السعودية تحسن بيئة الاستثمار عبر تقارير شهرية ومتابعة مستمرة

محافظ هيئة الاستثمار: أعددنا برنامجاً شاملاً لتحقيق إصلاحات هيكلية واسعة في الاقتصاد

ملاك المخابز السعودية ملزمون بحظر استخدام الديزل واستبداله  بالكيروسين الأبيض (الكاز) أو الكهرباء أو الغاز الطبيعي، للحد من التلوث
ملاك المخابز السعودية ملزمون بحظر استخدام الديزل واستبداله بالكيروسين الأبيض (الكاز) أو الكهرباء أو الغاز الطبيعي، للحد من التلوث
TT

السعودية تحسن بيئة الاستثمار عبر تقارير شهرية ومتابعة مستمرة

ملاك المخابز السعودية ملزمون بحظر استخدام الديزل واستبداله  بالكيروسين الأبيض (الكاز) أو الكهرباء أو الغاز الطبيعي، للحد من التلوث
ملاك المخابز السعودية ملزمون بحظر استخدام الديزل واستبداله بالكيروسين الأبيض (الكاز) أو الكهرباء أو الغاز الطبيعي، للحد من التلوث

انطلقت في العاصمة السعودية الرياض مساء يوم أمس، أعمال منتدى التنافسية الدولي لعام 2016 في دورته التاسعة، الذي يعقد برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بعنوان «تنافسية القطاعات»، وسط ملامح مهمة من شأنها تطوير أدوات الاستثمار في البلاد، وتحفيز الاقتصاد على تحقيق مزيد من النمو.
وفي هذا الشأن، كشف محافظ الهيئة العامة للاستثمار في السعودية المهندس عبد اللطيف العثمان خلال حفل الافتتاح مساء يوم أمس، أن الهيئة بالتعاون مع كافة الجهات الحكومية في البلاد، أعدت برنامجًا شاملاً لتحسين تنافسية بيئة الاستثمار في المملكة، وحل المعوقات التي تواجه المستثمرين ضمن توصيات محددة بمدد محددة، وقال: «هذا البرنامج، اعتمده المقام السامي الكريم مؤخرًا، وتم البدء في تطبيقه، ورُفع تقرير شهري حوله لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لمتابعة تنفيذه».
وفي تصريح صحافي على هامش افتتاح المنتدى، أكد المهندس عبد اللطيف العثمان أن الخطوات الاقتصادية الأخيرة للمملكة، والتي تم اتخاذها، جاءت في الوقت المناسب الذي تركز فيه السعودية على تنويع مصادر الدخل، مضيفا: «سيكون هناك عدة قطاعات استثمارية جديدة بالإضافة إلى القطاعات الأخرى الواعدة كالطاقة والصحة والتعدين والخدمية والتجزئة والخدمات المالية والعقار والسياحة بالإضافة إلى الجانب التعليمي وتعزيز تنافسية العمل في السعودية»، مؤكدا على أن السعودية ترحب بالاستثمار والمستثمرين. وأضاف المهندس عبد اللطيف العثمان في كلمته الافتتاحية: «المنتدى ينعقد في دورته هذا العام ونحن نعيش مناسبة عزيزة علينا، ألا وهي الذكرى السنوية الأولى لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، راعي منتدانا لهذا العام، وهو الذي سبق له الفضل بافتتاح أولى دورات المنتدى حينما كان أميرا لمنطقة الرياض».
ولفت العثمان، إلى عدد الإنجازات التي شهدتها المملكة في ظل القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين على مدى عام كامل، مضيفا: «رغم الاضطرابات والحروب التي تعاني منها المنطقة، فقد شهد العام الماضي حراكًا تنمويًا وتنظيميًا مكثفًا في المملكة؛ إذ صدرت الكثير من القرارات، كما تم انتهاج السياسات والإجراءات الجادة الرامية إلى تحقيق إصلاحات هيكلية واسعة في الاقتصاد الوطني، تلت هذه القرارات والسياسات إنشاء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية».
ولفت محافظ هيئة الاستثمار السعودي النظر إلى أن من بين الإنجازات والقرارات تنظيم قطاع الإسكان، وفرض رسوم على الأراضي غير المطورة، للمساهمة في توفير السكن، وتفعيل دور القطاع الخاص في التطوير العقاري.
وتابع حديثه: «كما كان منها تأسيس هيئة تختص بتوليد الوظائف، وإصلاح منظومة الدعم الحكومي، ورفع كفاءة الإنفاق، وفتح الاستثمار للشركات الأجنبية في قطاع تجارة التجزئة بنسبة 100 في المائة، وإنشاء هيئة تعنى بدعم المشروعات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة».
وأضاف: «هناك الكثير من السياسات والإجراءات التي سيتم تطبيقها مستقبلا ومنها: طرح مجموعة من القطاعات والنشاطات الاقتصادية للخصخصة، وتذليل العقبات التشريعية والتنظيمية والبيروقراطية أمام القطاع الخاص، وتحسين مستويات الشفافية والمحاسبة»، مبينا أنه ستسهم هذه الإجراءات في دعم الاقتصاد السعودي، الذي يحتل موقعا بارزا ضمن أكبر 20 اقتصادًا في العالم، والذي يعتبر أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط بناتج إجمالي يقدر بنحو 653 مليار دولار لعام 2015. كما يعد الاقتصاد السعودي رابع أسرع اقتصاد نموا في مجموعة الـ20 بعد الهند والصين وإندونيسيا.
وزاد المهندس العثمان قائلاً: «سجل الإنفاق الحكومي في المملكة نموًا قويًا؛ إذ ارتفع من نحو 70 مليار دولار في عام 2005م، إلى نحو 193 مليار دولار في عام 2015م، وكل هذه المؤشرات الاقتصادية جعلت المملكة تحتل المركز الرابع عالميًا من حيث قوة الاقتصاد الكلي وفقًا لتقرير التنافسية الدولي (2015 – 2016)».
وحول تعزيز التنافسية في المملكة أشار محافظ الهيئة العامة للاستثمار أن الهيئة العامة للاستثمار عملت مؤخرًا، بدعم وإشراف من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، على عدة برامج، منها إعداد خطة وطنية تتضمن تطوير خطط للاستثمار في 18 قطاعًا لرفع تنافسيتها وجاذبيتها.
وضرب المهندس العثان مثلاً بالخطة الاستثمارية للرعاية الصحية والتي ستوفر فرصًا استثمارية واعدة تقدر قيمتها بـ40 مليار ريال (10.6 مليار دولار)، مشيرا إلى خطة الاستثمار في قطاع التعليم، موضحًا أنها تضمنت فرصًا تبلغ قيمتها 25 مليار ريال (6.6 مليار دولار).
وفي قطاعي التعدين والنقل أوضح العثمان أن خطة الاستثمار في قطاع التعدين حددت فرصا بقيمة 40 مليار ريال (10.6 مليار دولار)؛ إذ تعد المملكة من أكبر دول العالم من حيث وفرة الموارد المعدنية، كما حددت خطة الاستثمار في قطاع النقل فرصًا تقدر قيمتها بـ435 مليار ريال (116 مليار دولار).
وأكد المهندس عبد اللطيف العثمان أن الخطة الوطنية بدأت في جني ثمارها حيث تم - على سبيل المثال - توحيد وإقرار مواصفات ومعايير موحدة للعربات في مشاريع المترو؛ مما يمكن من استقطاب استثمارات ضخمة لتصنيع العربات محليًا، مع تضمين عقود الصيانة والتشغيل ما ينص على الالتزام بالتوطين بحيث يصل المحتوى المحلي إلى 55 في المائة.
وحول هيئة الاستثمار ومراكز الخدمة فيها، أوضح العثمان أنه تم تسهيل إجراءات إصدار التراخيص، بما في ذلك تطبيق قرار تقليص المدد الزمنية للبت في طلبات الاستثمار إلى خمسة أيام كحد أقصى، وتقليص عدد المستندات المطلوبة إلى ثلاثة، وجعل مدة التراخيص أكثر مرونة؛ بما يتناسب مع تفعيل النشاط لمدة تصل إلى 15 عامًا، ووضع ضوابط لإصدار تأشيرة مستثمر لرواد الأعمال بهدف تمكين الاستثمارات المبتكرة، والمستهدفة في سياق تطوير شامل للخدمات التي تقدمها الهيئة للمستثمرين بالتعاون مع الجهات الحكومية الممثلة في مراكز الأعمال.
جدير بالذكر أن فعاليات منتدى التنافسية الذي تنظمه الهيئة العامة للاستثمار خلال الفترة 24 - 26 يناير (كانون الثاني) الجاري، يتضمن 12 جلسة، وتسع كلمات رئيسية، وخمس ورش عمل، وثمانية عروض رئيسية، وجلسة حوارية واحدة، كما تشمل إقامة معرض (استثمر في السعودية) الذي تشارك فيه هذا العام 25 جهة ما بين مؤسسات حكومية وشركات صناعية عملاقة وهيئات مالية.
وتركز جلسات المنتدى وورش العمل المصاحبة لها على استعراض أبرز التجارب العالمية في مجال تنافسية القطاعات، وتبادل الأفكار والخبرات في القطاعات ذات التأثير الكبير في دعم الاقتصادات الوطنية؛ للإفادة منها في دعم تنافسية القطاعات السعودية.
كما تسلط الضوء على القطاعات ذات الأولوية، والتي لها تأثير مباشر في التنمية الاقتصادية والبشرية، وتحفيز الابتكار وريادة الأعمال، وهذه القطاعات هي: الرعاية الصحية، النقل، التعليم، تقنية المعلومات والاتصالات السياحة، الخدمات المالية، العقارات والتي ستتم مناقشتها بتوسع خلال جلسات المنتدى.



قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
TT

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

رئيس أميركي جديد... حرب تجارية مهددة... استمرار تعثر اقتصاد الصين... اضطرابات سياسية في مراكز القوة بأوروبا... توترات جيوسياسية في الشرق الأوسط... يبدو أن عام 2025 سيكون عاماً آخر استثنائياً. فكيف سيشكل كل ذلك الاقتصاد العالمي في عام 2025؟

في عام 2024، اتجه الاقتصاد العالمي نحو التحسن في ظل تباطؤ معدلات التضخم، رغم استمرار المخاطر.

لكن العام المقبل يقف عند منعطف محوري. فمن المرجح أن يرفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الرسوم الجمركية، واضعاً حواجز حمائية حول أكبر اقتصاد في العالم، بينما سيستمر قادة الصين في التعامل مع عواقب العيوب الهيكلية داخل نموذج النمو في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. أما منطقة اليورو، فستظل محاصرة في فترة من النمو المنخفض للغاية.

ترمب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يتحدثان قبل اجتماع حلف شمال الأطلسي (أ.ب)

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يُتوقع أن يظل الاقتصاد العالمي ككل مرناً نسبياً في 2025. ويفترض صندوق النقد الدولي بتقرير نشره في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي قبل حسم نتائج الانتخابات الأميركية، أن يظل النمو ثابتاً عند 3.2 في المائة بالعام المقبل، وهو نفسه الذي توقعه لعام 2024. بينما التوقعات بتباطؤ النمو في الولايات المتحدة إلى 2.2 في المائة في عام 2025، من 2.8 في المائة في عام 2024، مع تباطؤ سوق العمل. في حين توقعت جامعة ميشيغان في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأميركا إلى 1.9 في المائة في عام 2025.

وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يبلغ النمو 1.2 في المائة في عام 2025، وهو أضعف قليلاً من توقعات الصندوق السابقة. ويشار هنا إلى أن الأحداث السياسية في كل من فرنسا وألمانيا سيكون لها وقعها على نمو منطقة اليورو ككل. فالسياسات الاقتصادية الفرنسية والألمانية تعوقها حالة كبيرة من عدم اليقين السياسي بعد استقالة رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه ضحية الموازنة، وانهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا للسبب نفسه.

أما الصين، فيتوقع الصندوق أن ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المائة في عام 2025 مع مخاوف تحديات استمرار ضعف سوق العقارات، وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين، وذلك في وقت تكافح فيه بكين للتوفيق بين إعادة توجيه استراتيجيتها للنمو والضغوط قصيرة الأجل لإجراءات التحفيز غير المكتملة. لكن وكالة «فيتش» أقدمت منذ أيام على خفض توقعاتها السابقة بالنسبة لنمو الاقتصاد الصيني من 4.5 في المائة إلى 4.3 في المائة.

موظف يعمل بشركة تصنيع قطع غيار سيارات في تشينغتشو (أ.ف.ب)

السياسة النقدية في 2024

لقد كان من الطبيعي أن يمثل تباطؤ التضخم المسجل في عام 2024، أرضية لبدء مسار خفض أسعار الفائدة من قبل المصارف المركزية الكبرى. وهو ما حصل فعلاً. فالاحتياطي الفيدرالي خفّض أسعار الفائدة الفيدرالية مرتين وبمقدار 75 نقطة أساس حتى نوفمبر 2024 - و25 نقطة أساس أخرى متوقعة باجتماع في 17 و18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي - لتصل إلى 4.50 - 4.75 في المائة، رغم نمو الاقتصاد بواقع 3 في المائة.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتحدث إلى رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ويتوسطهما محافظ بنك اليابان كاز أودا في مؤتمر «جاكسون هول» (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فأجرى خفضاً للفائدة 4 مرات في 2024 وبواقع 25 نقطة أساس كل مرة إلى 3.00 في المائة بالنسبة لسعر الفائدة على الودائع.

بنك إنجلترا من جهته، خفّض أسعار الفائدة مرتين بمقدار 25 نقطة أساس (حتى اجتماعه في نوفمبر).

باول ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي ورئيس بنك كندا المركزي تيف ماكليم (رويترز)

وبالنسبة لبنك الشعب (المصرف المركزي الصيني)، فلقد كان التيسير مع مجموعة أدواته الموسعة حافلاً هذا العام، حيث تم الإعلان عن إصلاح إطار عمل جديد للسياسة النقدية في شهر يونيو (حزيران)، وتخفيضات بمقدار 30 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي لمدة 7 أيام، وتخفيضات بمقدار 100 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي، وبرامج جديدة لدعم أسواق الأسهم والعقارات.

إلا أن المفاجأة كانت في تغيير زعماء الصين موقفهم بشأن السياسة النقدية إلى «ميسرة بشكل معتدل» من «حكيمة» للمرة الأولى منذ 14 عاماً، ما يعني أن القيادة الصينية تأخذ المشاكل الاقتصادية على محمل الجد. وكانت الصين تبنت موقفاً «متراخياً بشكل معتدل» آخر مرة في أواخر عام 2008، بعد الأزمة المالية العالمية وأنهته في أواخر عام 2010.

ولكن ماذا عن عام 2025؟

سوف تستمر المصارف المركزية في خفض أسعار الفائدة على مدى العام المقبل، ولكن في أغلب الاقتصادات الكبرى سوف تمضي هذه العملية بحذر.

بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، يبدو أن التوقف عن الخفض في اجتماع يناير (كانون الثاني) أمر محتمل، حيث إنه سيكون لديه بحلول اجتماع مارس (آذار)، فهم أكثر وضوحاً لخطط الرئيس دونالد ترمب بشأن التعريفات والضرائب والإنفاق والهجرة وغيرها. ومن المؤكد أن احتمالات خفض الضرائب المحلية لدعم النمو التي ستدفع بالطبع التضخم إلى الارتفاع، ستؤيد مساراً أبطأ وأكثر تدريجية لخفض أسعار الفائدة العام المقبل. وهناك توقعات بحصول خفض بمقدار 25 نقطة أساس لكل ربع في عام 2025.

متداول في سوق نيويورك للأوراق المالية يستمع إلى مؤتمر باول الصحافي (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فيبدو أنه مصمم الآن على المضي قدماً في إعادة أسعار الفائدة إلى المستوى المحايد بأسرع ما يمكن مع ضعف النمو الشديد وتباطؤ ظروف سوق العمل، وسط توقعات بأن يخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى نحو 1.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025. ومن بين العواقب المترتبة على ذلك أن اليورو من المرجح أن يضعف أكثر، وأن يصل إلى التعادل مقابل الدولار الأميركي العام المقبل.

وعلى النقيض من المصرف المركزي الأوروبي، يتخذ بنك إنجلترا تخفيضات أسعار الفائدة بشكل تدريجي للغاية. ومن المتوقع أن تعمل الموازنة الأخيرة وكل الإنفاق الحكومي الإضافي الذي جاء معها، على تعزيز النمو في عام 2025. وهناك توقعات بأن يقفل العام المقبل عند سعر فائدة بواقع 3.75 في المائة، قبل أن ينخفض ​​إلى أدنى مستوى دوري عند 3.50 في المائة في أوائل عام 2026.

أما بنك الشعب، فسوف يبني العام المقبل على الأسس التي وضعها هذا العام، حيث تشير التوقعات إلى تخفيضات تتراوح بين 20 و30 نقطة أساس في أسعار الفائدة، مع مزيد من التخفيضات إذا جاءت الرسوم الجمركية الأميركية في وقت مبكر أو أعلى مما هو متوقع حالياً، وفق مذكرة للمصرف الأوروبي «آي إن جي». ومن المتوقع على نطاق واسع خفض آخر لمعدل الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الأشهر المقبلة، حتى إنه يمكن حصول تخفيضات تراكمية بمقدار 100 نقطة أساس في معدل الفائدة قبل نهاية عام 2025.

حرب تجارية على الأبواب؟

وبين هذا وذاك، هناك ترقب كبير للتعريفات الجمركية التي تعهد ترمب بفرضها، والتي يرجح على نطاق واسع أن تلعب مرة أخرى دوراً رئيساً في أجندته السياسية، وهو ما ستكون له انعكاساته بالتأكيد على الاقتصاد العالمي.

سفن حاويات راسية في ميناء أوكلاند (أ.ف.ب)

فترمب هدّد في البداية مثلاً بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع الواردات الصينية، ورسوم جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات من جميع البلدان الأخرى. ثم توعّد المكسيك وكندا بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع الواردات منهما، إذا لم تحلّا مشكلة المخدرات والمهاجرين على الحدود مع الولايات المتحدة، و10 في المائة رسوماً جمركية على الواردات من الصين (تضاف إلى الرسوم الحالية) بمجرد تنصيبه في 20 يناير. ولاحقاً، توعد مجموعة «بريكس» بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 100 في المائة، إذا أقدمت على إنشاء عملة جديدة من شأنها إضعاف الدولار.

ويبدو أن ترمب جاد هذه المرة في فرض التعريفات الجمركية التي يصفها بأنها أجمل كلمة في القاموس، بدليل ترشيحه الرئيس التنفيذي لشركة «كانتور فيتزجيرالد» في وول ستريت، هوارد لوتنيك، لتولي منصب وزير التجارة، والذي قال عنه إنه «سيتولى ملف التجارة والتعريفات».

وينص قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية على قدرة الرئيس على إصدار إجراءات اقتصادية طارئة للتعامل مع «أي تهديد غير عادي واستثنائي، يكون مصدره بالكامل أو جزئياً خارج الولايات المتحدة، للأمن القومي أو السياسة الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة». وهو ما يطلق يد ترمب في إقرار رسوم جمركية جديدة.

من هنا، قد تشكل الحرب التجارية أكبر خطر يهدد النمو العالمي في عام 2025. ورسم المحللون أوجه تشابه مع ثلاثينات القرن العشرين، عندما أدى فرض التعريفات الجمركية الأميركية إلى رد فعل انتقامي من قبل حكومات أخرى، وأدى إلى انهيار التجارة العالمية الذي أدى بدوره إلى تعميق الكساد الأعظم.

وفي أواخر أكتوبر، تناول صندوق النقد الدولي في تقرير له، التأثيرات المترتبة على النمو والتضخم في حرب تجارية محتملة عام 2025. فوضع التقرير سيناريو حرب تجارية مع افتراض فرض تعريفات جمركية أميركية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات، تقابلها إجراءات انتقامية واسعة النطاق من جانب أوروبا والصين تعادل 10 في المائة تعريفات جمركية على الصادرات الأميركية، وعلى جميع التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي، على أن يتم تنفيذها بحلول منتصف عام 2025.

في هذا السيناريو، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة -0.1 في المائة في عام 2025، مما يخفض توقعاته الأساسية من 3.2 في المائة إلى 3.1 في المائة.

مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) من جهته يحذر من آفاق غير مؤكدة تواجه التجارة العالمية عام 2025، بسبب تهديد الحروب التجارية. ويعدّ أن «آفاق التجارة في عام 2025 مشوبة بتحولات محتملة في السياسة الأميركية، بما في ذلك التعريفات الجمركية الأوسع نطاقاً التي قد تعطل سلاسل القيمة العالمية وتؤثر على الشركاء التجاريين الرئيسين».

وفي استطلاع أجرته «رويترز» مؤخراً مع 50 اقتصادياً، قدّر هؤلاء أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في الصين ​​بمقدار من 0.5 إلى 1.0 نقطة مئوية في عام 2025، حال تم فرض التعريفات الجمركية.

الدين العالمي إلى مستويات قياسية

ولا تقتصر التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي على ما سبق تعداده، فالعالم يواجه اليوم تحدياً غير مسبوق مع تصاعد الديون العالمية إلى 323 تريليون دولار، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي، وهو رقم يصعب تخيله أو استيعابه، والمتوقع ارتفاعه أكثر في 2025 إذا نفذ ترمب تعهداته.

لافتة إلكترونية في محطة انتظار الحافلات حول حجم الدين الوطني الحالي للولايات المتحدة (رويترز)

فالتقلبات المتوقعة لسياسات ترمب دفعت بعض الدول إلى إصدار ديون قبل توليه منصبه، عندما قد تصبح الأسواق أقل قابلية للتنبؤ.

وحذر معهد التمويل الدولي من أن التوترات التجارية المزدادة وانقطاعات سلسلة التوريد تهدد النمو الاقتصادي العالمي، مما يزيد من احتمالات حدوث دورات ازدهار وكساد صغيرة في أسواق الديون السيادية مع عودة الضغوط التضخمية وتشديد المالية العامة. وسوف تفاقم زيادة تكلفة الفائدة نتيجة لذلك الضغوط المالية وتجعل إدارة الديون صعبة بشكل مزداد.

وأخيراً لا شك أن التحولات الجيوسياسية تلعب دوراً مهماً في تشكيل الاقتصاد العالمي عام 2025. وهي تفترض مراقبة خاصة ودقيقة ومعمقة لتداعيات التنافس بين الولايات المتحدة والصين، التي قد تزداد وتيرتها حدة لتكون عواقبها الاقتصادية محسوسة على مدى سنوات، وليس أشهراً، بحيث يتردد صداها طوال العام المقبل وما بعده.