تعبر أوكسانا بويكو خط الجبهة في الشرق الأوكراني الانفصالي الموالي لروسيا، كل أسبوع محتمية بالجدران لتجنب أي رصاصة طائشة، لتصل إلى الجانب الآخر من قريتها من أجل تسلم الفروض المدرسية لأبنائها الثلاثة.
وتعيش هذه السيدة البالغة من العمر 34 عاما في الشطر «الأوكراني» من قرية زايتسيفي المنقسمة منذ ستة أشهر. وقد أغلقت المدرسة أبوابها لتتحول إلى مركز لإطلاق النار للمتمردين الموالين لروسيا الذين يخوضون منذ أبريل (نيسان) 2014 حربا ضد القوات الموالية لكييف، أسفرت عن سقوط أكثر من تسعة آلاف قتيل حتى الآن.
وفي هذه البلدة التي تضم 300 نسمة وتعد من النقاط الساخنة في النزاع، لم يعد هناك خدمات ولا وسائل للنقل المشترك. وقد دمرت عدة منازل أو تحولت إلى ثكنات لجنود من الطرفين. وقالت أوكسانا، وهي أم لثلاثة، أمام منزلها: «نحن لا نعيش، بل نحاول تأمين بقائنا». وليتمكن أبناؤها من مواصلة تعليمهم على الرغم من كل شيء، تعبر الحواجز للقاء المدرسين الذين يعيشون في منطقة المتمردين، وتجلب الفروض المدرسية لابنيها البالغين من العمر ثمانية وعشرة أعوام ولابنتها (12 عاما)، ثم تقوم بمساعدتهم على كتابتها.
وبات المدرسون يعطون الدروس وفق المنهاج المدرسي الروسي الذي اعتمدته سلطات جمهورية دونيتسك المعلنة من جانب واحد، بينما يدرس أبناء أوكسانا المنهاج الأوكراني. لكن التعليم ليس الهم الوحيد لأوكسانا التي لا تملك المال لشراء الأدوية لأطفالها.
وتعيش هذه الأم على غرار كثيرين في منطقة «رمادية» بين الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون وتلك الخاضعة للجيش الأوكراني ولا تملك الحق في أي مساعدة اجتماعية. وتقول لوكالة الصحافة الفرنسية إن «الجنود يجلبون لنا الخشب للتدفئة والطعام»، لكن ليست هناك أدوية. وتضيف: «عندما يبدأ تبادل إطلاق النار، لا شيء يهدئ من روع ابنتي إلا المهدئات. كما خضع أحد أبنائي لعملية جراحية مؤخرا ويحتاج إلى فيتامينات غير متوفرة لدينا»، مشيرة إلى صبي يلهو بدراجة في باحة المنزل.
ولم يعد هناك أطباء مدنيون، بل طبيب عسكري واحد يدعى سيرغي يستقبل أهل القرية في منزل تهدم نصفه. وفي هذه «العيادة»، لا يتوفر سوى مقعد طويل وكرسي، ومن المعدات الطبية ميزان حرارة وجهاز لقياس الضغط. وكان سيرغي، وهو جندي أوكراني تم تجنيده في غرب أوكرانيا، طبيبا عاما في الجيش. وهو يرفض ذكر اسم عائلته حتى لا يعرف مكان وجوده، ويقول إن «المسنين الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم هم الذين يأتون بكثرة». ويضيف: «أعطيهم أدوية من الاحتياطي المتوفر لدي، لأنه لا يمكن شراؤها من أي مكان. وإذا كانت الحالة خطيرة نقوم بنقل المرضى إلى مستشفى في أرتيميفسك»، المدينة التي تبعد خمسة كيلومترات عن القرية.
ويعالج طبيب القرية أيضًا الجنود الجرحى في المعارك التي استمرت في القرية على الرغم من الهدنة السارية منذ سبتمبر (أيلول). وقتلت امرأة في القرية أمس، لتكون بذلك أول ضحية مدنية تسقط منذ الهدنة التي أعلنت بين المتمردين الموالين لروسيا والجيش الأوكراني.
وقال الجيش الأوكراني في بيان إن قذائف عدة سقطت فوق منازل أفراد وأدت إلى إصابة امرأة مسنة بجروح قاتلة في زايتسيفي، متهما الانفصاليين «باستخدام قاذفات قنابل يدوية ورشاشات من العيار الثقيل ومدفعيات هاون من عيار 82 ملم ودبابة». وأوضح أنها «أسلحة كان يفترض سحبها من خط الجبهة في إطار اتفاق مينسك».
وقال ميكولا الجندي في الكتيبة الرابعة للقوات المسلحة الأوكرانية: «في نوفمبر (تشرين الثاني) قتل جندي وجرح اثنان آخران. المتمردون يطلقون النار كل ليلة. وتفصل بيننا 150 مترا فقط ونحن نرى بعضنا دون منظار». وقد اتخذ أفراد كتيبته مواقعهم في أغسطس (آب)، مما أثار قلق الانفصاليين. ويقول عسكريون عدة: «إنهم يخشون أن نتمكن من الوصول إلى غورليفكا»، أحد معاقل المتمردين في الشرق وتبعد نحو عشرين كيلومترا جنوبا. لا يتمنى المدنيون والعسكريون سوى أمر واحدا، وهو أن تتوقف المعارك.
وعلى خط الجبهة يداعب ميكولا كلبا ويقول: «هذا الكلب صانع سلام. إنه يعوي عندما يلقون البندقية. لا أحد هنا يريد أن تستمر الحرب، لا المدنيون ولا الحيوانات، لكن الأمر ليس خاضعا لإرادتنا».
في قرية زايتسيفي الأوكرانية.. الموالون لروسيا يحوّلون المدارس إلى ساحات حرب
تعاني من نقص في الخدمات الطبية والموارد الغذائية
في قرية زايتسيفي الأوكرانية.. الموالون لروسيا يحوّلون المدارس إلى ساحات حرب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة