المخرج السعودي محمود صباغ أسعد الملايين من الشعب السعودي بحصوله على جائزة في مهرجان برلين عن فيلمه «بركة يقابل بركة»، في وقت بدأت فيه المحاولات السينمائية السعودية في الظهور على الساحة العالمية وجذبت جمهورا عريضا لم يتعود على وجود ما يسمى «السينما السعودية». صباغ تحدث مع «الشرق الأوسط» حول الفيلم وصدى نجاحه وعرضه التجاري في العالم العربي وتطرق أيضا لمشروعاته الفنية المقبلة.
ورغم أن الفيلم لم يعرض جماهيريا بعد فكان من الصعب مشاهدته، ولكن من خلال بعض اللقطات الموجودة على الإنترنت ومن خلال قراءة ملخص لأحداثه يمكننا القول: إن الفيلم يعبر ببراعة عن جيل من الشباب السعودي، وحول قصص الحب الوليدة التي تبحث لها عن متنفس في مجتمع محافظ. بطل الفيلم (بركة) وهو موظف حكومي في بلدية جدة ذو الأصول المتواضعة، والممثل الهاوي في فريق مسرحي يتدرب من أجل تقديم مسرحية هاملت، يقع في حب «بيبي» الفتاة ذات الجمال الجامح، والتي تبناها منذ الصغر زوجان ثريّان لا يمكنهما الإنجاب، وتعمل في الترويج لمتجر والدتها بينما تدير مدونة فيديو صاخبة مشهورة على الإنترنت.
«بركة» و«بيبي» كما يبدو لنا يحاولان عيش قصة حبهما في مجتمع يشتبه في العلاقات الغرامية، ويبدو ذلك من أحد المشاهد وهما يلتقيان على الشاطئ بينما تتلفت الفتاة حولها خوفا من أن يراهما أحد.
ولكني أبدأ الحوار مع محمود صباغ بسؤاله عما دفعه لمجال السينما، يقول إن إخراج فيلمه الأول تطلب «الكثير من الكفاح والتضحيات» واسترسل يقول: «لي اهتمام بالسينما منذ طفولتي، هي هواية وشغف، وكنت أصنع أفلاما قصيرة منذ صغري. أضف إلى ذلك أن لي اهتماما كبيرا بالقراءة والأدب». الهواية رافقت صباغ خلال سنوات صباه وشبابه حتى صقلها بالدراسة في الجامعة بنيويورك حيث قام بالحصول على درجة الماجستير في الوثائقيات: «لاحظت أن هناك فجوة في صناعة الأفلام الوثائقية وكان ذلك دافعا لي لإخراج فيلم وثائقي وهو (قصة حمزة شحاتة) (2013) والذي لقي صدى طيبا ولكن اهتمامي وشغفي كان بالأفلام الروائية».
وبالفعل مارس صباغ هوايته وأخرج فيلمه الأول «بركة يقابل بركة» وعرضه في مهرجان برلين السينمائي، وإن كان لم يتوقع فوزه بأي جائزة، لدرجة أنه عاد مع فريق الفيلم إلى جدة قبل إعلان الجوائز: «غادرت برلين قبل الجائزة بيوم، لم يخطر ببالي الفوز نهائيا، حضرت مع فريق العمل المهرجان وحضرنا عروض الفيلم هناك، لم نكن متوقعين لأن عرضنا أساسا كان خارج المنافسة. كنا أول فيلم سعودي طويل في المهرجان، ورشحنا في جائزة أول فيلم روائي طويل، مجرد الترشيح كان إنجازا، ثم فزنا بالجائزة التي وضعتنا على الخريطة كسينما ناشئة».
كيف يستطيع الجمهور الذي تحمس لخبر فوز الفيلم السعودي رؤيته؟ أتساءل وفي ذهني صعوبة عرض الفيلم في السعودية تحديدا، يشير إلى وجود خطة لتسويق الفيلم وعرضه في عدد من المهرجانات الدولية القادمة مثل مهرجان لندن للأفلام. ويؤكد صباغ في حواره على أن فيلمه ينتمي لوصف «السينما المستقلة» وهو ما يدفعني لطرح سؤال: تقول: إنها سينما مستقلة، هل سيكون هذا مستقبل السينما السعودية في ظل عدم وجود مظلات رسمية لإنتاج الأفلام؟
يجيب: «في قراءة للواقع، أتوقع أن تكون أفلام الخمس سنين القادمة مستقلة، لا أرى هناك إرهاصات صناعة، فكل الأعمال ستكون فردية. لكننا إذا كنا نريد استمرار الحركة فيجب أن يكون هناك نواة لسينما وطنية. شخصيا سأكون حريصا دائما على أن تكون أفلامي مستقلة، وأتمنى أن يقوم غيري بتجارب مماثلة لكي يكون لدينا العناصر اللازمة لقيام صناعة سينمائية في السعودية».
«بركة يقابل بركة» نتيجة مجهود ضخم قام فيه المخرج بالكتابة والإنتاج والإخراج، يقول: «لم يمولنا أحد لا محليا ولا عربيا، جمعنا الأموال كاملة من محيطنا، واستخدمنا معدات بسيطة لأننا أردنا أن نستقل عن شركات المعدات العاملة في جدة التي تعمل مع شركات الإعلانات وتتعامل مع السينمائيين بمنطق التجزئة».
ولكن ماذا عن الجمهور الذي يريد مخاطبته في السعودية، كيف يتوقع المخرج أن يصل إليه؟ يعلق بالقول: «قدمت هذا الفيلم ليراه الجمهور وخاصة جيل الشباب وهو جيلي وجيل أبطال العمل، أرى أنه جيل مظلوم وفرصه أقل، كيف أعبر عنه، وأكتب فيلما يحكي معاناته وأفراحه وأتراحه. كنت حريصا على أن أكتب نصا معبرا عن هذا الجيل. أعتقد أن الشعب السعودي وهو متابع ومستهلك للفنون سيرى الفيلم في سينمات الدول المجاورة وعن طريق خدمة الفيديو حسب الطلب».
وقد كشفت شركتا فورتريس فيلم كلينك وMAD Solutions عن حصولها على حقوق التوزيع في العالم العربي لـ«بركة يقابل بركة» من الشركة الفرنسية MPM Film الحائزة على حقوق توزيعه العالمية، وستتعاون الشركتان في توزيع الفيلم ضمن التحالف التوزيعي الذي أعلنتاه مؤخرًا. ويضيف صباغ أنه لجانب التوزيع في الدول العربية سيكون هناك «نقاط توزيع دور سينما نوعيه في لبنان وفي قرطاج. الفيلم سيكون مخدوما توزيعيا في العالم العربي».
يرفض صباغ توصيف الفيلم على أنه «كوميديا رومانسية» ويرى أنه أقرب لكونه «دراما رومانسية». أسأله عن طاقم الممثلين وكيف اختارهم، يعلق بأنه أقام ورشة تدريب لبطلي الفيلم هشام فقيه وفاطمه البنوي «استغرق التدريب من 3 إلى خمسة أشهر وهو ما أزال حاجز الرهبة أمام البطلة فاطمة التي لم تظهر من قبل على الشاشة، أنا فخور جدا بهما. هذا عملهما السينمائي الأول وأعتبر أننا نكون ثلاثيا، اتفقنا على أن نعمل سويا في المستقبل كفريق». الاتفاق والتقارب مع بطلي الفيلم ساعد صباغ كثيرا على تسهيل التصوير «لم أضطر لإعادة تصوير مشاهدهما لأنهما تشربا الموضوع ورؤيتي للسيناريو. بالنسبة لباقي الممثلين تعمدت أن أستعين بممثلين غير معروفين من الشارع ونجحوا جدا. مثال شخصية العم دعاش الذي يمثل عم بركه في الحارة، وهو الممثل سامي حنفي، هو رجل لا يقرأ ولا يكتب ويعمل كصائغ مجوهرات في الواقع. كنا نلقنه السطور قبل اللقطة. كانت تجربة مهمة بالنسبة لي كمخرج، إذا استطعت أن أخرج هذا الشخص فسأستطيع الكثير». شخصية «سعدية» داية الحارة، أحضرناها من الواقع، هي كممثلة تتمتع بشخصية مرحة ولها خبرة بالعمل الفني إذ كانت تعمل مع المذيع السعودي الشهير طاهر زمخشري (بابا طاهر) في الإذاعة، وكان حلمها التمثيل».
مخرج «بركة يقابل بركة»: حرصت على كتابة فيلم يعبر عن جيل الشباب
السعودي محمود صباغ درس الوثائقيات وشغف بالسينما الروائية
مخرج «بركة يقابل بركة»: حرصت على كتابة فيلم يعبر عن جيل الشباب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة