بعد «أكره الحب» (2009)، صدر للشاعر المغربي طه عدنان، أخيرا، عن «منشورات المتوسط» بميلانو الإيطالية، ديوان شعري جديد، تحت عنوان «بسمتُكِ أحلى من العلم الوطني»، متضمنا 14 قصيدة موقّعة ببروكسل البلجيكية، ما بين فبراير (شباط) 2011 وسبتمبر (أيلول) 2015.
ويبتدئ الديوان بقصائد في الحب، كما لو أنّ الأمر يتعلّق، حسب ورقته التقديمية، بـ«مقدمة غزلية لمعلّقة معاصرة»، حيث «الحبُّ قصٌّ وَلصقٌ»: «تقطيعٌ وَتشكيلٌ»: «أصنافٌ وَألوانٌ» و«ملهاة» للقلوب، سرعان ما يصبح «ضربًا من المستحيل»، كما في قصيدة «دليل»، لذلك «صار القلب شائكًا والسرير داعرًا، أمّا لغة العشاق فقد أفسدتها اللّايكات»، قبل أن «يتداخل الحبّ بالحرب في قصيدة مستعِرَة عرفت كيف تتحوّل إلى نشيد، في زمن الصقيع العربي، حيث القتل مستتبٌّ والدّم إلى الرُّكب، لترفرف (بسمتُكِ) في خيال الشاعر فتبدوَ أحلى من علمِ وطنٍ مهزوم»، فنقرأ في قصيدة «بسمتك أحلى من العلم الوطني»: «موبايلُكِ مقطوعٌ - وَهاتفكِ الأرضي يرِنُّ - يرِنُّ وَلا يُجيبْ - على الفيسبوك - ألوانُ الوطنِ تحجب - بسمَتَكِ - بسمَتَكِ الأحلى - مِنَ الرّبيع - مِنْ كلِّ الفصولْ - بسمَتُكِ - أبهى من الجماهير - حين تصولْ - أزهى من الشّعب - حين يثورُ - وَحين يُغنّي بلادي».
في ديوان طه عدنان الجديد، نكون، حسب ورقته التقديمية، دائما، مع «قضايا من الصنف الذي اعتاد الشعر الملتزم مقاربتها في عقود خلت، في زمن سابق على قصيدة النثر، لكن بروح متخفّفة من منسوب اليقين هذه المرة، وبنبرة لا تبشير فيها. وَصْفة تتمازج داخلها عناصر قصيدة النثر بروح الشاعر الذي لا يريد الخلود إلى السباحة الحرّة في بحر الصور الذهنية أو الحسية المتلاطمة، بقدر ما يفضّل الوقوف الرّائي في وجه العاصفة: العاصفة التي تضرب الآن، وهنا.. هذا الهنا الفسيح الممتدّ ما بين عالم عربي مفكّك الأوصال ومهجر اتّخذه الشاعر منفى اختياريا له، ومنه طفِقَ يرقب التحوّلات. اشتباكٌ شعري مع قضايا الإرهاب والتطرّف وماسي الهجرة واللجوء. مواضيع ساخنة تحضر في قصائد معاصرة واعية سياسيا لا ينطلي عليها خطاب الدعاية الإعلامية الفجّ. وسعي إلى ربط الألم الذاتي بالألم الجمعي في محكي شعري لا يتورّط في النبرة العالية والمباشَرة السطحية، مستلهمًا الإشارات التاريخية والتراثية ومستدعيًا دلالتها الصريحة والمُضمرة بسلالة ووضوح وبرؤية حداثية ناضجة». لذلك جاء الديوان «محاولة لقرع جدران الخزّان. خزّان العصر الذي يمور كَمِرجل. والشاعر يتقدّم وسطه عاريًا إلا من هشاشته، ومن قدرته على الاعتراف عبر الشعر بأنّ الباب ما زال مفتوحًا، لكن لا أحد يحاول الخروج إلى حيثُ الموتُ والتيه يتبادلان الأدوار».
