بموازاة العمليات العسكرية في مدينة الرمادي تتواصل عمليات إجلاء السكان المدنيين المحاصرين في المدينة. فمع وصول القوات العراقية المحررة للمدينة إلى مناطق كان يسيطر عليها مسلحو «داعش»، حيث كان المئات من العائلات ويستخدمها دروعًا بشرية بدأت عمليات الإجلاء ووصف بعض من تم إجلاؤهم لـ«الشرق الأوسط» أهوال الحياة التي عاشوها تحت سعير النار وأصوات القذائف وأزيز الرصاص معبرين عن فرحتهم الغامرة بالوصول إلى القطعات العسكرية العراقية أو وصول القوات الأمنية إلى مناطقهم وتحريرهم من قبضة التنظيم المتطرف.
وتقول «أم إبراهيم»، (40 سنة)، من سكان حي الجمعية وسط الرمادي، إنه قبل دخول القوات العراقية لتحرير المدينة بساعات «طرق مسلحو تنظيم داعش باب منزلنا وأبلغوا زوجي بضرورة التهيؤ للخروج معهم من المنطقة والانتقال إلى منطقة أخرى، وقام التنظيم الإرهابي بإحضار سيارات لنقلنا بشكل إجباري وبالفعل تم نقلنا نحن ومعظم العائلات إلى منطقة الثيلة وقبل أن تتجه السيارات بنا إلى الثيلة سمعنا نداءات عبر مكبرات الصوت من قبل القوات الأمنية تحث الأهالي على البقاء في المنازل أو الاتجاه إلى القطعات العسكرية العراقية من أجل نقلهم إلى مناطق أكثر أمنًا». وأضافت: «لقد شاهدنا عمليات إعدام قام بها مجرمو تنظيم داعش لعدد من العائلات بحجة أنهم يقومون بإيصال معلومات عن مكان مسلحي تنظيم داعش في المناطق السكنية إلى القوات الأمنية، وأعدم التنظيم الإرهابي عددا من شبان منطقة الجمعية لنفس السبب، كما قاموا بإطلاق النار على عدد من العائلات التي قررت التوجه صوب القوات الأمنية، وأبلغونا بأن من يعصي الأوامر مصيره الموت، وبعد وصولنا إلى منطقة الثيلة قام المسلحون بتوزيعنا على بعض البيوت ومعنا عائلات أخرى من مناطق مختلفة وبقينا هناك بلا طعام ولا ماء لمدة يومين إلى حين وصول القوات الأمنية وإنقاذنا من الموت المحقق».
وتتواصل روايات الناجين من الموت، وتقول «زينب»، (20 سنة): «لقد رأيت بنفسي كيف يقوم الإرهابيون بجلد الناس في السوق أمام أنظار المارّة، فأصابني هذا المشهد بالخوف والرعب، وكنت قبلها أسمع من والدي أنهم يقومون بقطع الرؤوس في الساحات العامة، سمعت بهذا، لكني لم أره بنفسي فأصبت بالذعر من تلك التصرفات الوحشية ولم أخرج من البيت طيلة شهور مضت، إلى حين تم إنقاذنا من قبل القوات الأمنية وها نحن نعيش ظروف لا تقل مأساة عن ذي قبل فنحن الآن نعيش في مخيم وسط أجواء البرد وقساوة الظروف والابتعاد عن الدار والجار، لكن هذا المخيم على الأقل أفضل من العيش بين الكواسر المجرمة».
ويقول «أبو أحمد»، (47 سنة)، وهو رب أسرة مكونة من سبعة أفراد من سكان منطقة الثيلة: «لم نستطع الهرب من قبضة التنظيم منذ دخولهم إلى المدينة فقد سيطر المسلحون على منطقتنا في وقت متأخر من الليل ولم نكن نعلم حينها بأن تنظيم داعش قد احتل الرمادي ومنذ تلك الفترة وعلى مدى نحو سبعة أشهر عشنا كالأسرى وفرضوا علينا أحكاما ما أنزل الله بها من سلطان ومنعوا الناس من الكثير من الممارسات المعتادة لأهالي المدينة بحجة تعارضها مع الشرع وفرضوا على الناس أزياء مختلفة ومنعوا النساء من الخروج من المنازل وأجبروا الرجال على إطلاق اللحى ومن يتغيب عن ذلك فهناك عقوبات قد تصل إلى حد الموت، ومنعوا التدخين، وقاموا بمصادرة المحال والمخازن التجارية لسكان المدينة الذين فروا منها، ودمروا وأحرقوا الكثير من المنازل وهدموا بيوت المسؤولين».
وأضاف «أبو أحمد»: «بعد دخول القوات الأمنية لتحرير الرمادي قام مسلحو التنظيم بحملة مداهمات واقتادوا المئات من رجال المدينة إلى مناطق مجهولة ولولا أني معاق جسديًا لكنت معهم، فيما قام التنظيم الإرهابي بإعدام سبعة من جيراني قبل هروب المسلحين من المنطقة انتقامًا لقائد في التنظيم الإرهابي أبلغ السكان عن مكان وجوده القوات الأمنية الذين قاموا باعتقاله على الفور ويبدو أنه قيادي كبير أو (وزير) في دولتهم المزعومة، حيث قام المسلحون بإطلاق النار على المدنيين السبعة وقتلهم أمام أنظار الأهالي الذين فزعوا من شدة الخوف».
من جانب آخر، قال نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار فالح العيساوي: «نقوم الآن باستجواب الرجال الذين قمنا بإجلائهم مع العائلات من مناطق الرمادي المحررة وهم الآن قيد الاحتجاز وسنقوم بالإفراج عن جميع الأبرياء منهم». وأضاف العيساوي، أن «الخوف من وجود دواعش مدسوسين له ما يبرره، حيث تم إبلاغنا من قبل الكثير من الأهالي بوجود من هو مع تنظيم داعش، وهناك بلاغات من قبل المدنيين وصلتنا تفيد بوجود مثل هؤلاء، وقد أدلى أحد الشبان بأن والده كان أحد مسلحي التنظيم الإرهابي وكان يجبر أولاده على الانخراط في صفوف المسلحين، لكنهم كانوا يجابهونه بالرفض، وعند وصول القوات العراقية لإنقاذ المدنيين أبلغونا بالأمر، وهناك طفل في الثامنة من العمر كشف بصورة عفوية أن والده كان يعمل مع (داعش)».
وأشار العيساوي إلى أن «هناك الكثير من العائلات التي ما زال (داعش) يحتجزها رهائن، وهذا يشكل عقبة رئيسية تعترض استعادة السيطرة على ما تبقى من المدينة لأن (داعش) يستخدم هؤلاء دروعًا بشرية».
من جانبه، قال رئيس لجنة المهجرين في البرلمان العراقي النائب رعد الدهلكي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن مسألة إنقاذ المدنيين المحاصرين في مناطق الصراع في مدينة الرمادي وبقية مدن الأنبار «بحاجة إلى وقفة جادة من قبل الحكومتين المركزية والمحلية والقوات الأمنية، ولا بد من رصد أموال كافية لإغاثة هؤلاء المدنيين، وخصوصًا أن عددًا كبيرًا منهم تعرض لإصابات خطيرة جراء العمليات العسكرية أو نتيجة عمليات إرهابية من قبل التنظيم الإرهابي بحق المدنيين».
وأضاف الدهلكي قائلاً: «اليوم يعاني أكثر من مليون نازح من أهالي الأنبار ظروفًا قاسية وصعبة في مخيمات النزوح بانتظار عودتهم إلى مدنهم ومناطقهم المحررة، بينما تقوم القوات الأمنية بإجلاء عدد كبير من العائلات من وسط المدينة، الأمر الذي يحتاج إلى عمل كبير وجاد وسريع بتأهيل المناطق المحررة بشكل عاجل ليعود الأهالي إلى ديارهم».
استمرار عمليات إجلاء المدنيين من الرمادي.. والقوات الأمنية تستجوب الرجال
نائب رئيس مجلس الأنبار: الخوف من وجود دواعش مدسوسين له ما يبرره
استمرار عمليات إجلاء المدنيين من الرمادي.. والقوات الأمنية تستجوب الرجال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة