10 سنوات على حكم حماس (2 - 4) : غزة: حياة مأساوية ومستقبل غامض يدفع الشباب إلى الانتحار

بلا كهرباء ولا ماء ولا وقود ولا معابر.. مع آفاق غامضة يصلون إلى طريق مسدود

غزاويون يحاولون التغلب على الوضع الاقتصادي الصعب في سوق الأسبوع في القطاع (أ.ف.ب)
غزاويون يحاولون التغلب على الوضع الاقتصادي الصعب في سوق الأسبوع في القطاع (أ.ف.ب)
TT

10 سنوات على حكم حماس (2 - 4) : غزة: حياة مأساوية ومستقبل غامض يدفع الشباب إلى الانتحار

غزاويون يحاولون التغلب على الوضع الاقتصادي الصعب في سوق الأسبوع في القطاع (أ.ف.ب)
غزاويون يحاولون التغلب على الوضع الاقتصادي الصعب في سوق الأسبوع في القطاع (أ.ف.ب)

بعد تفكير طويل لم يتردد الشاب الغزي «محمد. ص» والذي يسكن في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، بتناول كمية من السم لإنهاء حياته التي وصفها بالبائسة ومن دون مستقبل، قبل أن تتدخل مجموعة من المارة الذين شاهدوه وهو يسقط على الأرض مغشيا عليه، لينقلوه على عجل إلى مستشفى الشفاء ما ساهم في إنقاذ حياته.
محاولة محمد البالغ من العمر 29 عاما، والتي تمت في الثالث عشر من شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، لم تكن المحاولة الأولى بل سبقه آخرون ونجحوا في الانتحار ولحقه آخرون كذلك، في تعبير صارخ عن ضنك الحياة التي يعيشها الناس في القطاع الصغير المحاصر.
استمر الأطباء نحو 4 ساعات حتى استطاعوا إنقاذ حياته بعد تناوله للمادة السامة، واستمر نحو 6 ساعات إضافية قابعا في غرفة العناية المركزة وسط مراقبة شديدة من قبل الأطباء لحالته الصحية حتى استطاع استعادة وعيه، فمكث يومين آخرين تحت الرعاية الطبية، ومن ثم عاد إلى حياته.
يقول محمد لـ«الشرق الأوسط» في جلسة «مصارحة»، إنه لن يفعل ذلك ثانية، لكنه حين فعلها كانت الحياة ضغطت عليه بما يكفي. مضيفا: «لم أكن قادرا على تحمل أعبائها الكبيرة والمتراكمة».
وتوفي والد محمد قبل 13 عاما وترك في رقبته عائلة مكونة من 5 أشقاء من الذكور هو أكبرهم، و3 شقيقات أكبرهن تدرس في جامعة الأقصى بغزة، من دون ميراث أو مهنة محددة.
ووسط ظروف حياتية صعبة يعمل محمد في بيع «الملابس الداخلية» و«الأحذية» على مفترقات الطرق بمدينة غزة، حين يتسنى له ذلك، ويحاول الآن مضاعفة ساعات العمل في محاولة منه لسد رمق أسرته، وانضم إليه شقيقه الأصغر ياسر، (26 عاما) في محاولة لكسب المزيد من المال.
وتعيش عائلة محمد في منزل متهالك لا يكاد يصلح للعيش الآدمي، حيث يتكون المنزل من مساحة تقل عن 80 مترا، غير محمي بشكل كامل من الأمطار والهواء والغبار والزواحف.
يختصر الشاب حكايته بالقول: «هذا قدري في الحياة.. ما في مستقبل، ما عندي شيء ممكن أعمله لنفسي، مش ممكن أتزوج وأكون عائلة مثل كثير ناس، كل همي الآن إني أجيب لقمة الأكل لعائلتي مشان يقدروا يعيشوا بس ولو بالقليل وما يحتاجوا أحد».
لكن لم نفهم كيف أن المبلغ الذي يجمعه محمد يوميا يمكن أن يسد رمق أسرة. وقال محمد إنه بعد عمل 12 ساعة يجمع ما مقداره 25 شيقلاً أي 7 دولارات. مضيفًا: «هل عرفتم لماذا حاولت الانتحار.. ليس لأسباب شخصية بل بسبب عجزي عن توفير احتياجات عائلتي وتراجع حالتنا الاقتصادية المزرية في ظل تدهور الأوضاع العامة في قطاع غزة».
ويأمل «محمد» كما الآلاف من سكان قطاع غزة الذين يعيشون في ظروف حياتية قاسية في تحسن الأوضاع وفتح آفاق أمامهم للعمل وتحسين حياتهم أملا في بناء مستقبل واعد. إلا أن ذلك يبدو بعيد المنال في ظل الظروف السياسية التي تنعكس بشكل مباشر على الواقع الاقتصادي والحياتي بغزة، وهو الواقع الذي دفع آخرين إلى محاولة الانتحار.
وتشير إحصائيات حصلت عليها الشرق الأوسط من مراكز حقوقية، إلى أنه سجل منذ بداية العام الحالي 35 محاولة انتحار بطرق متعددة، منها استخدام السلاح الناري وأخرى باستخدام مواد سامة أو الانتحار شنقا.
الجهات الأمنية الفلسطينية في غزة كثيرا ما تقول: إن معدلات الجريمة وحتى محاولات الانتحار طبيعية وليست «ظاهرة» باعتبار أن الدول الأخرى تسجل حالات أكثر، لكن المراكز الحقوقية ترى أن ما يجري خطير للغاية ومؤشر على واقع صعب في القطاع.
وقال الناطق باسم الشرطة أيمن البطنيجي في حديث مع «الشرق الأوسط»: «ليست ظاهرة، في دول أخرى المعدلات مرتفعة للغاية».
وبحسب متابعات الشرطة، فإن غالبية من يقدمون على الانتحار أو المحاولة، يعانون من مشاكل عائلية وضغوط اقتصادية وظروف خاصة مختلفة.
وعلى الرغم من أن القانون يجرم محاولات الانتحار ويعاقب عليها، فإن الأجهزة الأمنية في غزة تعمل بروح القانون، وفق البطنيجي، بسبب ما وصفه بـ«ظروف الناس» مضيفا: «نفضل تقديم العلاج لهم ولقضاياهم بدلا من معاقبتهم قانونيا».
ويرى البطنيجي أن الصدى الذي تحدثه محاولات الانتحار بغزة: «نابع من أننا نعيش في مجتمع محافظ تزعجه مثل هذه القضايا ويتألم لما وقع به قاتل نفسه». مشيرا إلى أهمية تحرك المؤسسات غير الحكومية في ضرورة توفير العلاج النفسي وتنفيذ جلسات إرشادية لتوعية الناس، والاطلاع على ظروفهم ومحاولة علاجها بكافة الطرق الممكنة.
ولكن مع كل هذا الجهد المبذول، تبقى الأرقام مقلقة. ففي يناير (كانون الثاني) الماضي، سجلت حالتا انتحار إحداهما لفتاة، في حين سجل منذ بداية فبراير (شباط) 6 حالات انتحار منها واحدة لفتاة ألقت بنفسها من مكان مرتفع في مدينة غزة، ومن بينها 4 حالات وقعت في غضون 3 أيام، إحداها لشخص أحرق نفسه واثنان أقدما على شنق نفسيهما ورابع ألقى بنفسه من مكان مرتفع، والحالات الثلاث وقعت في أيام (10 - 11 - 12) من الشهر نفسه، في منطقة خانيونس، والرابعة في رفح جنوب قطاع غزة.
وقال المختص النفسي والاجتماعي الدكتور فضل أبو هين، لـ«الشرق الأوسط» «إن حالات الانتحار تنم عن حالة اكتئاب يُصاب بها الفرد نتيجة ظروف حياتية قاسية يمر بها تدفعه إلى إنهاء حياته بطريقة يحرمها الدين ويجرمها المجتمع والقانون فيما يرى المنتحر نفسه بأنه أقدم على الفعل للتخلص مما لا يتحمله من أعباء كبيرة».
وأشار أبو هين إلى أن معدلات الانتحار في الأراضي الفلسطينية ليست بجديدة ولا يمكن مقارنتها بما يحصل في المجتمعات العربية والغربية، لكنه يركز على الأسباب؛ «ومعظمها يعود لأسباب اقتصادية في ظل انغلاق الأفق السياسي وإغلاق المعابر وما خلفته الحروب من آثار نفسية واجتماعية واقتصادية على حياة الفلسطينيين في قطاع غزة».
ويرى أبو هين أن الحصار يولد حالات انتحار، مشيرا إلى حجم ظاهرة هجرة الشبان قبل أحكام إغلاق المنافذ، باعتبار ذلك بديلا محتملا للانتحار كإحدى المشاكل الاجتماعية التي يخلفها الواقع الحالي.
وقال أبو هين مجددا: «الأسباب هي المختلفة». وأضاف: «الانتحار هنا يأتي لأسباب مختلفة عنها في المجتمعات الأخرى، المعاناة والإحباط الشديد وغياب الأفق لمستقبل واضح، مع استمرار انغلاق الأفق السياسي الذي يؤثر على حالة المجتمع بشكل عام، أسباب رئيسية في حالات الانتحار في فلسطين».
ويفسر بالقول: «الأسرة الفلسطينية تنتظر من ابنها أن يبحث عن مستقبله ويبدأ بتأسيس عائلته الخاصة ويعمل على إعالة عائلته الجديدة وكذلك أسرته المكونة من والديه وأشقائه، ولكن كثيرا ما يصطدم الشبان بواقع اقتصادي وسياسي مأساوي يجعله عاجزا عن تقديم الحلول لأسرته فيصبح إرهاقا إضافيا لتلك الأسرة المرهقة بالأساس ويصبح مطالبا بالخروج للبحث عن عمل ويُنظر إليه في الكثير من الأحيان بنظرة التبخيس به وبقدرته والتقليل من شأنه وكل ذلك يؤدي إلى تراكم الوضع النفسي على الشاب ويغلق أمامه أفق الحياة فيفكر بالانتحار ويفعلها».
ويعيش المواطن في غزة إضافة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة، ظروفا حياتية صعبه كذلك.
ويمكن القول إن أهل غزة جربوا كل أشكال الحياة البدائية، تحت «الحصار»، بلا كهرباء ولا وقود ولا ماء.
وتغط غزة طيلة 18 ساعة في اليوم في ظلام دامس بسبب انقطاع الكهرباء، وهو ما أدى إلى كوارث «ارتدادية»، مثل توقف المضخات عن ضخ كميات المياه اللازمة للسكان، والمعاناة التي تلاقيها غرف عمليات المستشفيات، ناهيك على انقطاعات متكررة في الغاز والوقود.
كما يعاني الغزيون من ضغط متعلق بالحريات العامة.
ووضعت الحركة الإسلامية في أوقات مختلفة قوانين صارمة تتعلق بالتنزه على شاطئ البحر والسماح للنساء بتعاطي النرجيلة في المطاعم العامة، وطريقة عرض البضائع في المحلات، وتدخلوا في أحيان مختلفة بطريقة قصة الشعر وارتداء الملابس، وهو ما أثار الجدل داخل حماس نفسها.
ويربط الكثير من المراقبين حالات الانتحار بالواقعين السياسي والحياتي، بما في ذلك القوانين الصارمة وتراجع الوضع الاقتصادي، وانتشار البطالة وارتفاع نسبة الفقر.
وشهدت نسب البطالة وحدها ارتفاعا كبيرا وصل إلى نحو 80 في المائة. وفق إحصائيات الهيئة الشعبية لمواجهة الحصار.
وقال المواطن أبو خميس نصر الدين، من سكان بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، لـ«الشرق الأوسط»: «الحياة هنا صعبة».
ويملك نصر الدين، ورشة صغيرة لأعمال «النجارة» ولكن انقطاع الكهرباء لأكثر من 10 ساعات يوميا يضاعف من الأزمات له في عمله ومواعيده.
وقال نصر الدين «يكفيك أزمة الكهرباء، وهذه تترافق مع أزمات كثيرة بالأساس منها عدم توفر الخشب اللازم لتفصيل غرف النوم أو غيره من الأثاث إلا بأسعار عالية».
ولفت إلى أنه يضطر لشراء الوقود لتشغيل مولد الكهرباء بأسعار عالية كذلك. وقال: «نضطر لأن ندفع أكثر في الخشب، ونحو 30 شيقلا كل يومين، أي ما يعادل نحو (8 دولارات) ثمن وقود بدل كهرباء، ولا يبقى لنا إلا القليل».
وتابع: «نحن نعيش حياة مأساوية جدا، لا كهرباء جيدة ولا مياه صالحة، والحروب تلاحقنا والحصار والانقسام يدمران حياتنا الاجتماعية قبل الاقتصادية، السياسة تنخر في عظام كل منزل بغزة وتنهكه كثيرا».
وبفعل الحصار الموجود على غزة تعاني المصانع وورش العمل بسبب فرض إسرائيل رقابة عالية على البضائع التي تدخل إلى القطاع خشية أن يستفيد منها عناصر حماس المسلحون.
وبعض البضائع ممنوعة أصلا من الدخول كونها تدخل في صناعة السلاح أو بناء الأنفاق.
ولا يأمل الكثير من الغزيين في حل سريع لهذه الأزمات رغم الحديث عن حوارات جادة حصلت مؤخرا بالدوحة لإنهاء الانقسام. والتشاؤم هو السائد بين سكان القطاع، ما يعني بالنسبة لهم مزيدا من تدهور الأوضاع الحياتية.
والمصالحة التي يتطلع لها الغزيون تعني بالنسبة لهم فك الحصار وفتح المعابر (أي التغيير الجذري في الحياة) التي قالت إحصائية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إنها تتسم بإضرابات نفسية واجتماعية.
وبحسب تقرير إحصائي لـ«الأونروا» فإن نحو ثلث اللاجئين الفلسطينيين في غزة، والبالغ عددهم 1.2 مليون نسمة، ظهرت لديهم أعراض اضطرابات نفسية واجتماعية. مشيرة إلى أن الحصار المفروض على القطاع، لا يؤثر فقط في النواحي البدنية والاقتصادية والاجتماعية للسكان، لكن يعرضهم أيضا لمستويات عالية من الضغط النفسي والاجتماعي.
وفعلت «الأونروا» 21 مركزا تابعا للوكالة، لاستقبال اللاجئين الذين ظهرت لديهم أعراض اضطرابات نفسية واجتماعية في القطاع، وبدأت بتشغيل 31 مشروعا تجريبيا من أجل دمج الرعاية الصحية النفسية والدعم النفسي الاجتماعي ضمن خدمات الرعاية الصحية.
وحول تلك الحلول المبتكرة التي يمكن أن تسهم في التقليل من محاولات انتحار الشبان (وهم الفئة الأكبر من المقدمين على الانتحار بغزة)، يرى المختص النفسي والاجتماعي أبو هين أن المشاكل الحالية في قطاع غزة والتي تسهم بتفكير الشبان بالخلاص من الأعباء الملقاة عليهم بالانتحار أكبر بكثير من قدرة المؤسسات الدولية أو المحلية ومؤسسات الصحة النفسية لإيجاد حلول عامة لها. مضيفا: «قدرة المؤسسات تكمن في إيجاد حلول لمشاكل محددة وليس مشاكل عامة يتأثر بها غالبية الفلسطينيين في غزة».
ورأى أبو هين أن «الاحتلال الإسرائيلي يتحمل المسؤولية الأولى عن واقع الحال في الأراضي الفلسطينية وأنه يعمل منذ زمن طويل على خلخلة المجتمع، لكنه استدرك أهمية تحميل المسؤولية للساسة في فلسطين وأصحاب الانقسام. كما وصفهم. مشددا على أنهم هم من أوجدوا الحالة القائمة.
وأضاف: «لو أن الحياة سهلة كما قبل والمعابر مفتوحة وفرص العمل متوفرة، فلماذا ينتحر الشبان؟».
ويبقى هذا السؤل معلقا برسم إجابة الحكام في القطاع والضفة.



غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.