«كنا كدا»، في الحواري والأزقة، على المحبة والأخوة، و«موية السقا»، «كنا كدا» بداية قصة المصوراتي، وبياع الفول، يرويها عم حمزة أبو العمة الحلبي، وستي زكية وهي تنادي من خلف المشربية «يا ولدي تعال» على حفيدها اللي يلعب بجنب البيت معكيرة، وسبعة حجار، «كنا كدا» مهرجان يعيد حكاية «حارة الشام، والمظلوم» من أعماق جدة للواقع بنكهة الحاضر والفجر الجديد.
تلك هي الحكاية التي يتدافع إليها الناس، ولا تعلم وأنت تدلف إلى المنطقة التاريخية في وسط جدة بواسطة عربات «الغولف» التي وضعت لنقل الزوار إلى مواقع الانطلاق لسماع الحكاية ومشاهدتها، وأنت قادم من «ميدان البيعة» بعد أن وجدت موقفا لمركبتك في تلك الأحياء الملاصقة للمنطقة، من أين تكون بداية القصة.
وإن كانت القصة طويلة، فلا بد من أن تختار أحد المسارين؛ إما أن تسلك مسار سوق «أهالينا» المحاذي لبحيرة الأربعين الشهيرة في جدة التي تتضمن عددا من الفعاليات والبرامج والأنشطة الحرفية القديمة ومنها «مصلح الروادي»، «اللبان»، «مجلي النحاس».. وغيرها، أو تسلك البوابة الرئيسية «بوابة المدينة» مدخل المنطقة التاريخية نهاية بمنزل «نصيف» الذي يحكى أن زمن إنشائه كان عام 1872، كما يحكى عن نزول الملك عبد العزيز في ضيافة صاحب البيت الشيخ عمر أفندي نصيف في عام 1925.
ومنذ اللحظة الأولى بعد أن اخترت مسارك، تجد نفسك في أحضان التاريخ، بين دلة القهوة وإبريق الماء، والبيت المبني من الطين، وهو شعور، كما يقول الإعلامي عبد الله ينبعاوي، لا يمكن وصفه بأي من الأحوال، وأنت تتجول بين هذه المباني التاريخية التي تحكي واقع وتجربة الأجداد قبل أكثر من مائة عام، وكيف كان سكان جدة القديمة يقومون بأعمالهم اليومية، في ظروف غير هذه الظروف، وتمكنوا من ترك هذا الإرث العظيم.
وأضاف الينبعاوي أن مهرجان جدة التاريخية «كنا كدا3» لهذا العام تميز بكثير من الإيجابيات؛ «منها توسعة السوق الرئيسية للفعاليات الذي يضم كثيرا من الحرف اليدوية القديمة، مع فصل الفعاليات عن السوق الرئيسية الموجودة في المنطقة التاريخية، وهو ما أعطى مساحة للزائر للتجول بشكل أكبر، كما تم التعامل مع التكدس والازدحام في الدخول والخروج، إضافة إلى وجود عربات الغولف التي تنقل الزوار من مواقع المركبات إلى مدخل المهرجان».
وبعد أن تعتريك لحظة النشوة، أو الانبهار بالمكان، تبدأ تدريجيا في الغوص في عالم كل قصة على حدة، وتجد نفسك وقد تقمصت، لا إراديا، دور المحقق لتعرف كل الخفايا خلف هذا البرواز وتلك الصورة، وهذا المنزل، وذاك الزقاق، وكيف، ومتى، ولماذا لم يكن بهذا الشكل، كل تلك الأسئلة تجد إجابتها في شعار المهرجان الذي اختير بعناية منذ نسخته الأولى «كنا كدا».
ونجحت اللجنة المنظمة لمهرجان «كنا كدا» في استقطاب أكثر من 600 ألف زائر للمنطقة التاريخية، وفقا لآخر الإحصاءات، وعلى مدار 10 أيام، وهي الفترة الزمنية التي أقرتها اللجنة العليا لمهرجان جدة التاريخية، ويترأسها الأمير مشعل بن ماجد محافظ جدة، لإقامة الفعاليات بالتزامن مع إجازة منتصف العام الدراسي، التي تشهد فيها جدة تدفق أعداد كبيرة للسياح من خارج المدينة. ولعل النجاح الأكبر كان في استقطاب فئة الشباب ما دون 20 عاما لزيارة المهرجان.
ويهدف المهرجان إلى إبراز الثقافة والتراث الحضاري الذي شهدته عموم المدن السعودية في الماضي، وأهمية المكانة التاريخية لمدينة جدة، ويتحدث المهرجان طيلة أيامه عن نخبة من الأدباء، كما صمم مجسما لحارة قديمة يحكي واقع جدة القديمة على مدخل المهرجان، زين كثيرا من منافذ البيع، كما شهد المهرجان عودة سور جدة الشمالي وباب المدينة القديم الذي يعد من أبرز المعالم القديمة لجدة.
ولعل أكثر ما تميز به المهرجان الحالي لجدة القديمة، وجود جدارية خاصة أطلق عليها «رجعولها» تهتم بالسكان الأصليين للمنطقة التاريخية وملاك المنازل القديمة، الذين رحلوا من حارة «شام»، و«المظلوم»، في عقود سابقة؛ إذ يقوم ملاك تلك المنازل بكتابة أسمائهم على هذه الجدارية التي أخذت شكل الزورق أو ما يعرف لدى سكان جدة بـ«الهوري».
وتنتشر الدكاكين الخاصة ببيع المقتنيات التراثية والمشغولات اليدوية التي تشتهر بها المنطقة، إضافة إلى فعاليات «حارة كنا كدا»، و«شارع المصورين»، و«الفرح الحجازي»، والملبوسات الحجازية، والسيارات القديمة، وبرحة الرسامين التي شهدت تدفق كثير من الزوار لمشاهدة المعروضات من التحف الفنية، أو رغبة في رسمهم عبر فرشة الفنانين المنتشرين في المكان.
وقال المهندس، سامي نوار، رئيس بلدية جدة التاريخية: «المهرجان حقق العوائد المرجوة منه في نشر الثقافة المحلية وتاريخ المنطقة القديم، من خلال ارتفاع عدد مرتادي المنطقة التاريخية في فترة وجيزة، إضافة إلى ما تحقق من عوائد اقتصادية كبيرة على عموم المنطقة وملاك المحلات التجارية»، موضحا أن إقامة حارة متكاملة على مدخل المهرجان تحاكي جدة القديمة، أسهم في إقبال الزوار على المهرجان.
وأضاف نوار أن «من أبرز عوائد مثل هذه المهرجانات، ما تحقق من ارتفاع في سعر المباني القديمة المنتشرة في المنطقة التاريخية، الذي انعكس على عودة الملاك إلى منازلهم بشكل متتابع لتطوير وتجديد منازلهم»، لافتا إلى أن «بلدية جدة التاريخية وخلال خمس سنوات أصدرت ما يزيد على 800 تصريح ترميم كلي وجزئي لملاك المنازل الذين أدركوا أهمية الاهتمام بهذا الإرث التاريخي».
مهرجان جدة يعيد الملاك إلى منازلهم القديمة.. ويفتح للزوار نافذة على التاريخ
«كنا كدا» يستقطب 600 ألف زائر
مهرجان جدة يعيد الملاك إلى منازلهم القديمة.. ويفتح للزوار نافذة على التاريخ
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة