تضاربت آراء الكثير من السياسيين والبرلمانيين العراقيين في الآونة الأخيرة مع مواقف المسؤولين الحكوميين، بشأن ملف النفط والغاز، فيما أكد خبراء في مجال الاقتصاد والطاقة،أإن إدارة هذا الملف، والسياسة التي تتبعها الحكومة في مجال الصناعة النفطية، بحاجة إلى مراجعة شاملة مع تراجع أسعار الخام، الذي أضر بمالية البلاد.
بعض المسؤولين العراقيين والبرلمانيين، ينتقدون الآن جولات التراخيص، ويطالبون بإعادة التفاوض بشأنها، ويشيرون إلى أن الجولات والعقود، اتصفت بالعجالة، وغياب الكثير من عناصر التخطيط المسبق.
في المقابل، وزير النفط الحالي، عادل عبد المهدي، دافع عن جولات التراخيص، وعن العقود التي تمخضت عنها، مشيرا إلى أن العراق حصل على عوائد وصلت إلى 340 مليار دولار بموجب إنتاج العقود مع الشركات، وأن العراق دفع للشركات 34 مليارا فقط أو 10 في المائة من مجمل العوائد.
كما نجد أيضا من يكتب أن شركات النفط العالمية، العاملة في العراق، تواجه صعوبات كبيرة، في التعامل مع جهاز إداري عراقي بيروقراطي، يعاني من حالات انعدام الشفافية، والمزايدات الحزبية، فضلا عن المصاعب التي تواجهها بسبب قدم البنى التحتية وعدم كفاءتها، وتخلفها عن استيعاب التطور الحاصل في صناعة النفط.
أما المواطن العراقي، فهو يشكو من أزمة في الطاقة، بينما يرى أن بلاده تجهز العالم بها، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار، أن العراق يملك أحد أكبر حقول النفط العملاقة في العالم!! ونقصد هنا حقل الرميلة، الذي يقع على بعد 50 كم غرب مدينة البصرة، والذي تشير التقديرات إلى أن هناك نحو 17 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج في مكامن هذا الحقل.
ويعود تاريخ حقل الرميلة، بوصفه حقلا مُنتجا للنفط، إلى عام 1953 حين تم اكتشاف النفط من قبل شركة بترول العراق. وقد شكل هذا الحقل العملاق مصدرًا أساسيًا للدخل والطاقة للعراق لمدة تزيد على 60 عامًا.
بدأت عملية إنتاج النفط تجاريًا في حقل الرميلة عام 1954، وقد ارتفع الإنتاج خلال العقود اللاحقة، ليصل إلى أعلى معدل، في عام 1979، حيث وصل إلى 1.75 مليون برميل في اليوم، وبمتوسط إنتاج يومي في العام ذاته بلغ 1.5 مليون برميل.
إلا أن سنوات حكم صدام أفضت إلى حصار دمر الاقتصاد العراقي، وأدى إلى انخفاض معدلات الإنتاج بشكل متواصل، بحيث نادرا ما كان يصل معدل إنتاج النفط في العراق، خلال تلك الفترة، إلى أكثر من مليون برميل يوميًا، فضلا عن قدم المعدات التي كانت تستخدم في حقل الرميلة، والتي مر عليها أكثر من ستين عاما.
أدركت الحكومات المتعاقبة، منذ الإطاحة بالنظام السابق، أهمية النهوض بإمكانيات حقل الرميلة، لذلك قامت وزارة النفط، عام 2009، بإبرام عقد خدمة فنية مدته 20 عامًا، بين شركة نفط الجنوب (SOC) وشركة BP (بي بي) البريطانية العالمية، وشركة بتروتشاينا الصينية، وشركة تسويق النفط العراقية، وذلك بهدف زيادة الإنتاج، وتحديث جميع أوجه العمل في حقل الرميلة العملاق.
ومنذ ذلك الوقت، تم تحقيق الكثير من المنجزات الفعلية على أرض الواقع، وبدأ الإنتاج في الازدياد مرة أخرى. وكانت النتائج الإيجابية قد دفعت الحكومة والشركات العالمية، عام 2014، إلى تمديد عقد الخدمة الفنية لمدة خمس سنوات إضافية، وتم الاتفاق على إنتاج ذروة مستقر قدره 2.1 مليون برميل يتم الوصول إليه بحلول عام 2020.
وبالتالي سيكون لتمديد عقد الخدمات الفنية لحقل الرميلة لغاية 2034، أثره الهام في عمل الشركات الأجنبية على تطوير البنية التحتية للحقل، وتهيئته لإنتاج أعلى، على المدى البعيد.
وقد قال الخبير الاقتصادي الدكتور حسام العزاوي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن استعانة الدولة، بشركات النفط العالمية، مثل BP وبتروتشاينا، لتطوير حقل الرميلة، هو دليل واضح على عزم الدولة، في النهوض بهذه الصناعة. فتلك الشركات معروفة بإمكانياتها الرائدة في مجال استكشاف النفط واستخراجه، فضلا عن الابتكارات التكنولوجية والهندسية التي بلغت حدودا فائقة في التطور، فشركة BP، التي تملك خبرة تزيد على المائة عام في مجال النفط، تتمتع بسمعة عالمية، وإمكانيات واسعة، مكنتها من تطوير إنتاج النفط في حقول عملاقة مماثلة، مثلا حقل برودو باي في ألاسكا، وحقل تنجيز في كازاخستان، بالإضافة إلى اكتشاف النفط في أبوظبي عام 1958. كما كانت شركة BP الأولى في استكشاف النفط وإنتاجه في العراق، لعقودٍ كثيرة خلت، والكثير من خبراء النفط والطاقة أشاروا إلى أن ما يميز عمليات شركة بي بي، هو قدراتها المتكاملة في الاستكشاف والإنتاج والتكرير والتسويق، إضافة إلى امتلاكها تقنيات رائدة في هذا المجال، وقدرتها على توسيع وإدارة عمليات بمستويات عالمية، وكذلك الحال بالنسبة إلى شركة بتروتشاينا (CNPC - شركة النفط الوطنية الصينية) وهي من أكبر الشركات الصينية في قطاع النفط والغاز، وكانت تُعد في عام 2009 أكبر شركة في العالم بقيمة سوقية بلغت 336 مليار جنيه إسترليني. وتشمل أعمال شركة بتروتشاينا عمليات الاستكشاف والتطوير والإنتاج والتسويق والتكرير والنقل والتخزين».
وأضاف العزاوي: «في عام 2010 وبعد المباشرة بتنفيذ عقد الخدمات الفنية لحقل الرميلة المنتج، تم تحقيق تقدم كبير على أرض الواقع، حيث تمت زيادة معدل الإنتاج اليومي من 1.06 إلى 1.2 مليون برميل يوميًا، بحلول عام 2010. وقد غيّر ذلك الانحسار في الإنتاج (حيث كانت نسبة التراجع قد وصلت إلى نحو 5 في المائة سنويًا في السنوات السابقة) وكان ذلك دليلا على إمكانية زيادة الإنتاج في حقل الرميلة، على المدى القريب والبعيد. وهو إنجاز كبير بكل المقاييس بالنظر إلى الحالة المتدنية التي كان عليها الجزء الأكبر من البنية التحتية للحقل في ذلك الوقت، ومنذ ذلك الحين، تم تحقيق مستويات عالية من الإنتاج، لم يسبق الوصول إليها منذ ثمانينات القرن الماضي، مع زيادة المعدل الإجمالي للإنتاج اليومي من النفط بنسبة أربعين في المائة عما كان عليه عام 2009. وأصبح حقل الرميلة يسهم بما يقرب من 33 في المائة من إنتاج النفط في العراق، وحسب إحصاءات شركة نفط الجنوب ووزارة النفط، فإن متوسط مستوى الإنتاج اليومي في الرميلة يبلغ نحو 1.35 مليون برميل يوميا، مما يجعل الرميلة أكبر الحقول المنتجة في العراق، وأحد أكبر ثلاثة حقول منتجة للنفط على مستوى العالم، فيما تشير التقارير والدراسات، إلى أنه بموجب التعديل الأخير على عقد الخدمات الفنية، الذي تم توقيعه من قبل شركة نفط الجنوب، وشركة بي بي، وشركة بتروتشاينا، وشركة تسويق النفط (سومو)، فمن المتوقع أن يصل الإنتاج المستهدف المستقر إلى 2.1 مليون برميل يوميًا. وهذا يمثل زيادة أخرى في الإنتاج الحالي بنسبة 55 في المائة، أي نحو 750 ألف برميل يوميًا، وتعمل الشركات العالمية، جنبا إلى جنب مع شركة غاز البصرة، من أجل مضاعفة إمدادات الغاز المصاحب، والتي تسهم بدورها في زيادة كمية الغاز المخصص للاستخدام المحلي، وفي عقود جولات التراخيص، التي اعتمدتها وزارة النفط العراقية، لسكان مدينة البصرة والمناطق المحلية القريبة من آبار النفط، نصيب وافر!! ولكن لدى مراجعة نصوص العقود، وجدنا أن على المقاول والمشغل الالتزام والمراعاة التامة للصحة والسلامة وحماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية، معتمدين لتحقيق ذلك أفضل الممارسات البترولية العالمية. كما يجب تجنب الإضرار بسبل المعيشة أو نوعية الحياة في المجتمعات المحيطة أو إفسادها، فضلا عن ذلك، فقد نصت العقود على ضرورة غرس مفاهيم الصحة والسلامة والبيئة بين كل الأفراد العاملين ضمن العمليات البترولية».
ويرى بعض المتابعين والمهتمين بهذا الشأن المشاريع التي تم العمل عليها في هذا الإطار، ومنها انطلاق الأعمال، قبل نحو شهرين، بإنشاء محطة جديدة للطاقة الكهربائية في حقل الرميلة النفطي، ومن المرتقب أن تدخل الخدمة الفعلية في عام 2017. وأن هذه المحطة سوف يتم تشغيلها بالغاز المُستخرج من مخزونات الحقل الهيدروكربونية، وأن إنتاج تلك المحطة سيربط بشكل مباشر مع شبكة الكهرباء الوطنية. ومن المقدر أن يوازي إنتاج المحطة من الطاقة ما يستهلكه نحو 23 ألف عائلة.
وفي الإطار ذاته، تأتي الخدمات التدريبية والتطويرية التي تقدمها أكاديمية الرميلة، للعاملين في الحقل من منتسبي شركة نفط الجنوب، حيث تم إنجاز أكثر من مليوني ساعة تدريب، علما بأن عدد الكادر العراقي العامل هناك يبلغ نحو 6,800 موظف.
بالإضافة إلى ذلك فإن سكان المناطق المحلية يستفيدون فعليا من ناحية الحصول على أعمال بسيطة مؤقتة، أو حصول مقاولين محليين على الكثير من العقود لتقديم خدمات ساندة، كما أن من جملة المشاريع التي تعنى بالبنية التحتية للمناطق المحيطة بالحقل، والتي تم تنفيذها، خدمة للمجتمعات المجاورة، تبليط شارع بطول 4 كيلومترات، وبناء عدة مراكز صحية، وترميم عدد من المدارس، بالإضافة إلى مشروع إسالة المياه للمناطق السكانية القربية من حقل الرميلة.
العراق: دعوات لمراجعة سياسة الحكومة في الصناعة النفطية
مع تهاوي أسعار الخام الذي أضر بمالية البلاد
العراق: دعوات لمراجعة سياسة الحكومة في الصناعة النفطية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة