تشير معظم المؤشرات المالية الحالية في الصين، إلى قرب تبني بكين سياسة «التحفيز المالي»، بعد نتائجها المالية المخيبة للآمال في معظم القطاعات، الأمر الذي أثر على معدلات النمو بالسلب لينخفض لمستويات لم يصل إليها منذ 25 عامًا، مع استمرار التراجعات الحادة في البورصة الصينية، الذي أجبر البنك المركزي الصيني على ضخ مليارات الدولارات في أسواق المال.
لكن يبدو أن ضخ السيولة ودعم بعض القطاعات في الصين سيكون بشكل دوري، لإنعاش ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لتتحول بكين إلى سياسة «التحفيز المالي»، لتعويض عملية النزوح الكبيرة لرؤوس الأموال عن الصين، وهو ما يهدد الاقتصاد العالمي.
واتفق وزراء مالية ومحافظو البنوك المركزية لدول مجموعة العشرين في اجتماعهم في شنغهاي منذ أيام على اعتماد سياسات تحفيز نقدي وضريبي لدعم الاقتصاد العالمي المتباطئ، وأشار وزراء مالية الدول الأكثر ثراء في العالم في بيانهم الختامي إلى المخاطر التي يواجهها النمو العالمي؛ مشددين على ضرورة استخدام كل الوسائل من سياسات نقدية وتحفيز ضريبي وإصلاحات هيكلية على صعيد «فردي وجماعي».
وتوقعت كريستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي، الجمعة الماضي في كلمتها خلال افتتاح اجتماع محافظي البنوك المركزية ووزراء المالية لدول مجموعة العشرين، نمو اقتصاد الصين 6.3 في المائة في 2016.
واعترفت الصين بوجود ضغوط متزايدة على اقتصادها؛ إذ أوضحت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية مؤخرًا، أن الصادرات الصينية واليوان يواجهان ضغوطًا قوية ناتجة عن المرحلة التي وصل إليها الاقتصاد العالمي.
وهناك عدة عوامل تزيد الضغوط الانكماشية على الصين، منها تسارع تضخم أسعار المستهلكين في يناير (كانون الثاني) الماضي بفعل زيادة أسعار السلع الغذائية، بينما واصلت أسعار المنتجين الهبوط للشهر السابع والأربعين على التوالي مع تراجع أسعار السلع الأولية وضعف الطلب.
وفقد مؤشر «هنج سنج» الصيني 12.79 في المائة من قيمته خلال العام الماضي، كما فقد مؤشر شنغهاي 24.05 في المائة من قيمته خلال الفترة نفسها، كما أظهر مسح رسمي نُشر أمس الثلاثاء أن نشاط قطاع الخدمات في الصين نما في فبراير (شباط) الماضي، لكن بوتيرة أبطأ من الشهر السابق.
وضخت الصين سيولة في النظام المالي الأسبوع الماضي، بلغت 163 مليار يوان (نحو 25 مليار دولار أميركي) عبر تسهيلات الإقراض متوسط الأجل، وهي أداة مالية لمساعدة البنوك السيادية والتجارية على المحافظة على السيولة النقدية من خلال السماح لها بالاقتراض من البنك المركزي باستخدام الأوراق المالية ضمانات.
وعلى الصعيد الصناعي في الصين، تعاني شركات كثيرة في قطاع الصناعات الثقيلة من فائض الإنتاج بعد تكثيف للاستثمارات، في وقت شهد فيه الطلب تراجعًا، يضاف إليه تباطؤ حاد لسوق العقارات والبناء في البلاد، الأمر الذي جعل غرفة التجارة التابعة للاتحاد الأوروبي في بكين، تحذر من استمرار ارتفاع الإنتاج الصناعي أمام طلب ضعيف، مما يضر بنمو البلاد ويهدد الاقتصاد العالمي.
ومما يوضح حجم تأثير الأزمة في القدرة الإنتاجية الصناعية بالصين، على العالم أن صانعي الفولاذ الصينيين ينتجون أكثر من الدول الأربع المنتجة الرئيسية الأخرى؛ اليابان والهند والولايات المتحدة وروسيا، لكن نصفهم يعاني من العجز، كذلك أنتجت الصين من الإسمنت خلال عامين ما أنتجته الولايات المتحدة في القرن العشرين برمته.
وتبلغ الطاقة الإنتاجية الفائضة لقطاع الصلب في الصين سنويًا نحو 400 مليون طن، أي قرابة نصف الإنتاج الكلي للصين في عام 2015، وقالت رابطة الحديد والصلب الصينية إنه من المحتمل أن تتفاقم الطاقة الفائضة في عام 2016.
وقال مصدران على صلة بالقيادة الصينية، لوكالة «رويترز» أمس، إن البلاد تخطط لتسريح ما بين 5 ملايين و6 ملايين موظف في «الشركات الحية الميتة»، على مدى العامين أو الأعوام الثلاثة المقبلة في إطار جهود رامية للحد من التلوث وفائض الطاقة الإنتاجية بالقطاعات الصناعية.
و«الشركات الحية الميتة» مصطلح يُطلق على الصناعات المتضررة من تخمة المعروض.
وقال أحد المصدرين إن خطط الحكومة لتسريح 5 ملايين عامل ستمثل أجرأ برنامج لخفض النفقات تتبناه البلاد في نحو 20 عاما.
وأدت إعادة هيكلة الشركات الحكومية في الفترة بين عامي 1998 و2003 إلى تسريح ما يقرب من 28 مليون عامل، وكلفت الحكومة المركزية نحو 73.1 مليار يوان (11.2 مليار دولار) لإعادة توزيع هذه العمالة.
وتهتم الحكومة الصينية بشدة بإبقاء معدل البطالة عند مستويات منخفضة.
ويواجه صندوق معاشات التقاعد في البلاد ضغوطًا نتيجة النقص الحاد في التمويل الذي قد يرتفع إلى نحو 11 تريليون دولار في العشرين عامًا المقبلة، ومن المقرر أن تضع الحكومة الصينية خطة في 2017 لرفع سن التقاعد الرسمي، للسيطرة على الأزمة. ويبلغ سن التقاعد الرسمي لغالبية الرجال 60 عامًا، وللنساء في الحكومة والشركات الحكومية 55 عامًا، ولفئات أخرى 50 عامًا.
وعلى صعيد تطورات العملة، قال وزير الخزانة الأميركي جاك ليو، الأحد الماضي، إنه من المهم أن تتحرك الصين نحو أسعار صرف أكثر اتساقًا مع السوق، وأن تطلع الأسواق على هذه الخطوات بوضوح.
وفي آخر العام الماضي ضم صندوق النقد الدولي عملة الصين إلى سلة عملات الاحتياطي العالمي التابعة للصندوق، على أن تتحول إلى مكون من مكونات السلة بحلول أكتوبر (تشرين الأول) 2016، ومن المتوقع أن يحتل اليوان المركز الثالث بين أهم العملات العالمية خلال السنوات العشر المقبلة، جنبًا إلى جنب مع الدولار الأميركي واليورو.
وتتحكم الصين في سعر صرف اليوان من خلال متوسط السعر الرسمي، وقام بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) بتخفيض السعر المرجعي لليوان إلى أدنى مستوى له منذ شهر في نهاية فبراير الماضي، رغم تأكيد بكين خلال اجتماع المسؤولين الماليين لمجموعة العشرين عزمها عدم تخفيض قيمة عملتها.
ويرتكز محور القلق العالمي من تحركات اليوان الصيني، على حجم التجارة الكبير الذي يسيطر عليه ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهو ما يؤثر على أسعار السلع الأولية والنفط وبالتالي معدلات التنمية في الاقتصاد العالمي.
وأضاف وزير الخزانة الأميركي جاك ليو في اجتماعه مع نائب رئيس وزراء الصين وانغ يانغ في بكين عقب انتهاء اجتماع مجموعة العشرين في شنغهاي: «مع مواجهة الاقتصاد العالمي كثيرا من التحديات، تكتسب الاتصالات بيننا التي تتسم بالصراحة، أهمية أكبر من ذي قبل، وينبغي أن نستمر في العمل معا من أجل مصلحة بلدينا». وتابع: «نرحب بجهود الصين للتحول إلى اقتصاد يعتمد على الاستهلاك بشكل أكبر عن طريق سياسات تشمل دعم الطلب الاستهلاكي وخطوات لتقليص الفائض في الطاقة الصناعية، ونتطلع لاستمرار إصلاح القطاع المالي بما يعزز الاستقرار المالي».
المؤشرات الاقتصادية في الصين.. نحو سياسة «التحفيز المالي»
تراجع معدلات النمو وهبوط في الأسواق وفائض إنتاجي ضخم
المؤشرات الاقتصادية في الصين.. نحو سياسة «التحفيز المالي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة