الماء من خلال دروس مع اختصاصيين يطلق عليها اسم «ووتر جيم»، كما يوجد مكان خاص لمزاولة رياضة البولينغ وصالة لألعاب كرة الطاولة والبلياردو للأصغر سنا.
ويؤمن المنتجع دراجات هوائية من الممكن الحصول عليها بالمجان، وأنصح هنا بركوب الدراجة والذهاب بها إلى الغابة المجاورة المحاذية للنهر، فتلاقيك وأنت في طريقك إلى هناك أروع المناظر الطبيعية، كما يمكن التعرف على قرية باد راغاز الصغيرة التي تنتشر فيها البوتيكات التي تفتح في أوقات معينة من النهار. وتكون السباحة أهم ما يمكنك أن تقوم به في المنتجع، فتشعر بالاسترخاء في بركة سباحة داخلية في مياه ساخنة قرب مركز صحي ضخم.
ولمحبي التزلج يمكنهم التوجه إلى أقرب منحدر وهو يبعد بنحو عشر دقائق عن المنتجع، وفي حال لم تكن من محبي رياضة التزلج يكفي أن تتوجه إلى أعلى الجبل عبر مصعد كهربائي لتناول الغداء في المطعم الجبلي المطل على أجمل المناظر الطبيعية.
* المركز الصحي
توجد في المركز الصحي غرف سونا وبخار وغرف تدليك، ويقوم فريق كامل مختص بالعلاجات الضرورية، وقد يكون الأخصائي المعروف باسم (زاندي) كردي الأصل من أهم المختصين على الإطلاق، فهو مختص بآلام الرقبة والظهر والتشنجات فيقوم بعلاج طبي بحسب ما يحتاجه المريض، كما يوجد في المركز، جيم فيه جميع الأجهزة، وهناك نظام يخولك اتباع برنامج خاص بك طيلة فترة إقامتك، وأهم ماكينة تجدها في المركز هي عبارة عن غرفة صغيرة تتسع لشخص واحد، يتعين عليك الجلوس فيها وتحمل ارتفاع الحرارة تدريجيا إلى أن تصل إلى أربعين درجة مئوية، لترى العرق يتصبب من كل أجزاء الجسم، وهذه الماكينة طورها مصمم سويسري ألماني، وتعتبر برأيي من أهم الماكينات التي تساعد على خسارة الوزن لأنها فعالة جدا.
* الطعام
قد تكون أفضل مقاصف الأكل في باد راغاز واقعة في المنتجع، لأنه يضم مجموعة من المطاعم الراقية، فإذا كنت تبحث عن المأكولات السويسرية التقليدية مثل (الفوندو والراكليت والروستي) فما عليك إلا بالذهاب إلى مطعم «زولستوبي» Zollstube وهناك قسم خاص منه مخصص للفوندو لكي لا ينزعج الزوار غير الراغبين في تناول هذا النوع من الجبن، من الرائحة القوية التي تفوح من الوعاء الخاص وهو يغلي على النار.
وإذا كنت ترغب في عشاء على ضوء الشموع، يقدم مطعم «بيل إير» Bel Air الحاصل على 15 نقطة غولت ميو، ألذ الأطباق الفرنسية، كما يقدم مطعم «أوليف دور» Olives d’Or العصري العشاء والفطور على طريقة البوفيه ويطل على أجمل المناظر الطبيعية.
ولمحبي السيجار حصتهم، حيث يوجد في المبنى الجديد صالة مخصصة لتدخين السيجار في أجواء راقية وسط ديكورات رائعة، جدران تزينها أجمل اللوحات وأرائك تنبعث منها رائحة الجلد الطبيعي التي تطغى على رائحة السيجار.
وفي المنتجع أيضا مطعم «نامن» Namun الحائز على 13 نقطة غولت ميو، أما مطعم «غولف» Golf فهو حاصل على 13 نقطة أيضا.
* التسوق
قد لا تكون باد راغاز العنوان الأمثل للتسوق بكل ما في الكلمة من معنى لأن المنطقة هي بالنهاية قرية صغيرة تقتصر على بيع التذكارات والحلي ومحلات بيع الأجبان والمخبوزات والشوكولاته فقط.
ولكن إذا كنت تود القيام برحلة تسوق، فيمكنك طلب سيارة من المنتجع لكي يستقلك سائقها إلى «الأوتليت» القريب الذي يعرف باسم «البينزاين أوتليت» وفيه تجد أهم الماركات العالمية بأسعار مخفضة، وفيه تجد عدة ماركات سويسرية إضافة إلى ماركات عالمية أخرى، من دون أن ننسى محلات بيع الشوكولاته السويسرية بأسعار مخفضة أيضا.
يشار إلى أن الأوتليت يبعد نحو 10 دقائق فقط من المنتجع بواسطة السيارة.
* برنامج «راغازر» للتخسيس
هذا النظام هو أكثر ما يجعل من منتجع باد راغاز ملاذا مهما بالنسبة للسياح الذين يعانون من الوزن الزائد، فمن خلال هذا البرنامج الذي يمتد على ست ليال يقوم فريق طبي بفحص الطبيب عند وصوله، وتقييم وزنه وحالته الصحية، وتقدم له النصائح اللازمة مع فحص معدل نسبة الدهون في الجسم، وخلال الإقامة يقوم فريق خاص في المطبخ بتحضير الأطعمة الخاصة به والتي تناسب حالة المريض وحجمه، ويتم إعطاؤه لترين من المياه الجوفية الساخنة الصالحة للشرب (لأنها أثبتت علميا أنها تساعد على خسارة الوزن)، ويقوم مدرب رياضي بحصة يومية مدتها 50 دقيقة مع المريض بالإضافة إلى ممارسة رياضات أخرى يوصي بها الأخصائي. (السعر 2833 يورو عدا سعر الإقامة).
إضافة إلى هذا البرنامج هناك برامج كثيرة أخرى مثل «راغازر ديتوكس» Ragazer Detox وNutrition and Training وهذا البرنامج يساعد على تحسين التمثيل الغذائي للمرء من خلال الاستعانة بالمختبر.
وللباحثين عن بشرة نضرة، يقدم المنتجع برامج خاصة لمكافحة التجاعيد والشيخوخة ويطلق على البرنامج اسم Ragazer Anti - Aging، ويشار إلى أن المنتجع يضم أول بوتيك خاص بمستحضرات «لا بريري».
* ولادة باد راغاز
في عام 1242 اكتشفت الينابيع الساخنة الأولى في المنطقة في باد راغاز الواقعة عند أسفل جبال الألب إلى الجهة الشرقية من سويرا، وتم اكتشافها على أيدي الرهبان وهم في رحلة صيد، فرأوا الماء ينبعث من جوف الأرض، وانتشر الخبر في المنطقة، فراح الحجاج يقصدون الينابيع للاستحمام، وكانت الطريقة الوحيدة للوصول إلى القعر من خلال إنزال المرضى من خلال ربطهم بحبال وكانوا يتركون في الماء لمدة أسبوع كامل ظنا منهم أن الماء بمثابة أعجوبة إلهية ستشفيهم من الأمراض، غير أن تركهم لمدة طويلة في الماء كان يضرهم بدلا من أن ينفعهم.
في عام 1535 أكد أول طبيب في المنطقة ويدعى باراسيلوس فون هوهينهايم فوائد مياه الينابيع لتصبح المنطقة من أهم المقاصد الصحية في أوروبا.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».