معركة آيوا.. الترجمة الأولى لسباق الرئاسة الأميركية الطويل

جمهوريًا نكسة لترامب وتقدّم لكروز وروبيو.. وديمقراطيًا أداء طيب لساندرز أمام كلينتون

معركة آيوا.. الترجمة الأولى لسباق الرئاسة الأميركية الطويل
TT

معركة آيوا.. الترجمة الأولى لسباق الرئاسة الأميركية الطويل

معركة آيوا.. الترجمة الأولى لسباق الرئاسة الأميركية الطويل

اجتازت معركة الرئاسة الأميركية لعام 2016 خلال الأسبوع محطتها الأولى عبر التجمّعات الانتخابية في ولاية آيوا، بوسط الولايات المتحدة الغربي، والحال أنه بخلاف الفوارق الضخمة التي أظهرتها استطلاعات الرأي المبكرة، اختلطت الأوراق تمامًا في معسكر الجمهوريين وكان الفارق ضئيلاً بصورة لافتة عند الديمقراطيين.

انتزع السيناتور تيد كروز، أحد ممثلي ولاية تكساس في مجلس الشيوخ الأميركي، الصدارة في معركة ترشيح الحزب الجمهوري الأميركية لانتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) الرئاسية منزلاً هزيمة مبكرة ومؤلمة بالملياردير اليميني المثير للجدل دونالد ترامب الذي كانت تعطيه استطلاعات الرأي - تقريبًا من دون استثناء - تقدمًا مريحًا على جميع منافسيه. غير أن تقدم كروز وإن أكد قوة قاعدته المسيحية المحافظة، وأعطى جرعة قوية لحملته على حساب فرص ترامب الذي لا يعد بالضبط جزءًا من «المؤسسة الحزبية» الجمهورية، فإن المراقبين رصدوا الأداء اللافت على مرشح يرون أنه قد يشكل خطرًا أكبر على فرص كروز هو السيناتور الشاب ماركو روبيو. ذلك أن روبيو يتحدر من أصل لاتيني مثل كروز، ومثله أيضًا يمثل ولاية ضخمة ومؤثرة انتخابيًا لا بد للجمهوريين من كسبها في نوفمبر المقبل، كما أنه من الجناح اليميني في الحزب.
آيوا.. كولاية
كولاية، قد لا تكون آيوا معيارًا للولايات الأميركية، وما يصدق عليها لا يصدق بالضرورة على غيرها من الولايات. فهي بصفة عامة ريفية ومدنها متوسطة إلى صغيرة الحجم، ثم إنها إن كانت محافظة، فإنها مالت غير مرة خلال العقود الأخيرة إلى الحزب الديمقراطي وخرج منها ساسة ديمقراطيون ليبراليون مع أن ريفيتها وهويتها «البيضاء» الغالبة وضعتها عمومًا في خانة الجمهوريين.
في أي حال كانت أهمية المحطة الأولى في آيوا اختبار مدى دقة استطلاعات الرأي ومدى قدرة المرشحين المتخلفين عن ركب المقدمة في الحزبين عن مواصلة مسيرة التحدي، والحال أنه خرج عمليًا من السباق المرشح الديمقراطي الثالث مارتن أومالي الحاكم السابق لولاية ماريلاند في أعقاب عجزه الواضح عن إحداث اختراق ملموس في حصص المتنافسين الرئيسين هيلاري كلينتون والسيناتور بيرني ساندرز، أحد ممثلي ولاية فيرمونت (إحدى أصغر الولايات الأميركية من حيث عدد السكان) في مجلس الشيوخ، والعضو الوحيد في مجلسي الكونغرس الذي يعتبر نفسه اشتراكيًا.. فقد حصلت كلينتون، زوجة الرئيس الأسبق بيل كلينتون ووزيرة الخارجية السابقة والسيناتورة السابقة عن ولاية نيويورك، بما يقل بقليل عن 49.9 في المائة مقابل حصول ساندرز على 49.6 في المائة، أما أومالي فكان نصيبه 0.6 في المائة فقط.
الصورة كانت مختلفة عند الجمهوريين. فهنا كانت استطلاعات الرأي تعطي دونالد ترامب، على مستوى آيوا، وكذلك على المستوى الوطني ككل، تقدمًا طيبًا على المرشحين الجمهوريين الذين ينتمون جميعًا إلى التيار اليميني المحافظ في الحزب. غير أن السيناتور كروز أخذ يقضم من شعبية ترامب في آيوا، مستفيدًا من دعم الجماعات الإنجيلية المحافظة وهي قوية بصورة لافتة في الولاية، ومن ثم مع اقتراب موعد الاختبار الكبير خلال الأسبوع الفائت برز كروز وتقدّم في عدد من الاستطلاعات على ترامب، مع ترجيح حصول المنافس الثالث السيناتور روبيو على ما يتراوح بين 13 و17 في المائة من الأصوات، وتراجع نسبة تأييد جيب بوش حاكم ولاية فلوريدا السابق، وسليل أسرة بوش التي أعطت أميركا رئيسي جمهورية خلال العقود الأخيرة.
غير أن نتيجة آيوا كانت لافتة بأنها منحت المرشحين اللاتينيين كروز وروبيو نتيجتين تشجعهما على المضي قدمًا بثقة إلى الامتحانات الانتخابية المقبلة، ولا سيما، يوم «الثلاثاء الكبير» في أول مارس (آذار) المقبل.

* «الثلاثاء الكبير»
في هذا اليوم المهم جدًا لناحية «غربلة» المرشحين الأقوياء تشارك مجموعة من الولايات في طول أميركا وعرضها في إجراء منافستها الترشيحية (بين انتخابات تمهيدية وتجمعات انتخابية) في يوم واحد، وبينها: آلاباما وآلاسكا وأركنسو وكولورادو وجورجيا وماساشوستس ومينيسوتا ونورث داكوتا وأوكلاهوما وتينيسي وتكساس وفيرمونت وفيرجينيا ووايومينغ. ولا شك، ستكون الأنظار في هذا اليوم الطويل منصبة على الولايات الكبيرة المؤثرة بينها، مثل تكساس وماساتشوستس وجورجيا وفيرجينيا وتينيسي ومينيسوتا. في «الثلاثاء الكبير» تتضح عدة أمور على رأسها:
1 - القدرة المالية لكبار المرشحين التي ستساهم بمضيهم قدمًا حتى المؤتمر الحزبي الكبير قبل موعد الانتخابات، وهو المؤتمر الذي يجري فيه فعليًا ورسميًا تبني كل حزب لمرشحه الرئاسي. وجزء من هذه القدرة المالية يعكس متانة علاقات المرشح بقوى الضغط والشركات والمؤسسات المالية الكبرى، وكبار اللاعبين النافذين في بيئة المال والأعمال والتأثير السياسي.
2 - اتساع رقعة التأييد والجذب عند كل مرشح، لأن «الثلاثاء الكبير» يغطي عمومًا مختلف أرجاء الولايات المتحدة من ماساشوستس وفيرمونت في الشمال الشرقي إلى تكساس في الجنوب الغربي، ومن جورجيا في الجنوب الشرقي إلى مينيسوتا في الشمال على حدود كندا. وفي إطار رقعة التأييد والجذب هناك عامل التنوع الإثني والطبقي والثقافي والمعيشي الذي لا بد للمرشح الناجح أن يتمكن من اختراقه.
3 - قوة الماكينة التنظيمية الانتخابية لكل مرشح، وحنكتها الإدارية، وفعاليتها في التحرك، وكسب المناصرين، ومخاطبة الإعلام، واستغلال وسائط التواصل الاجتماعي.
4 - عدد المندوبين إلى المؤتمرين الحزبيين سيتأثر إلى حد كبير بنتيجة ذلك اليوم.
لذا، يتوقع معظم المراقبين والمحللين أن يكون دور «الثلاثاء الكبير» حاسما بالنسبة للمنافسة المحتدمة في معسكر الحزب الجمهوري، مع أن هناك محطتين أخريين تفصلان المتنافسين الجمهوريين عن ذلك اليوم المهم، هما ولايتا ساوث كارولينا ونيفادا. أما بالنسبة إلى المنافسة في معسكر الديمقراطي فالشيء المؤكد أنها لن تحسم بدورها في المحطة الثانية، التي هي الانتخابات التمهيدية الترشيحية في ولاية نيوهامبشير، حيث يتقدم السيناتور ساندرز وفق كل استطلاعات الرأي على هيلاري كلينتون بفارق كبير. وما يذكر في هذا السياق أن نيوهامبشير ملاصقة جغرافيًا لولاية فيرمونت، أي ولاية ساندرز، التي تولى فيها منصب عمدة مدينتها الأكبر بيرلينغتون، ثم شغل مقعدها الوحيد في مجلس النواب الأميركية، ولاحقًا شغل ولا يزال يشغل أحد مقعديها في مجلس الشيوخ.

* الاختبار المقبل
الاختبار الانتخابي المقبل هو ولاية نيوهامبشير، وهي صغيرة من حيث المساحة والسكان تقع في شمال شرقي الولايات المتحدة وتمتد بين ضواحي مدينة بوسطن، إحدى أعرق مدن «العالم الجديد»، وحدود كندا. وهذه الولاية تعد وسطية سياسيا، محافظة اقتصادية لكنها ليبرالية اجتماعيًا، وبالتالي تعد عادة من الولايات المتأرجحة التي يتنافس عليها الحزبان الديمقراطي والجمهوري في كل انتخابات رئاسية. في نيو هامبشير - كما سبقت الإشارة - يرجح فوز بيرني ساندرز على هيلاري كلينتون بفارق كبير، إذا صدقت استطلاعات الرأي، أما على صعيد الجمهوريين فإن أحدث استطلاعات الرأي، لشبكة «سي إن إن» يعطي دونالد ترامب الصدارة بـ29 في المائة، ولقد قفز إلى المرتبة الثانية لأن السيناتور ماركو روبيو بـ18 في المائة، يليه السيناتور تيد كروز بـ13 في المائة ثم حاكم ولاية أوهايو جون كاسيك بـ12 في المائة، يليهم بفارق كبير كل من كريس كريستي حاكم ولاية نيوجيرسي وسيدة الأعمال كارلي فيورينا بـ4 في المائة لكل منهما.

* آلية الانتخابات
في الولايات المتحدة تجرى الانتخابات الرئاسية، وكذلك الانتخابات المخصصة لملء مقاعد مجلسي الكونغرس (مجلس الشيوخ ومجلس النواب)، في السنوات الشفعية مثل العام الحالي 2016، وبالنسبة للانتخابات الرئاسية التي تجرى كل أربع سنوات فإنها تنطلق من انتخابات تمهيدية أو ترشيحية حزبية تجرى أما عن طريق الاقتراع أو عبر تجمّعات انتخابية تقليدية تعود إلى بواكير نشوء البلاد.
من حيث المبدأ الانتخابات التمهيدية عمليات اقتراع تنظم لاختيار المرشحين الذين سيشاركون في الانتخابات العامة، بغض النظر عن نوعها. ويؤدي عادة تحقيق الفوز في الانتخابات التمهيدية إلى اختيار المرشح أو دعمه من قبل حزب سياسي معين لخوض الانتخابات العامة. أما الانتخابات العامة فهي انتخابات تجري لاختيار من سيمثل الحزب من بين المرشحين الذين سبق اختيارهم في الانتخابات التمهيدية (أو من خلال مؤتمر أو لجنة حزبية أو عريضة التماس) لتولي منصب اتحادي (أي مستوى البلاد) أو مستوى ولاية أو في حكومة محلية. ويتمثل الغرض من الانتخابات العامة في إجراء الاختيار النهائي من بين مختلف المرشحين الذين جرى تعيينهم من جانب الأحزاب أو الذين يخوضون الانتخابات كمستقلين أو غير منتمين إلى حزب سياسي رئيسي. علاوة على ذلك، تجري ولايات كثيرة انتخابات خاصة يمكن الدعوة إلى إجرائها في أي وقت لكي تخدم غرضًا معينًا، مثل اختيار مرشح لشغل منصب شاغر غير متوقع في أحد المناصب المنتخبة. في الانتخابات الرئاسية، بعد الانتخابات التمهيدية في الولايات، يعقد كل حزب مؤتمرًا وطنيًا لاختيار المرشح الذي سيخوض الانتخابات الرئاسية رسميًا، وهو في العادة المرشح الذي حصل على دعم أكبر عدد من مندوبي المؤتمر، استنادًا لانتصاراته في الانتخابات التمهيدية. وعادة، يختار المرشح للرئاسة نفسه مرشحًا يخوض الانتخابات معه ليكون مرشح الحزب لنائب الرئيس.
وجدير بالذكر، أنه لا تعقد الأحزاب السياسية مؤتمرات وطنية إلا في سنوات الانتخابات الرئاسية. وبالنسبة للانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل، ستستضيف مدينة كليفلاند بولاية أوهايو المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري بين 18 و21 يوليو (تموز) المقبل. بينما يعقد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا بين 25 و28 يوليو. أما عن موعد الانتخابات الرئاسية، فإن هذه الانتخابات تجرى كل أربع سنوات في أول يوم ثلاثاء يلي أول يوم اثنين من شهر نوفمبر (تشرين الثاني). والسبب في ذلك التقليد يعود إلى أن الولايات المتحدة كانت على مدى فترة زمنية طويلة من تاريخها مجتمعًا زراعيًا في معظمها. ولقد أخذ المشرّعون بالاعتبار التاريخ المناسب لهم عندما اختاروا شهر نوفمبر، الذي يقع بعد موسم الحصاد ولكن قبل أن يجعل طقس الشتاء السفر صعبًا، نظرًا لأنه أسهل شهر بالنسبة للمزارعين والعمال الريفيين للتوجه إلى صناديق الاقتراع.
ولأن الكثير من سكان المناطق الريفية يعيشون على مسافات بعيدة عن مراكز الاقتراع، اختير يوم الثلاثاء بدلاً من الاثنين من أجل تمكين أولئك الذين يحضرون قداس يوم الأحد من بدء السفر بعد الصلاة والوصول إلى المكان الذي يقصدونه في الوقت المناسب للإدلاء بأصواتهم. أضف إلى ما سبق أن المشرّعين أرادوا الحؤول دون وقوع يوم الانتخابات في أول نوفمبر لسببين هما: الأول، أن يوم أول نوفمبر عند المسيحيين هو عيد جميع القديسين، أي اليوم الذي يلتزم الكاثوليك فيه بحضور القداس، كما أن التجار يصفّون في العادة حساباتهم للشهر السابق في اليوم الأول من كل شهر.
هذا، بما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، أما بالنسبة للهيئة التشريعية، أي الكونغرس بمجلسيه، تُعرف الانتخابات التي يصوّت فيها الأميركيون لانتخاب ممثليهم في مجلسي الكونغرس (الشيوخ والنواب) بالانتخابات النصفية، لأنها تجرى في منتصف الولاية الرئاسية التي تمتد أربع سنوات. والحال أن الأميركيين ينتخبون كل سنتين كل أعضاء مجلس النواب، كما ينتخبون نحو ثلث عدد أعضاء مجلس الشيوخ الذين يخدم كل منهم لفترة ست سنوات. كما يختار الناخبون أيضًا مسؤولين لشغل مناصب رسمية في الولايات (كحكام الولايات) والحكومات المحلية.

* شروط الترشح لرئاسة الولايات المتحدة
لكل منصب منتخب اتحادي (أي على مستوى البلاد) متطلبات مختلفة، تنص عليها المادتان الأولى والثانية من الدستور الأميركي. وفيما يخص رئاسة الجمهورية يجب أن يكون المرشح لمنصب رئاسة الولايات المتحدة مولودًا في الولايات المتحدة، وألا يقل عمره عن 35 سنة، وأن يكون مقيمًا في الولايات المتحدة لمدة 14 سنة على الأقل. ويجب على نائب الرئيس أن يستوفي الشروط المؤهلة نفسها. ولا يجوز لنائب الرئيس أن يكون من الولاية ذاتها التي ينتمي إليها الرئيس بموجب التعديل الثاني عشر للدستور الأميركي.

* «الكلية الانتخابية»
الرئيس الأميركي، رسميًا ينتخب بالأصوات الانتخابية لـ«الكلية الانتخابية» أو المجمع الانتخابي وليس بأغلبية الأصوات الشعبية، ولقد سبق لأربعة رؤساء أميركيين أن تولوا الرئاسة مع أنهم حازوا من الأصوات الشعبية على أقل من منافسيهم هم: جون كوينسي أدامز عام 1824 الذي تقدم عليه منافسه اندرو جاكسون (بالأصوات الشعبية وكذلك الانتخابية) لكنه انتخب بأصوات مجلس النواب لأن جاكسون لم يحصل على غالبية مطلقة في الكلية الانتخابية. روذرفورد هايز عام 1876 الذي تخلف عن منافسه صامويل تيلدن، لكنه فاز بفارق صوت واحد في الكلية الانتخابية. ثم بنجامين هاريسون الذي تخلف عن غروفر كليفلاند عام 1888، وأخيرًا جورج بوش الابن الذي تخلف عن منافسه آل غور عام 2000.
الكلية الانتخابية، أو المجمع الانتخابي، عبارة عن مجموعة من المواطنين تعيّنهم الولايات للإدلاء بأصواتهم لانتخاب الرئيس ونائب الرئيس نيابة عن جميع المواطنين في الولاية. وتختلف عملية اختيار أعضاء الهيئة الانتخابية بين ولاية وأخرى، ولكن الأحزاب السياسية تسمي عادة أعضاء الكلية الانتخابية خلال مؤتمرات حزبية تنظم في الولاية أو من خلال التصويت في اللجنة المركزية للحزب. ويقوم الناخبون في كل ولاية، من خلال الإدلاء بأصواتهم للرئيس ونائب الرئيس، باختيار أعضاء الكلية في يوم إجراء الانتخابات العامة. إن الكلية الانتخابية، وليس أصوات الناس، هي التي تنتخب الرئيس، ولكن عمليتي التصويت هاتين مرتبطتان بشكل وثيق.
وعن كيفية عمل نظام الكلية الانتخابية فإنه يعمل بإعطاء لكل ولاية عددا من أصوات الكلية مساويًا لعدد الأعضاء الذين يمثلون تلك الولاية في الكونغرس. وتخصص ثلاثة أصوات انتخابية لمقاطعة كولومبيا، أي العاصمة واشنطن. وهناك 538 صوتًا انتخابيًا في الكلية الانتخابية، ويجب على المرشح للرئاسة الحصول على 270 صوتًا انتخابيًا من أجل الفوز في الانتخابات (أي أكثرية بسيطة). وتتبع جميع الولايات، ما عدا ولايتين، نظام الفائز يفوز بالكل، وهو الذي يحصل بموجبه المرشح الذي فاز بأكبر عدد من الأصوات الشعبية في الولاية على جميع أصوات الكلية الانتخابية للولاية.
ومن ثم، يجتمع أعضاء الكلية عادة في عواصم ولاياتهم في ديسمبر (كانون الأول) للإدلاء بأصواتهم. ثم ترسل بعد ذلك أصوات الكلية إلى واشنطن، حيث يصار إلى فرزها خلال جلسة مشتركة للكونغرس تنظم في يناير (كانون الثاني).



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.