عقب وقوع هجمات باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، اعتاد البلجيكيون على سماع جملة تكررت على لسان كبار المسؤولين في الحكومة وهي «وجود مخطط لتنفيذ هجمات في أماكن متفرقة على غرار ما وقع في باريس»، مما جعل البعض يفكر في وجود خطط إرهابية لاستهداف عدة عواصم أوروبية بنفس الأسلوب.
وبعد أسبوع من بداية السنة الجديدة شهدت فرنسا محاولة للهجوم على مركز للشرطة لكن خبراء ومسؤولي مكافحة الإرهاب يخشون هجمات أكبر في أوروبا في 2016.
وهناك تساؤلات حول كيفية الإعداد للهجمات، وهل سيتم الاعتماد على أشخاص من داخل أوروبا أو تسفير أعداد من الموجودين في مناطق الصراعات، للوصول إلى أوروبا بين اللاجئين، وبعد ذلك يتم الإعداد والتنفيذ؟، وبعد الحصول على مساعدة لوجستية من أشخاص في داخل أوروبا، يعتنقون الفكر الراديكالي ويساندون توجهاته.
وبالنسبة لوصول أعداد من الإرهابيين إلى أوروبا بين صفوف اللاجئين، ففي تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، تنفي دومينيك أرنولد، المتحدثة باسم إدارة شؤون الهجرة واللجوء في بروكسل، إمكانية حدوث هذا الأمر، وتقول: «لا أحبذ الربط بين ملف اللجوء والإرهاب، لأن الإرهابيين لا يأتون بين اللاجئين، نظرا لأن لهم إمكانات مالية وفكرية، تسهل وصولهم إلى أي دولة في أوروبا، ولديهم القدرة على الدخول دون الحاجة إلى الاختفاء في مراكب الموت مع المهاجرين أو طالبي اللجوء».
من جانبه اعتبر المسؤول السابق في جهاز أمن الدولة، أندريه جاكوب، أن خطر الهجمات الإرهابية قد يأتي من أشخاص يعيشون حالة من اليأس، ويتصرفون بشكل منعزل عن أي نشاط إرهابي منظم. جاء ذلك في تصريحات تناقلتها وسائل الإعلام المحلية، حيث أكد جاكوب على ضرورة البحث عن الأشخاص المصابين بالإحباط واليأس، الذين قد يميلون إلى تبني الأفكار المتطرفة بسهولة وعبر الوسائل التقليدية، وبذلك يصبحون إرهابيين محتملين.
ويعتقد جاكوب أن ارتكاب عمل إرهابي لا يحتاج بالضرورة للانتماء إلى منظمة أو مجموعة معروفة: «نحن أمام أشخاص لا تتم قيادتهم من سوريا، ولكنهم في الغالب يريدون القيام بعمل يحدث أكبر قدر من الضرر، وهذا ما يعقد عمل السلطات»، على حد قوله.
ويصف المسؤول الأمني السابق بـ«الرهيب» الوصول إلى مرحلة يمكن فيها الشك في أي شخص، «ولكن الأمر يبدو واقعيًا بعض الشيء، إذ يكفي أن يقوم أي متطرف له صلات ما بسوريا، بهجوم أو عمل إرهابي، حتى يتم تبني الأمر من قبل ما يعرف بتنظيم داعش في سوريا»، على حد تقديره، وحول الأنباء التي تتردد بأن هجمات باريس في 13 الشهر الماضي، قد خًططت في بلجيكا، أكد جاكوب أن الغاية تبقى هي محاربة الإرهاب وليس تبادل الاتهامات بين طرف وآخر.
وحسب تقارير إعلامية أوروبية، فقد بينت هجمات باريس الدامية التي أوقعت 130 قتيلا في 13 نوفمبر، أنه يمكن لفرق من الانتحاريين المسلحين برشاشات ومتفجرات مصنعة يدويا، إحداث خسائر كبيرة وبث الرعب بين المواطنين. ولا شك أن تداعيات مثل هذه الاعتداءات سيكون لها تأثير مدمر، لو أنها نفذت بشكل متزامن في عدة دول على المستوى الأوروبي.
ويقول مسؤول عن مكافحة الإرهاب للإعلام الفرنسي، طالبا عدم ذكر اسمه: «للأسف أعتقد أن هجمات 2015 لا تمثل شيئا (مقارنة مع ما يمكن أن يحدث)، نحن نتوجه نحو ما يشبه هجمات 11 سبتمبر على المستوى الأوروبي: هجمات متزامنة في اليوم نفسه في عدة بلدان وفي عدة أماكن. تنسيق على مستوى عال. نعرف أن الإرهابيين يعملون على إعداد شيء من هذا النوع». وأضاف أن «داعش» «يعمل اليوم على تجنيد وتدريب شبان أوروبيين بهدف إرسالهم لتنفيذ هجمات في بلدانهم الأصلية. إنهم يعودون ومعهم وثائق مزورة ويجيدون اللغة واستخدام السلاح ويعرفون الأماكن. نحن نوقف كثيرين منهم ولكن علينا أن نعترف بأن أعدادهم كبيرة وأن بعضهم سيتمكنون من التسلل. أو أنهم عبروا أصلا».
وقال إن توقيف متشددين عائدين من سوريا والعراق في الفترة الأخيرة يثير المزيد من القلق لأن «مواصفاتهم تتغير. نحن نرى شبانا تشربوا الفكر المتطرف يعودون بعد أن تلقوا تدريبا جيدا على القتال، كان الأجدر أن يبقوا هناك. بعضهم عادوا خوفا من الغارات الروسية التي تحيل أي قرية إلى هشيم لمجرد تلقي معلومات عن وجود متشددين فيها. ولكن آخرين يعودون وهم مكلفون بمهمات في أوروبا».
وأضاف: «في السابق، كنا نشهد عودة أشخاص يشعرون بأنهم أخطأوا ولم يدركوا صعوبة الحرب. أما اليوم فنرى شبانا متمسكين بعقيدتهم».
وفكرة تنفيذ هجمات متزامنة في أوروبا ليست بالأمر الجديد فقد فشلت مثل هذه المحاولات مرارا وبينها مخطط كان معدا لتنفيذه في نهاية أغسطس (آب) 2010 وفق ما يقول إيف تروتينيون المحلل السابق لدى أجهزة مكافحة الإرهاب الفرنسية. ويضيف: «كنا حينها نواجه تنظيم القاعدة، ولكن الفكرة انتقلت ولا شك إلى تنظيم داعش. كان يفترض أن تصل فرق التنفيذ من أوروبا الشرقية وأن تتوجه إلى مكان وجود الأسلحة المخبأة من المسدسات والبنادق الهجومية. أحبط الأميركيون المخطط ونفذوا ضربات استباقية بطائرات من دون طيار في أفغانستان وباكستان ضد أشخاص كان يفترض بهم تنفيذ الهجوم»..
ويقول إن «مثل هذه الهجمات المتزامنة هي من بين السيناريوهات الأسوأ التي يخشى تنفيذها في 2016، أعرف أن الأجهزة المختصة تعمل في عواصم عدة منها لندن على سبيل المثال على هذه الفرضية». ويرى الخبيران أنه في حين تعمل الشرطة والجيش والمحللون والمشرعون بصورة مستمرة على تكييف خطط المواجهة وطريقة العمل مع أساليب عمل المتشددين، فإن الطرف الآخر يقوم بالمثل وغالبا ما يكون أسرع وأكثر فعالية. ويقول المسؤول في مكافحة الإرهاب «لسنا وحدنا من يستخلص العبر، تنظيم داعش يفعل بالمثل. لقد فهموا على سبيل المثال أنه لا ينبغي إجراء اتصال هاتفي أو تقليص ذلك إلى الحد الأدنى وبأن كل الاتصالات مراقبة. إنهم يتعلمون من كل هجوم حتى عند إحباطه».
ويقول إيف تروتينيون: «يسمى هذا الخبرة بالممارسة. وهذا ما يفعلونه أيضا. إنهم يستفيدون من التحقيقات التي يجريها الصحافيون ويقرأون كل ما يكتب عن الموضوع. لقد تعلموا أنهم احتاجوا ساعتين ونصفا لمهاجمة مسرح باتاكلان وأن متفجراتهم كانت رديئة وبالتالي عليهم تغييرها وأن المنفذين تركوا أثرا. إنهم يتعلمون بسرعة».
ويضيف أن «13 نوفمبر برهن أنه كان يكفي أن يقوم بالتنفيذ شباب غير متمرسين. هذا يعني أنه إذا تم تحسين مستوى المهاجمين فستكون المشكلة كبيرة. هناك شعور رهيب بالتشاؤم في جميع أوساط المحترفين بشأن 2016، وربما بعد سنة سنقول إن سنة 2015 لم تكن سوى تمرين أو ما يشبه اختبارا عمليا».
خبراء أمنيون يخشون من هجمات أوروبية على غرار الحادي عشر من سبتمبر
استبعاد احتمالية دخولهم بين اللاجئين.. والتهديدات مستمرة لعشر سنوات مقبلة

خبراء أمنيون يخشون من هجمات أوروبية على غرار الحادي عشر من سبتمبر

لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة