المرشحون الأميركيون يفضلون «تويتر» و«فيسبوك»

يلجأون إليها لتحاشي الإعلاميين وغضبًا منهم

ملياردير العقارات دونالد ترامب غرد في موقع «تويتر» خلال حملة الترشح عن الحزب الجمهوري أكثر من 30 ألف مرة («الشرق الأوسط»)
ملياردير العقارات دونالد ترامب غرد في موقع «تويتر» خلال حملة الترشح عن الحزب الجمهوري أكثر من 30 ألف مرة («الشرق الأوسط»)
TT

المرشحون الأميركيون يفضلون «تويتر» و«فيسبوك»

ملياردير العقارات دونالد ترامب غرد في موقع «تويتر» خلال حملة الترشح عن الحزب الجمهوري أكثر من 30 ألف مرة («الشرق الأوسط»)
ملياردير العقارات دونالد ترامب غرد في موقع «تويتر» خلال حملة الترشح عن الحزب الجمهوري أكثر من 30 ألف مرة («الشرق الأوسط»)

مثلما لم يحدث أن لعبت مواقع التواصل الاجتماعي هذا الدور الكبير في أي حملة انتخابية رئاسية أميركية في الماضي، لم يحدث أن استفاد منها مرشح مثل ملياردير العقارات دونالد ترامب. ولم يحدث أن ارتكب فيها المرشحون كل هذه الأخطاء (بسبب تسرعهم في كتابة آرائهم).
ربما لن يفز ترامب بترشيح حزبه لرئاسة الجمهورية (أو برئاسة الجمهورية). لكنه فاز، فعلا، باكتساحه مواقع التواصل الاجتماعي. فحتى الأسبوع الماضي، كان غرد في موقع «تويتر» أكثر من 30 ألف مرة.
ولأنه بدأ حساب «تويتر» قبل ست سنوات، فإنه يكون غرد بمعدل 5 آلاف تغريدة في العام. يعني هذا متوسط 13 تغريدة كل يوم. وطبعا، غرد أكثر خلال العام الماضي، خاصة النصف الثاني منه (أعلن ترشيحه في الصيف). خيرا أو شرا، يدل هذا على تصميم ربما هو نفس التصميم الذي جعله ينجح في مجال بيع وشراء العقارات، حتى وصلت ثروته إلى عشرة مليار دولار تقريبا (لكن، طبعا، في هذه المعركة الانتخابية لا بد أنه يستفيد من موظفي حملته الانتخابية).
وهذه بعض تغريداته الأخيرة: أولا: عن خطاب الرئيس باراك أوباما في الكونغرس: «تظل الولايات المتحدة تتحول، يوما بعد يوم، إلى نمر من ورق».
ثانيا: عن احتجاز إيران زورقين وعسكريين أميركيين في الخليج: «ها هي إيران تحتقر الولايات المتحدة. هذه صور مفزعة. صرنا دولة ضعيفة».
ثالثا: بعد أن صار تيد كروز، من مرشحي الحزب الجمهوري، ينافسه منافسة حقيقية: «يجب أن يقنعنا كروز بأنه ولد في الولايات المتحدة». يشير هنا إلى أن كروز ولد في كندا. ويمنع الدستور الأميركي أن يولد رئيس الجمهورية في بلد أجنبي.
لا يقتصر هجوم ترامب على أوباما، أو على إيران، أو حتى على زملائه مرشحي الحزب الجمهوري. فمن وقت لآخر يهاجم ترامب الصحافيين. ولا ينكر أنه لجأ إلى «تويتر» و«فيسبوك» لتحاشي الصحافيين.
لكنه يستمر يتابع ما ينقل الصحافيون عنه، ويرد عليهم في قسوة شديدة:
أولا: كتب عن أندرسون كوبر، مذيع تلفزيون «سي إن إن»: «قدم خبيرا فاشلا ليتحدث حديثا فاشلا عن الحزب الجمهوري».
ثانيا: كتب عن ميغان كيلي، مذيعة تلفزيون «سي إن إن»: «قالت إنها تنفر مني. إنها امرأة نصف نصف في كل شيء (العمل، الجمال، إلخ..).. أي رجل يريدها؟». عندما احتجت المذيعة، وعندما احتج تلفزيون «سي إن إن»، رفض ترامب الاعتذار. هذه ثاني مرة يفعل ذلك.
قبل ثلاثة شهور، عندما قدم تلفزيون «سي إن إن» مناظرة مرشحي الحزب الجمهوري، واشتركت كيلي في الأسئلة، انتقد ترامب أسئلتها في قسوة. وقال كلاما معناه أنها متوترة وضعيفة بسبب عادتها الشهرية. في ذلك الوقت، احتجت كيلي، واحتج تلفزيون «سي إن إن». لكن، لم يعتذر ترامب.
وها هو، هذه المرة في «تويتر»، يشتمها مرة أخرى، ويرفض الاعتذار.
لكن، يعتذر مرشحون آخرون عندما يكتبون تغريدات غير صحيحة، أو غير مهذبة. فالأسبوع الماضي، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن أخطاء تغريدات المرشحين وصلت إلى أرقام قياسية، وذلك لأنهم «لا يفكرون كثيرا قبل كتابة تغريداتهم».
مرة واحدة فقط، اعتذر ترامب بعد أن شتم ولاية أيوا (حيث ستجرى أول انتخابات تمهيدية في نهاية هذا الشهر). لكنه قال إن واحدة من العاملين في حملته الانتخابية هي التي كتبت التغريدة.
واعتذرت مرات كثيرة هيلاري كلينتون، التي تريد أن تترشح لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الديمقراطي: غردت عن روزا بارك، من بطلات حركة الحقوق المدنية للزنوج الأميركيين. لكنها وضعت صورة امرأة أخرى (واضطرت لسحب التغريدة).
وغردت عن عيد «كوانزا» الذي يحتفل به الأميركيون السود. لكنها وضعت علامة غير صحيحة (واضطرت لسحب التغريدة).
وغردت عن توقع حفيد ثان لها، واستعملت كلمة «ابويلا» (معناها «جدة» باللغة الإسبانية). واحتج إسبان ولاتينيون، وقالوا إنها تريد كسب أصواتهم بطريقة ساذجة (واضطرت لسحب التغريدة).
وقع بن كارسون، جراح الأعصاب الأسود الذي يترشح لرئاسة الجمهورية، في إحراجات مماثلة. غرد عن معارضته إيواء اللاجئين من سوريا. ووضع خريطة للولايات التي قال حكامها إنهم، أيضا، يعارضون. لكن، غير مواقع ولايات في الخريطة (واضطر لتغيير الخريطة).
وسحب جيب بوش تغريدات كثيرة: واحدة عن رأيه في هيلاري كلينتون. وثانية عن تأييده لقرار شقيقه الرئيس السابق بوش الابن غزو العراق. وأخرى عن علاقة صداقة تربطه مع مرشح آخر. لكنه أخطا في كتابة كلمة «فريند» (صديق).



شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.