اتسعت الفجوة بين الموقفين الألماني والفرنسي حول أزمة الهجرة واللجوء بعد تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، المنتقدة لخطة إعادة توزيع اللاجئين التي اقترحتها برلين، خلال مشاركته في مؤتمر الأمن في ميونيخ أول من أمس. وقال فالس إن فرنسا غير «مؤيدة» لآلية توزيع اللاجئين، مؤكدا أن أوروبا «لم تعد قادرة على استقبال المزيد من اللاجئين».
ومن المنتظر أن يحتل موضوع اللاجئين الحيز الأهم خلال القمة الأوروبية يومي الخميس والجمعة القادمين في بروكسل على خلفية ازدياد الفجوة بين البلدان الأوروبية وعزلة ألمانيا المتسعة. وجاءت المواقف المتشددة على لسان فالس، أول من أمس في ميونيخ لتبين مدى اتساع الفجوة بين باريس وبرلين بعدما كان الرئيس فرنسوا هولاند قد عبر، في الخريف الماضي، عن دعمه لمسعى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إطلاق «آلية دائمة» من أجل إعادة توزيع اللاجئين الواصلين إلى الاتحاد الأوروبي على البلدان الأعضاء.
وقالت مصادر فرنسية رسمية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن باريس «لم تنظر أبدا بارتياح» إلى سياسة «الحدود المفتوحة» التي اتبعتها ميركل في موضوع اللجوء الكثيف إلى أوروبا. كذلك ترى هذه المصادر أن «المعالجة الأوروبية» لموضوع اللجوء والهجرة، بما في ذلك التودد إلى تركيا ومحاولة «شراء» تعاونها عبر المساعدات المالية تتسم بالإخفاق التام.
وجاءت العمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا بداية عام 2015. ثم في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لتدفع المسؤولين الفرنسيين إلى انتهاج خط متشدد في الداخل والخارج على خلفية صعود شعبية اليمين المتطرف، واتجاه غالبية الرأي العام الفرنسي نحو الراديكالية. وعقب المجزرة التي شهدتها باريس قبل ثلاثة أشهر، والتي أوقعت 130 قتيلا و350 جريحا، سعت فرنسا لدى شريكاتها في الاتحاد الأوروبي إلى توثيق التعاون الأمني والاستخباري من أجل إحباط الخطط الإرهابية، وإلى المطالبة بتشديد الرقابة على الحدود الخارجية للاتحاد للجم حركة الهجرات الجماعية التي تتدفق إلى أوروبا. فضلا عن ذلك، أعادت فرض الرقابة والتفتيش على حدودها «الوطنية» الأمر الذي تتيحه معاهدة شنغن للتنقل الحر، وذلك لفترات محدودة ولأسباب تتعلق بالأمن الوطني.
ومن المعروف أن مانويل فالس يتبع نهجا متشددا في موضوعي الأمن والهجرة، وهو بذلك يمكن اعتباره منتميا إلى «جناح الصقور» في الحزب الاشتراكي. وفي تصريحاته الأخيرة في ميونيخ، حرص رئيس الحكومة الفرنسية على إيصال رسالة مكونة من ثلاثة أجزاء. الأول، باتجاه الراغبين بالمجيء إلى أوروبا وعنوانها أن القارة العجوز «لن تقبل مزيدا من اللاجئين». أما الجزء الثاني فموجه إلى ألمانيا التي تتحمل العبء الأكبر من تبعات الهجرات الكثيفة، حيث إنها استقبلت ما يقارب المليون لاجئ العام الماضي. وفحوى رسالة فالس أن تضامن باريس مع برلين، وكلاهما يشكل محرك الاتحاد الأوروبي، لن يسري على موضوع اللاجئين الذين يأتون في غالبيتهم من سوريا والعراق. وقال فالس إن بلاده «لن تدعم» مسعى ميركل من أجل إعادة توزيع اللاجئين وفق حصص إلزامية على البلدان الأوروبية. وبحسب رئيس الحكومة الفرنسية، فإن المقترح الألماني «يفتقد لأكثرية تدعمه»، ما يعد ردا على المستشارة الألمانية التي سبق لها أن تحدثت عن «تحالف» لدول أوروبية قابلة لمقترحها. أما الرسالة الثالثة لفالس، فهي أن باريس غير مستعدة لاستقبال لاجئين إضافيين غير الذين قبلت سابقا بقدومهم إليها، والبالغ عددهم 30 ألفا من أصل 160 ألفا تم التوافق سابقا على إعادة توزيعهم على البلدان الأوروبية. ووقتها، قالت السلطات الفرنسية إنها ترغب «في التخفيف من العبء» الذي تتحمله ألمانيا.
لا شيء يجمع، كما هو واضح، بين الموقفين الألماني والفرنسي. ففرنسا، بعكس ألمانيا، ليست الوجهة المفضلة للاجئين الذين يرغبون بالاستقرار في ألمانيا أو في بلدان شمال أوروبا. وكدليل على الهوة المتسعة بين البلدين، تكفي الإشارة إلى أن باريس «لا تعرف» كيف تتعامل مع 2500 إلى 3000 مهاجر يعيشون في محيط مدينة كاليه (شمال) في ظروف مزرية بانتظار انتقالهم الصعب إلى بريطانيا.
وتقول المصادر الفرنسية إن ألمانيا «مستمرة في السياسة الخاطئة» التي تنتهجها في موضوع اللجوء، وهي السياسة التي وصفها رئيس الحكومة الروسية ميدفيديف بـ«الغبية». وكما انتقدت باريس سابقا سياسة «الحدود المفتوحة» باعتبارها شكلت حافزا قويا لتكثيف حركة الهجرة، فإنها تنتقد اليوم رغبة ألمانيا في إيجاد آلية لإعادة توزيع الواصلين إلى أوروبا، ما يعني عمليا ترك الباب مفتوحا أمام الراغبين بالمجيء إليها. وبعد ميركل، فإن فالس يرى أن الحلول يجب البحث عنها «في بلدان المشرق وتركيا والأردن والمتوسط». ذلك حيث يريد رئيس الحكومة الفرنسية أن تتكفل البلدان المذكورة بإبقاء اللاجئين السوريين على أراضيها وعدم السماح لهم بالتوجه إلى أوروبا مقابل توفير المساعدات المالية، وهو ما تسعى إليه ألمانيا التي تركز جهودها على تركيا، نقطة الانطلاق الأهم للاجئين باتجاه أوروبا.
ويناقش اليوم وزراء الخارجية الأوروبيون المجتمعون في بروكسل ملف اللجوء والنتائج التي ترتبت على اجتماعي لندن وميونيخ لتحضير الأرضية للقمة الأوروبية يومي 18 و19 الشهر الحالي. وما استجد منذ اجتماعاتهم الأخيرة، هو أن وزراء دفاع دول الحلف الأطلسي أقروا مشاركة الحلف في لجم الهجرات المكثفة عن طريق فرز قطع بحرية في المتوسط لمساعدة تركيا واليونان على ضبط حركة اللجوء التي لم تتراجع سوى بمستويات قليلة. كذلك، فإن اجتماع لندن نجح في تعبئة مليارات الدولارات لغرض تحسين أوضاع اللاجئين وإبقائهم في أماكن وجودهم الحالية.
وبين وزير الخارجية الأميركي الذي يرى في الهجرة «تهديدا شبه وجودي لأوروبا»، والأصوات الأخرى الصادرة من أوروبا الوسطى والشرقية التي ترى فيها خطرا على هويتها المسيحية، يبقى موضوع اللجوء خلافيا بامتياز في الفضاء الأوروبي ومن شأنه أن يزيد الانقسامات حتى بين دوله الأقرب، مثل فرنسا وألمانيا.
أزمة الهجرة تباعد بين برلين وباريس.. وفالس يعتمد خطًا متشددًا في ميونيخ
مصادر فرنسية رسمية لـ {الشرق الأوسط}: ألمانيا مستمرة في سياساتها «الخاطئة»
أزمة الهجرة تباعد بين برلين وباريس.. وفالس يعتمد خطًا متشددًا في ميونيخ
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة