حزب سوداني معارض ينتخب قيادات شابة وزعيمه يتنحى طواعية

في سابقة أحرجت قيادات الأحزاب الكبيرة

حزب سوداني معارض ينتخب قيادات شابة وزعيمه يتنحى طواعية
TT

حزب سوداني معارض ينتخب قيادات شابة وزعيمه يتنحى طواعية

حزب سوداني معارض ينتخب قيادات شابة وزعيمه يتنحى طواعية

توافد شباب الأحزاب السياسية والنشطاء - بل حتى بعض الشيوخ - إلى الليلة الختامية للمؤتمر الخامس لـ(حزب المؤتمر السوداني) المعارض الذي عقد بالخرطوم، والذي ترك فيه رئيس الحزب مقعد الرئاسة وهو في أوج الشباب والعنفوان لرئيس شاب آخر، وكأنهم سيجدون فيه السلوى أو يكتشفون أن به ترياقًا لأدواء تنظيماتهم وتكلس مفاصلها، وتشبث رؤسائها بـ(مقعد الرئيس) ورفض تسليمه إلاّ بالموت.
وشهدت العاصمة السودانية ليلة الجمعة الماضي عقد المؤتمر الخامس للحزب الشاب ويعد من بين أكثر أحزاب البلاد نشاطًا وتأثيرا (المؤتمر السوداني)، وتنازل فيه رئيس الحزب (إبراهيم الشيخ) عن الرئاسة طواعية، إنفاذًا لدستور الحزب ولوائحه، واختير (عمر الدقير) رئيسًا لدورة جديدة.
ولا يعد عقد حزب لمؤتمره في غير (الحالة الحزبية السودانية) أمرًا ذا بال، لكن ما جعل ما حدث لافتًا، هو أن الحزبية السودانية اتسمت بإرث طوي من التشبث بالزعامة حتى الممات، ولم يكن أحد يصدق أن رجل الأعمال والزعيم السياسي الشاب إبراهيم الشيخ سيتخلى بسهولة عن المنصب لغيره، بل إن بعض القادة المتشبثين بزعامة أحزابهم حاولوا كثيرًا إثناءه، لكنه لم يستجب لمحاولاتهم واختار التنحي رغم أنه الأصغر سنًا بين قادة الأحزاب الرئيسية قاطبة.
واختار الحزب أحد قادة (انتفاضة) مارس/ أبريل 1985 التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق جعفر النميري بالثورة الشعبية السودانية الثانية، رئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وقتها (عمر يوسف الدقير)، ولا يخفى على أحد الدور الكبير الذي لعبه هذا الاتحاد في تلك الانتفاضة، وكان الدقير وقتها معتقلاً سياسيًا، أخرجته ورفاقه الجماهير الغاضبة حين اجتاحت سجن (كوبر) الشهير وأطلقت سراحه والمعتقلين السياسيين.
ورغم حداثة تكوينه مقارنة بالأحزاب السودانية، فإن حزب (المؤتمر السوداني) لعب دورًا رئيسًا في العمل المعارض، ضد نظام حكم الرئيس الأسبق النميري، وكان رأس رمح في معارضة ومقاومة حكم الرئيس عمر البشير الحالي، ما جعل منه رقمًا مهمًا وصعبًا في الحزبية السودانية، وفي المعارضة لانقلاب الإنقاذ.
نشأ الحزب في رحم تنظيم (مؤتمر الطلاب المستقلين) في الجامعات السودانية سبعينات القرن الماضي، وتمت تسميته حزبًا في عام 1986 وترأسه القاضي الراحل عبد المجيد إمام، وأعلن عن نفسه باسم (حزب المؤتمر الوطني).
وبعد أن تسلم الرئيس البشير الحكم وتم تكوين الحزب الحاكم وأطلق عليه، اسم (حزب المؤتمر الوطني)، ووفقًا للمتحدث باسم الحزب محمد حسن عربي، فإن الحزبين تقاضيا على الاسم حتى مرحلة المحكمة الدستورية التي أصدرت حكمها بمنح الاسم للحزب الحاكم، تحت ذريعة أن رئيسه القاضي عبد المجيد إمام كان قد توفي وقتها، ليبدل الحزب اسمه إلى (المؤتمر السوداني).
وتوالى على رئاسة الحزب كل من المهندس عبد الكبير آدم، وعبد الرحمن يوسف، وفي عام 2005 اندمج مؤتمر الطلاب المستقلين وحزب المؤتمر السوداني، وانتخب إبراهيم الشيخ رئيسًا له، ويعد الشيخ في نظر كثيرين (المؤسس الثاني) للحزب، والذي شهد الحزب في عهده نموًا أفقيًا ورأسيًا جعل منه واحدًا من الأحزاب الرئيسة بعد أحزاب الأمة والاتحادي الديمقراطي والشيوعي والبعث والإسلاميين، ويميزه عنها أن السمة العامة له أنه (حزب الشباب)، وأن عضويته الرئيسية من خريجي الجامعات وأساتذتها، لكنه في عهد الشيخ انتقل من حزب صفوي إلى حزب جماهيري.
كما اختار الحزب - على عكس المعهود عند الأحزاب السودانية - الشاب مستور أحمد أمينًا عامًا للحزب، وهو من مواليد عام 1978، وهو عمر صغير جدًا مقارنة بأعمار رصفائه في الأحزاب السودانية، وشابًا آخر لرئاسة مجلسه المركزي، هو عبد القيوم عوض السيد بدر، ما دشنه حزبًا بقيادة شابة، فضلاً عن أن سمة عضويته العامة الشباب.
وأثار تنحي الشيخ موجة من الارتياح وربما الدهشة في صفوف النشطاء السياسيين، وبدا معظمهم غير مصدق، لأن الحزبية السودانية - خاصة الأحزاب الكبيرة - تاريخيًا ارتبطت بـ(كبار السن)، وبتشبثهم بها حتى الموت، ما جعل الشباب يستنكفون العمل السياسي، وقال ناشط شاب لـ«الشرق الأوسط»: «لماذا أنتمي لحزب يبقى رئيسه رئيسًا رغم أنه تجاوز الثمانين، ومتى سأصبح قياديًا إذا كان متوسط أعمار قياداته لا يقل عن السبعين عامًا»؟
ويعد حزب الأمة من بين الأحزاب الديمقراطية الرئيسية في البلاد، وظل ملتزمًا بعقد مؤتمراته الحزبية باضطراد، لكنه ظل يجدد لرئيسه الحالي الإمام الصادق المهدي الذي جلس على رئاسته منذ 1964 دون أن يفارق المنصب من لحظتها، استنادًا إلى ثقله في طائفة (الأنصار) كبرى الطوائف الدينية في البلاد وانتمائه للبيت المهدوي، ما أحدث تصدعات في الحزب والطائفة، أبرزها الخلاف بينه وبين عمه الراحل الهادي عبد الرحمن المهدي، وصولاً للخلاف الحالي بينه وابن عمه مبارك الفاضل المهدي على زعامة الحزب.
وعقب وفاة والده (السيد علي الميرغني) 1968، ورث السيد محمد عثمان زعامة طائفة (الختمية) ثاني الطوائف الدينية من حيث الحجم ومعها الحزب، وظل عليهما منذ ذلك الوقت زعيمًا أبديًا، ولا يتوقع المراقبون ولا أعضاؤه تخليه عن الزعامة إلاّ بالوفاة، وبحال وفاته فإن التكهنات تشير إلى أن السلطة الزمانية والمكانية ستنتقل توريثًا إلى أحد أنجاله.
أما أحزاب اليسار، فإن زعامتها لم تتغير إلاّ بالوفاة، إذ انتقلت سكرتارية الحزب الشيوعي لمحمد إبراهيم نقد بعد إعدام زعيمه التاريخي عبد الخالق محجوب عام 1971 إثر الانقلاب الذي دبره ضباط بالحزب ضد الرئيس النميري، وظل نقد رئيسًا للحزب حتى وفاته في عام 2012، وانتخب محمد مختار الخطيب بديلاً له، فيما يتراوح متوسط أعمار قياداته الحالية في حدود السبعين.
أما حزب البعث العربي الاشتراكي، فهو الآخر لقي أمين سره محمد سليمان الخليفة مصرعه في حادث الطائرة التي تفجرت في الأجواء السعودية 1971، ثم خلفه بدر الدين مدثر أمينًا للسر حتى وفاته 2006، وانتقلت زعامة الحزب لخلفه علي الريح السنهوري، والثلاثة من مواليد النصف الأول من القرن الماضي.
أما الحركة الإسلامية، فقد ظل الترابي زعيمًا لها منذ أواسط الستينات، حتى حدث الصراع بينه وتلاميذه في عام 1999، فانتقلت بموجبه السلطة إلى تلميذه علي عثمان محمد طه، فيما ظل الرئيس عمر البشير رئيسًا للحزب الحاكم منذ الانقلاب في عام 1989م، لكن الترابي كون حزبًا (ضرارًا) بزعامته أطلق عليه (المؤتمر الشعبي).
وبمقارنة هذه السيرة، فإن التغيير الذي حدث على مستوى قيادات حزب (المؤتمر السوداني)، يعد حدثًا مفصليًا وله ما بعده في تاريخ الحزبية السودانية، فقد حرك ساكنها وأرسل رسائل مزعجة ومحرجة بل و(مخيفة) للزعماء المزمنين للأحزاب، وينذر بتغييرات كبيرة داخلها، طواعية أو بضغوط شبابية، بل وأتت بعض نتائجه سريعًا، إذ إن رئيس منبر السلام العادل الطيب مصطفى - وهو حزب صغير منشق عن الحزب الحاكم - بعد أن أشاد بتنحي الشيخ، أعلن هو الآخر تخليه عن رئاسة الحزب الذي أسسه في أقرب (مؤتمر عام)، فيما انشغل النشطاء في مختلف الوسائط بالتهليل والفرح للحدث غير المعهود بين أحزاب السودان.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.