نقرأ مثلاً في قصيدة «سيناريو مُرْتَجَلٌ لحياة أقلَّ موتًا»: «خرجوا مثل يونس - من جَوْفِ الحوت - كأبطالٍ خرافيين - في فيلم واقعي - (الكاستينغُ فيه مُرْتَجَلٌ) -يَلْفِظُهم مَوْجُ التيه - إلى برِّ المتاهة - جثثًا وَخَيالاتٍ - تَصْطادُهم الكاميراتُ - غرقى-أو طافينَ - على ألواحِ القيامة - (...) - بلا حقائبَ هربوا - من وطنٍ - لم يَعُدْ وطنًا - حيث: - البرابرة النيوستايل - يَمْتَشِقون السيوف - ورشّاشات الكلاشنكوف - مُبَشِّرين بالخراب - يَنْتَعِلون النايك والأديداس - ويغتصبون السبايا - من مختلف الأقليات - فقهاءُ ما بَعْدَ الحُثالَة - يتحدّثون اللّغاتِ الحيّة - مُتَوعِّدين بالمَوْت - يتهجَّوْن الأحاديث الصّحيحة - بعربية مُعْتَلّة - مَرْسومَة بحرفٍ لاتيني - وَهُمْ يَلْهُونَ بالهواتف الذكية - البَراميلِ المَوْقوتَة».
في بروكسل، حيث يقيم منذ عقدين: «يستعيد طه عدنان تجذُّره في أرض القصيدة. إنها قصيدة مكان. ملاذُه البلجيكي يحضر في الديوان باعتباره فضاء عيش واستعارة متجدّدة. من «مولنبك» إلى «لاكَار سانترال»، ومن ميدان «لابورس» إلى مسرح «البوزار». حركة الشاعر في المدينة - بوعي نقدي واضح - تشكّل عنصرا أساسيا من عناصر شعرية هذا الديوان، فنقرأ له في قصيدة «بعيدًا عن مسرح البورصة»: «البورصة - قلبُ المدينة الحجري - كشكٌ يبيع يانصيب الخسارة للحشود - كازينو الإفلاس المعَوْلَم - وحين يطرَأُ رجال الأمن - - بجدّية من يتكهّن بحربٍ وشيكة - - يسوقون المشتبه في بؤسهم - إلى أقرب مخفر - فيما اللصوص الأنيقون - ذَوُو آلياقات النّاصعة - أبناءُ البورصة البررة - يُفاوِضون الجدوى - بِـحِياد الأجلاف - ويُضارِبون في الأمل - بِـهمّة الدّجّالين - يُداعِبون بأناملَ رقيقة - أزرارَ الحظّ - ويبيعون الضّنْك - مُغَلَّفًا في ورق الهدايا البرّاق - بعيدًا عن مسرح البورصة».
«بسمتُكِ أحلى من العلم الوطني» مجموعة شعرية جاءت لتؤكّد ما كتبته الشاعرة الرّاحلة صباح زوين عن أن «طه عدنان يعمل على اقتطاف كلماته من مشاهدات حية وواقعية يصادفها في المدينة، في الشارع، أو في أي معلم من معالم الحضارة المعاصرة فيمزجها مع حالات اجتماعية أو عاطفية ذاتية أو وجودية بشكل خاص، وهذه في معناها الراهن، المعنى الذي يحاول الشاعر أن يمنحه لذاته هو التائه في خضم كل هذه الأدوات الحياتية ما بعد الحداثية».
وطه عدنان من مواليد 1970. نشأ بمراكش ويقيم ببروكسل منذ 1996. يعمل في الإدارة العامة للتعليم بفيدرالية والونيا بروكسل. ساهم في إطلاق نشرة «الغارة الشعرية» بمراكش سنة 1994. وأشرف، منذ 2005، على إدارة الصالون الأدبي العربي ببروكسل، وعلى تنسيق مهرجان «غزل» لشعر العشق العربي ببلجيكا منذ 2008. وهو عضو اتحاد كتاب المغرب وائتلاف شعراء بروكسل. صدرت ترجمة ديوانه «ولي فيها عناكبُ أخرى» (وزارة الثقافة، الرباط، 2003) إلى الفرنسية عن دار نشر «شجرة الكلام» بلييج، سنة 2006. وترجمة ديوان «أكره الحب» (دار النهضة العربية، بيروت، 2009) إلى الفرنسية عن منشورات الفنك بالدار البيضاء في فبراير (شباط) 2010، وإلى الإسبانية في أبريل (نيسان) من نفس السنة بكوستاريكا. كما صدر نصه المسرحي «باي باي جيلو» بالعربية والفرنسية عن دار نشر إليزاد بتونس في 2013. فيما صدرت ترجمته إلى الإنجليزية سنة 2012 والإيطالية سنة 2014. كما أشرف على إصدار مؤلّف جماعي باللغة الفرنسية تحت عنوان «بروكسل المغربية» عن منشورات الفنك بالدار البيضاء في 2015.
اشتباك شعري مع قضايا الإرهاب والتطرف ومآسي الهجرة واللجوء
«بسمتُكِ أحلى من العلم الوطني» للشاعر المغربي طه عدنان

اشتباك شعري مع قضايا الإرهاب والتطرف ومآسي الهجرة واللجوء

لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة