جرى تدريب الكومبيوترات على صياغة موجزات سريعة لأحداث رياضية، الأمر الذي يعرض عمل الصحافيين الرياضيين للخطر. والآن، تأتي الخطوة التالية، حيث جرى تدريب أجهزة الكومبيوتر على صياغة تعليقات حية على أحداث رياضية احترافية أثناء وقوعها، الأمر الذي يعود الفضل فيه إلى مزيج من التعلم الآلي ورؤية علمية ترتبط بأجهزة الكومبيوتر.
* تعليقات المباريات
على سبيل المثال، داخل الهند أصبح بمقدور الكومبيوترات تقديم تعليقات على مباريات الكريكيت بنسبة دقة بلغت 90 في المائة. وكشفت دراسة علمية نشرت مؤخرًا اضطلع بها ثلاثة باحثين هنود هم: راهول أناند شارما، وسي. في. جواهر، اللذان يعملان في المعهد الدولي لتكنولوجيا المعلومات في حيدر آباد، ومعهما برامود سانكار من مركز زيروكس البحثي بالهند، عن أن أجهزة الكومبيوتر الخاضعة لرقابة ضعيفة يمكنها التمييز على نحو يمكن الوثوق به بين فيديوهات مباريات الكريكيت وكتابة تعليق عليها.
ومن أجل تحقيق ذلك، تولت أجهزة الكومبيوتر تحليل مئات الساعات من فيديوهات الكريكيت من قناة الدوري الهندي الممتاز للعبة عبر موقع «يوتيوب»، وتقطيع الفيديوهات إلى فئات بناءً على الوصف النصي الخاص بها المتاح بالفعل. وتمثلت الخطوة التالية في تقطيع الفيديوهات الأطول إلى مشاهد أصغر بهدف وضع تصنيف لكل مشهد فيديو.
بعد ذلك، يبدأ نظام كومبيوتري مرتبط بجهاز الكومبيوتر في إيجاد التعليق المناسب المتوافق مع ما يجري عرضه في كل مشهد مصور. وبناءً على هذا النسق، جرى توفير تعليقات لقرابة 300 مباراة كانت موجودة بالفعل في قاعدة بيانات موقع «كريك إنفو» (Cricinfo). وبذلك تمكنت برامج الكومبيوتر من طرح وصف دقيق على لقطات من مباريات كريكيت بالاعتماد على تقنيات التعرف البصري لحدث يدوم أحيانا لفترة تتجاوز 1.2 ثانية.
ومن جهته، قال سي. في. جواهر في تصريحات لقناة «إن دي تي في» الهندية: «من أجل تعلم طرح هذا العرض، هناك حاجة لوجود الكثير من الأمثلة. بعد ذلك، يتعلم برنامج خاص بالكومبيوتر من هذه الأمثلة بالاعتماد على برمجيات التعلم الآلي، وإلحاق مثل هذه النصوص الوصفية بأجزاء من الفيديو».
* مباراة كرة التنس
الآن، أصبح لدى جمهور مشجعي الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية والرابطة الوطنية لكرة السلة داخل الولايات المتحدة فكرة واضحة بخصوص هذا التحول الجديد في عالم التعليق والتحليل الرياضي، وإن كان الطريق لا يزال طويلاً أمام البرنامج الجديد كي يتمكن من التعليق على اللحظات الرياضية المجنونة التي تشهدها بعض المباريات، مثل تمكن فريق مهزوم من قلب موازين المباراة في الثواني الأخيرة واقتناص الفوز. أيضًا، ليس بمقدور جهاز الكومبيوتر التمييز بين القمصان ذات الألوان المتداخلة لأنه جرى تدريبه على التمييز بين أشكال وألوان معينة.
ومع ذلك، تبقى هناك رياضة واحدة يمكن الاستعانة بالكومبيوترات في تقديم تحليل مباشر لمبارياتها وهي التنس. ويعود ذلك إلى أن كرة التنس يسهل نسبيًا متابعتها وبإمكان الكومبيوترات تحديد على وجه الدقة النقطة التي ارتدت عندها، الأمر الذي يعتبر جزءًا روتينيًا من أي مباراة تنس تجري إذاعتها وتحليلها مباشرة على الهواء.
علاوة على ذلك، فإن هناك لاعبين فقط، وبالتالي فإن حجم الحركة المطلوب متابعتها أقل.
الملاحظ أن ذات المجموعة من الباحثين الهنود حللوا كيف يمكن لآلة تقسيم الحركة داخل ملعب تنس إلى مقاطع وأجزاء. وفي دراسة عرضاها مؤخرًا على مجموعة من الباحثين البريطانيين المعنيين بالذكاء الصناعي، كشف سي. في. جواهر وموهاك سوكهواني كيف أن برمجيات تعلم الآلة يمكن الاعتماد عليه في توفير تعليق نصي على مباريات التنس.
بالطبع، لا يزال الطريق طويلاً حتى نصل لليوم الذي تضطلع فيه آلة بالتعليق على حدث رياضي بصورة كاملة، لكن يبدو واضحًا تمامًا أن العالم يتحرك بهذا الاتجاه. وينظر الباحثون الهنود إلى هذا التكنيك الجديد كأداة لمعاونة المراسلين والصحافيين المعنيين بالحقل الرياضي. وبالفعل، وافقت وكالة «أسوشييتد برس» مؤخرًا على تجربة للاستعانة بأجهزة كومبيوتر لتقديم وصف مكتوب للفعاليات الرياضية التي تشهدها داخل الكليات والجامعات.
* تعليق الآلات
ومع تنامي سرعة الآلات وقدرتها على التكيف، أصبح من الممكن التفكير فيما يعنيه تعلم الآلة بالنسبة للتعليق كمعلق عام وكمعلق متخصص - ومن المحتمل أن تتمكن نظم الذكاء الصناعي من إتقان مجال التعليق العام أولاً قبل الدخول لمجال التعليق المتخصص، وهو أمر طبيعي لأنه من الصعب اكتساب آلة لحجم الخبرة البشرية. على سبيل المثال، قد تدرك آلة ما أن لاعبًا ما حقق هدفًا، لكنها ربما لا تعلم عن استعداداته قبل المباراة أو معلومات بخصوص مستوى لياقته البدنية الحالي.
ومع ذلك، يبقى لدى الآلات ميزة لا تتوافر للبشر وهي القدرة على معالجة فعل ما من زوايا مختلفة في الوقت ذاته. الملاحظ أنه في الكثير من الأحيان يضطر المعلقون إلى مشاهدة فعل ما من زوايا مختلفة قبل الخروج بتقييم قاطع بخصوص طبيعة ما حدث بالملعب. في المقابل، فإن الآلات بمقدورها تحليل عدة مقاطع مصورة من كاميرات مختلفة في آن واحد من دون أي مشكلة.
بالنسبة للوقت الحاضر، من غير المحتمل أن تمثل قدرة الآلات على توفير تعليق عام على فعاليات رياضية أي تهديد لوظائف المعلقين والصحافيين الرياضيين. وتبعًا لما أفاده الباحثون الهنود، فإن أجهزة الكومبيوتر بمقدورها البحث عبر ساعات من المحتويات بحثًا عن أفعال بعينها لا تدوم سوى بضع ساعات.
وعليه، فيمكنك تخيل الاستعداد لخوض مباراة تنس أمام خصم ما مع تمتعك برفقة جهاز ذكاء صناعي بإمكانه توفير تحليل فوري لأسلوب لعب خصمك في غضون ثوانٍ. وبينما تمثل مسألة مشاهدة مباريات رياضية لساعات من الأمور المعتادة بالنسبة للمعنيين بالتحليل الرياضي، فإن الآلات أصبحت على ذات القدر من الكفاءة مثل البشر في استخلاص نقاط أساسية من وراء مشاهدة ساعات من المباريات.
تبقى النقطة الرئيسة أن الذكاء الصناعي لا يشكل خطرًا في الوقت الحاضر على مهنة التعليق الرياضي. إلى أن الوضع يختلف بالنسبة للمراسلين والصحافيين الهامشيين، الذين ربما بحلول لحظة فتحهم جهاز الكومبيوتر الخاص بهم، سيفاجأون بأن الجهاز قد حلل ونشر بالفعل المقالات التي كان يتعين عليهم كتابتها عبر الإنترنت.
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ{الشرق الأوسط}