تواصل الدبلوماسية السعودية طريقها نحو تحقيق أفق أكثر قوة على صعيد العمل ذي التحالفات المتعددة، بمركزية عنوانها الرياض، بعد نتائج عدة لم تتوقف حتى اليوم، تمثلت بصياغة تفاهمات وتكثيف أعمال مشتركة على نطاق الأقطاب الثنائية وكذلك الجمعية مع عدد من أقاليم العالم ودوله.
تحديات جمّة أمام دول الإقليم تصدت لها السعودية، بفضل دبلوماسيتها ذات المسار الواحد وزادت وتيرتها العملية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وكان لافتا كيف كانت الرياض سهم الشمال الذي يشرح خرائط التوازن بشكل عميق، من خلال الباب السياسي، لوضع حلول لأزمات وتخليص دول عدة في العالمين العربي والإسلامي من أزماته وتحدياته التي يواجهها.
فمنذ تولي الملك سلمان لمقاليد الحكم منذ ما يقرب العام، لم يمر أسبوع دون أن تكون المملكة وجهة لاستقبال زعيم عربي أو غربي من دول القرار العالمي أو دول الإقليم، وكانت مجمل هذه الوجهات والرحلات السياسية في مرحلة متقدمة لصياغة اتفاقيات على مستويات عدة، كان الاقتصاد حاضرا فيها كقاطرة للسياسة، وأخرى كانت تنسيقية لضمان العمل الزمني الطويل.
وأحصت وسائل إعلام أكثر من 13 زعيما ومسؤولا لدول عربية وغربية التقاهم الملك سلمان في غضون الخمسين يوما الأولى من حكم الملك سلمان، وجرت جميع اللقاءات خلال زيارات للعاصمة الرياض واستهدفت في مجملها تعزيز العلاقات الثنائية بين تلك الدول والسعودية والتطلع لتضامن عربي وإسلامي واسع، وكانت غايتها الرئيسية كذلك محاولة تبيان توجهات السياسة الخارجية السعودية في عهده.
مراقبون ينتظرون الحراك السعودي، ويتمهلون في إصدار أي تحليلات عنه، تيارات سياسية، ومشارب اقتصادية، وجحافل عسكرية، جميعها تمر بالرياض أو الرياض طرفه الأهم، مع تصاعد لتيارات متطرفة، وتخاذل دولي في مواقف بعض عواصم صنع القرار الغربي، بينما تسير السعودية بقاطرة من تحالفات وزيارات تؤديه دول أخرى تحت عناوين عدة.
كل الملفات تمر بالرياض، أصبح ذلك مشهودا وملموسا بشفافية عالية، وإن غابت عنها بعض التفاصيل، لكن الموقف السعودي في ملفات عدة أصبح حازما، فالساحة الدولية لن تشهد إلا بصناع الإنجازات، وحماة الاستقرار في كل الأصعدة، وإن كانت العدسة الصحافية ترى بالبعد كما القرب ما شهده عام 2015 يشهد أن تركيز السعودية كان في صالح الإقليم، وخطواته السريعة تصب للمصلحة الدولية، مع الحرص على الفوائد للشعب السعودي من الأبواب كافة، مكافحة الإرهاب عنوان، تتبعها عناوين في إعادة بعض الدول للحصن العربي بعد أن كانت في أوغال التدخلات الخارجية ذات المنهج المذهبي، وصياغة نهج جديد في العلاقات الدولية الذي يتيح تكوين دوائر جديدة، وخلق فرص استثمارية على المدى البعيد.
إعادة رسم الجغرافيا السياسية
وفي تحليل سياسي، رأى أستاذ الإعلام السياسي الدكتور عبد الله العساف، أنه ينبغي الاعتراف بأننا في «زمن تحول التحالفات السياسية وإعادة رسم خريطة الجغرافيا السياسية في كامل المنطقة»، وكان هذا إدراك السياسة السعودية أن الخريطة السياسية في العالم لا تسمح بوجود الدول (المنفردة) وأن زمن التغريد منفردا قد ولّى إلى غير رجعه «على الأقل في هذه الحقبة من الزمن».
معتبرا العساف خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» أن الحل هو بالتكتلات السياسية الإقليمية والدولية، وهو ما جعل الرياض تسعى إلى ترتيب البيت الخارجي بعد انتهائها من ترتيب البيت الداخلي، وذلك من خلال النشاط الدبلوماسي النشط والزيارات التي قام بها خادم الحرمين الشريفين وولي العهد وولي ولي العهد خلال الفترة السابقة. كما أن الرياض أصبحت قبلة لزيارات متواصلة لزعماء وسياسيين من مختلف أنحاء العالم وإليها تتجه بوصلة السياسة في منطقتنا بغية تأسيس تحالفات ثنائية وإقليمية تمثل عهدا جديدا في السياسة الخارجية السعودية من خلال تنويع علاقاتها مع مختلف دول العالم في جميع الاتجاهات وتأكيدا على عدم انحياز السعودية لدولة دون سواها، ورغبة في الانفتاح السياسي على الجميع.
وقال العساف إن السعودية تقف على بعد مسافة واحدة من جميع الفرقاء وهو ما يشكل تحولا جوهريا في السياسية السعودية، أفرزته الأحداث المختلفة في العالم وفي منطقتنا العربية على وجه الخصوص، بدءا من الثورات العربية وتداعياتها السلبية على أمن واستقرار المنطقة، وظهور تنظيم داعش الإرهابي برعاية مخابرات عدد من الدول التي تسعى من خلاله لتحقيق أجندتها وأهدافها الخاصة، وقد أصبحت الرياض مستهدفة بالقسط الأكبر من جرائمه، والأحداث في سوريا واليمن وليبيا والعراق والتغول الإيراني في المنطقة.
مداواة جراح اليمن من الرياض
استجابت السعودية إلى طلب الرئيس الشرعي لليمن، عبد ربه منصور هادي، بعد سيطرة الميليشيا الحوثية وأعوانها من الموالين للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، واستطاعت الرياض بقوته الدبلوماسية من جمع تحالف كبير لدعم الشرعية والقيام بعمليات عسكرية يتيحها ميثاق الأمم المتحدة، وكان للسعودية الكلمة العليا خلال أكثر من أربعين يوما، بعد أن دمرت النسبة الكبرى من العتاد العسكري للحوثيين الذين يحظون بدعم إيراني مستمر.
في ضوء ذلك، إضافة إلى الحرب العسكرية التي تقودها السعودية ضد الحوثيين وموالي علي عبد الله صالح، كانت مهمة دبلوماسية تقودها غالبية الدول العربية على الجانب الدبلوماسي، تمخض بموافقة مجلس الأمن الدولي على المشروع العربي المقدم، وإصدار القرار 2216، وهو ما يعد غطاء قانونيا أمام المجتمع الدولي، وأيّد جهود دول الخليج ويدعم الرئيس اليمني هادي، وتنص أهم بنوده على سحب الحوثي قواته من جميع المناطق التي سيطروا عليها، والكف عن أعمال تعتبر من الصلاحيات الحصرية للحكومة اليمنية الشرعية، إضافة إلى الامتناع عن أية استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة، بما في ذلك الاستيلاء على صواريخ أرض - أرض ومخازن أسلحة تقع في مناطق محاذية للحدود أو داخل أراضي دولة مجاورة.
مؤتمر الرياض لإنقاذ اليمن
بعد قيام عملية «عاصفة الحزم» التي تقودها السعودية، لم تكن الأعمال العسكرية الداعمة للشرعية في اليمن فحسب هي الأساس في دحر الانقلابيين الحوثيين ومعاونيهم، بل كانت الأعمال السياسية ذات منحى آخر، حيث استضافت الرياض مؤتمر اليمن بمشاركة أكثر من 250 يمنيا من مختلف التيارات السياسية في مايو (أيار) الماضي، مستمدا من المبادرة الخليجية روحا لتعزيز أمن اليمن وبناء دولته الاتحادية، ورسم المؤتمر خريطة طريق نحو تنفيذ قرار مجلس الأمن 2216 وسرعة إيجاد منطقة أمنية داخل الأراضي اليمنية تكون مقرا لاستئناف نشاط مؤسسات الدولة، وكذلك دعا المؤتمر إلى «تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة لتأمين المدن اليمنية الرئيسية والإشراف على تنفيذ قرارات مجلس الأمن وضمان الانسحاب الكامل لقوى التمرد من كل المدن وتسليم الأسلحة والمؤسسات».
مشروع شراكة للقرن الـ 21 مع أميركا
لم تجدد السعودية تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة فحسب؛ بل جعلت الرياض قاطرتها السياسية متبوعة بقاطرات اقتصادية وأمنية في كل الاتجاهات، الرئيس الأميركي باراك أوباما كان أول الرؤساء الغربيين زيارة للملك سلمان بعد بضعة أيام من توليه الحكم في السعودية، وكانت واشنطن محطة أول زيارة رسمية لخادم الحرمين، ومن هناك قال الملك: «نحن نعتبر أن علاقتنا بالولايات المتحدة الأميركية مفيدة للعالم ومنطقتنا»، في إشارة من الملك سلمان كذلك إلى سعي الرياض الدائم إلى نشر الاستقرار، ومكافحة كل ما يهدد أمن العالم.
وفي الزيارة، قدّم الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد وزير الدفاع، مشروع شراكة استراتيجية جديدة للقرن الحادي والعشرين، وكيفية تطوير العلاقة بشكل كبير بين البلدين، وقدم الأمير محمد الذي يرأس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية إيجازا للرئيس الأميركي اشتمل على رؤى السعودية حيال العلاقة الاستراتيجية، وقد أصدر خادم الحرمين الشريفين وأوباما توجيهاتهما للمسؤولين في حكومتيهما بوضع الآلية المناسبة للمضي قدما في تنفيذها خلال الأشهر اللاحقة.
وتلك الزيارة الملكية سبقها لقاء تاريخي في «كامب ديفيد» بين الرئيس الأميركي وقادة دول الخليج، رأس الوفد السعودي حينها ولي العهد الأمير محمد بن نايف، وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وخلص الاجتماع الذي يأتي لطمأنة الخليجيين بعد الاتفاق النووي بين مجموعة 5+1 وإيران مؤكدا بيان القمة، أن أي اتفاق شفاف وملزم حول نووي إيران يجب أن يعزز أمن المنطقة، مؤكدا أن أميركا والخليج سيعملون معا للتصدي لأنشطة إيران التي تزعزع أمن المنطقة.
مع دول أفريقيا
جسور عدة يتعهد بناءها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في عهده الجديد الذي لم يكمل فيه العام، لكن بحجم الأحداث والتطورات فهو يحمل الكثير من المنجزات على أصعدة عدة، فمطارا الرياض وجدة، شاهدان على تتابع الزيارات الكبرى لزعماء دول عربية وإسلامية ورحلات أخرى في الإطار ذاته من حلفاء من الشرق والغرب. تبرز معها بلورة جديدة للتحالفات الثنائية أو الجمعية، بين الرياض وعواصم أفريقية عدة، فالمملكة أخذت على عاتقها في هذا العهد تنشيط العلاقات مع تلك الدول ليس فقط على الصعيد العربي بل الإسلامي وما يحيط به، وتلك الدول في مجملها عانت من استقطابات مختلفة جعلتها في شباك تحديات أكبر منها وخلقت في مواقعها توترات حادة.
ومنذ أشهر، اتضحت الجهود السعودية الحثيثة نحو دول القرن الأفريقي وبعض أواسط أفريقيا، فزار السعودية خلال الأشهر الماضية ثمانية زعماء أفارقة حملت زيارات بعضهم توقيع اتفاقيات عدة لمشروعات بين البلدين، بغية تحقيق التكامل وبناء تحالفات على أوجه متنوعة، من الغابون إلى النيجر ومن ثم موريتانيا وحتى دول القرن الأفريقي إثيوبيا وجيبوتي وإريتريا والصومال ووصولا إلى السودان، وليس آخرها حتما جمهورية القمر.
وكان لافتا في مسعى السعودية تأمين انتصاراتها في اليمن بعد دعم الشرعية اليمنية والرئيس عبد ربه منصور هادي، عبر دول البحر الأحمر ذات الأهمية الاستراتيجية من شماله إلى جنوبه، خاصة في دول المثلث المطلة على مضيق باب المندب الذي يعد أهم الممرات المائية التي تمر بها التجارة العالمية بأكثر من 7 في المائة جلها من الناقلات النفطية الرابطة بين الشرق والغرب.
ولعل زيارة الرئيس السوداني عمر البشير، التي أداها أول من أمس إلى العاصمة الرياض والتقى خلالها الملك سلمان وأركان الحكم السعودي، أبرز تلك الزيارات الأفريقية، بعد أن سجلت السودان حضورها الكبير بعد أن تخلصت من أعباء محاولات النظام الإيراني النفوذ إلى السودان وإيجاد مقر لها على البحر الأحمر وداخل أفريقيا.
فتمخضت زيارة البشير عن توقيع أربع اتفاقيات تصب في مصلحة البلدين، لمعالجة العجز الكهربائي، واتفاق إطاري بشأن الإسهام في خطة إزالة العطش في الريف السوداني وسقيا الماء للفترة من 2015 إلى 2020، واتفاق بشأن تمويل ثلاثة مشاريع لإنشاء السدود، واتفاقية تتعلق بالشراكة في الاستثمار الزراعي بين وزارة الزراعة في السعودية ووزارة الموارد المائية والكهرباء في السودان.
وقال أستاذ العلاقات الدولية الدكتور حمزة القادري، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، إن الرياض تحركت وفقا للظروف المحيطة بالمنطقة نحو مجالات مميزة وكان لافتا في الحكم الجديد أنها تسعى إلى تشكيل تحالفات جديدة في ضوء تغير في خريطة العالم الجديد، وهي تسعى في المقام الأول إلى حماية أمنها الاستراتيجي وجذب القوى الاستثمارية إليها.
وأضاف أن التحديات في ضوء تقلبات وتبدل في المنظومة العالمية اليوم، لم تجعل السعودية في خندقها بل بادرت إلى قيادة العالم العربي بشكل كبير ومؤثر كما هو موقف الرياض الدائم، وسعت إلى الحفاظ على عروبة الدول وحمتها من التدخلات التي تنتهجها بعض الدول كرد فعل على مواقف دولية أو سياق أحداث هي اليوم تاريخية في المفهوم الدولي.
من الرياض إلى القاهرة.. وحدة عربية
في عهد الملك سلمان، تعيش العلاقات السعودية المصرية، وهجا بالتقارب والوحدة في المواقف بإعلان القاهرة التاريخي، ورسم بعض الخطط التنفيذية وفقا للاستراتيجية المتفق عليها التي حملتها ورش العمل المتعددة والاجتماعات المتواصلة بين العاصمتين العربيتين البارزتين، فكان عام 2015 ذا مرحلة تاريخية عصفت بكل التحليلات التي أخذت بعدا آيديولوجيا في تفسير العلاقة بين السعودية ومصر. في الآتي تلخيص زمني لأبرز المراحل في ضوء العلاقات السعودية - المصرية في الوقت الحالي.
وشهد خادم الحرمين الشريفين، والرئيس عبد الفتاح السيسي، توقيع محضر إنشاء مجلس تنسيق سعودي - مصري، لتنفيذ إعلان القاهرة، والملحق التنفيذي المرافق للمحضر، ووقعه عن الجانب السعودي وزير الخارجية عادل الجبير، وعن الجانب المصري وزير الخارجية سامح شكري.
والمحضر الذي جرى توقيعه في الرياض، يأتي كخطوة بعد اجتماع الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد وزير الدفاع، بالرئيس المصري في يوليو (تموز) الماضي بالقاهرة، وتمخض عنه «إعلان القاهرة» الساعي عبر بنود ستة إلى تطوير التعاون العسكري والعمل على إنشاء القوة العربية المشتركة، وتعزيز التعاون المشترك والاستثمارات في مجالات الطاقة والربط الكهربائي والنقل، وتحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين والعمل على جعلهما محورا رئيسيا في حركة التجارة العالمية، وكذلك تعيين الحدود البحرية، وتكثيف الاستثمارات المتبادلة السعودية والمصرية بهدف تدشين مشروعات مشتركة، وتكثيف التعاون السياسي والثقافي والإعلامي بين البلدين لتحقيق الأهداف المرجوة في ضوء المصلحة المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين، ومواجهة التحديات والأخطار وبارك حينها الملك سلمان خلال اتصال هاتفي بالرئيس المصري، عقب ساعات من «إعلان القاهرة»، أن العلاقة بين البلدين «استراتيجية وتكاملية»، قائلا إن الإعلان يحمل «مضامين عليا ومهمة للأمتين الإسلامية والعربية».
وقال الدكتور عبد الله العساف، إن الرياض والقاهرة هما قطبا الرحى في العلاقات والتفاعلات في النظام الإقليمي العربي وعليهما يقع العبء الأكبر في تحقيق التضامن العربي والوصول إلى الأهداف الخيرة المنشودة التي تتطلع إليها الشعوب العربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي.
والدعم السعودي لمصر بدأ مع تأسيس السعودية، فقد حرص الملك المؤسس عبد العزيز، رحمه الله، على إيجاد علاقة قوية مع مصر فلا ننس مقولته الشهيرة «لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب»، وأثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وقفت السعودية بكل ثقلها إلى جانب مصر في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وعقب العدوان الإسرائيلي على الدول العربية مصر وسوريا والأردن عام 1967، توجه المغفور له الملك فيصل بنداء إلى الزعماء العرب بضرورة الوقوف إلى جانب الدول الشقيقة المعتدى عليها وتخصيص مبالغ كبيرة لتمكينها من الصمود. واستمرت المساندة السعودية لمصر حتى حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 حيث ساهمت السعودية في الكثير من النفقات التي تحملتها مصر قبل الحرب.
مؤتمر المعارضة السورية.. توحيد الصفوف
وفّرت السعودية للمعارضة السورية فرصة صياغة المستقبل في بلادها، لتوحيد الصف بعد تشظٍ كبير في أجنحة المعارضة المعتدلة، التي كانت طوال أعوام سابقة منذ بدء الأزمة السورية في العمل عبر جبهات عدة، دون تنسيق مشترك، وشاركت الرياض في «مؤتمر فينا» ومنه بدأت في لم شمل المعارضة، للخروج بنقاط كان أبرزها وحدة سوريا، ورحيل بشار الأسد، والتأكيد على خروج القوات الأجنبية في سوريا، وشكل اجتماع المعارضة في الرياض، صياغة الموقف الموحد قبل عقد مباحثات بين النظام والمعارضة السوريتين بحلول الأول من يناير (كانون الثاني) المقبل.
وقال المحلل السوري سامي قواص إن المواقف السعودية الصادقة حفزت الأطراف السورية المعارضة على القدوم إلى الرياض، لتوحيد صف المعارضة وضمان ثقل الدبلوماسية السعودية عالميا، في إنجاح الاجتماع وكذلك الاجتماع المقبل في يناير مطلع عام 2016.
وأكد أن السعودية تقوم بمهمة كبيرة في الاجتماع، من خلال ضمان عدم التدخل بين السوريين، وهذا ما جعل الحضور يتوازن بين القوى السياسية والقوى العسكرية المعتدلة الفاعلة على الأرض، مضيفا كذلك علة أن موقف الرياض لن يقف حتى الاجتماع، بل هي ملتزمة في مواقفها مع الشعب السوري والمعارضة التي تمثله، وستعمل لاحقا على تحقيق النجاح في المستقبل السوري الذي لن يحظى فيه الأسد بأي حضور.
تمتين العلاقات مع باريس وموسكو
توجت السعودية حراكها الدبلوماسي باتفاقيات اقتصادية كثيرة، بعد دعوات عدة من دول ذات فاعلية في الملفات الإقليمية، ومن ضمنها روسيا، التي زارها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في يونيو (حزيران) الماضي، نتج عنها توقيع 6 اتفاقيات استراتيجية، على رأسها اتفاقية تعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وتفعيل اللجنة المشتركة للتعاون العسكري والتعاون في مجال الفضاء، إضافة إلى اتفاقيات تعاون في مجال الإسكان والطاقة والفرص الاستثمارية، فيما يظل تطوير العلاقات ذا فاعلية ستشهدها الأيام القادمة.
وفرنسا، التي تمثل قوة كبرى في الاتحاد الأوروبي، كانت محطة لنقل التحالف بين البلدين إلى مستوى الشراكة، بعد توقيع 10 اتفاقيات مشتركة بين البلدين، من ضمنها تأسيس صندوق سعودي للاستثمار في فرنسا، وهذه الخطوات المشتركة تأتي بعد تطابق كبير في ضوء الخرائط الدبلوماسية الشاملة بين البلدين.
وأشاد الدكتور حمزة القادري بالموقف السعودي الذي منحه تعددية في الأقطاب السياسية، خاصة في ضوء العلاقة المميزة بين السعودي وفرنسا ذات الحضور المؤثر في الاتحاد الأوروبي، وأصبحت اليوم الرياض تزاحم وتؤثر في القرار الدولي فهي عضو فعال في مجموعة الدول العشرين الكبرى، وبين الرياض وباريس اليوم الكثير من الملفات السياسية والاقتصادية التي تقلق بلا شك الإدارة الأميركية، لكنها رسالة مميزة أن البلدين يسعيان إلى تمتين العلاقة، في ضوء الكثير من التحديات المستقبلية، وما يشهده الشرق الأوسط من تقلبات، مضيفا أن ذلك التقارب سيسهم في تقدم في ملفات مهمة للجانبين خاصة الملف اللبناني، إذ إن السعودية تقوم بعمل كبير في ضوء تسليح الجيش اللبناني لمواجهة ميليشيات تهدد أمنه، كذلك السعي الكبير إلى تحقيق انتخاب رئيس جديد للبنان بعد أكثر من عام ونصف من الفراغ الرئاسي.
قمة الدول العربية وأميركا اللاتينية.. فلسطين القضية الجوهرية
عكس التمثيل العالي في قمة الدول العربية ودول أميركا الجنوبية الرابعة التي عقدت في الرياض نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قوة السعودية في تحقيق العمل على دعم الدول العربية وكذلك صياغة التحالفات مع التكتلات الإقليمية التي تتقاطع في مواقفها مع كثير من المواقف العربية الشاملة.
ومع استضافة الرياض لقمة العرب واللاتينيين، كانت الرؤى مختلفة حول أن تخرج القمة بمواقف متطابقة بين أكثر من 34 دولة، مما عزز حضور الرياض وفتح مجالات الترقب للأدوار السعودية الجديدة، وسيسهم في جعل السعودية المرجع الأول في تحديد شكل التحالفات وكذلك ستكون الورقة الأهم في الأمن الاستراتيجي بالمنطقة.
القمة الكبرى لم تحمل تحفظا على أي بند من بنود «إعلان الرياض» بل كان داعما لقضايا عربية جوهرية، ومنها فلسطين، حيث أكد المجتمعون على «ضرورة تحقيق السلام العادل والشامل للقضية الفلسطينية، وفقا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، الرامية لإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية على حدود سنة 1967». كذلك ضرورة التوصل إلى «حل سلمي» للأزمة السورية، وفق «بيان جنيف1»، و«مؤتمر فينا».
رئاسة الدورة 36 للقمة الخليجية
أنهت السعودية عامها في سجل الامتياز، برئاسة الدورة القادمة لعام 2016، بعد أن خرجت قمة الرياض التي حضرها قادة الخليج، على السعي إلى مكافحة الإرهاب، ومواصلة العمل على تحقيق الحلول السياسية في كل الأقطار العربية المضطربة، وعلى رأسها سوريا واليمن، كذلك الدعوة إلى مؤتمر لإعادة إعمار اليمن، وعن إيران جدد المجلس دعوته للجمهورية باحترام سيادة الدول ومبدأ حسن الجوار، وسيكون في قائمة السعودية للعام 2016 الكثير من العمل، مع تجدد الأزمات والتحديات.
قيادة العالم الإسلامي لمحاربة الإرهاب
قبل أن ينتهي هذا العام، وتحديدا في منتصف ديسمبر (كانون الأول)، أعلنت السعودية عن تشكيل تحالف إسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب، وذلك بمشاركة 35 دولة إسلامية.
وأعلن ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أنه يتم إنشاء غرفة عمليات للتحالف في الرياض لتنسيق ودعم الجهود لمحاربة الإرهاب في جميع أقطار وأنحاء العالم الإسلامي، مشيرا إلى أن كل دولة ستساهم بحسب قدراتها.
وبين الأمير محمد بن سلمان أنه سيتم تنسيق الجهود بين الدول الإسلامية من خلال هذه الغرفة لتتطور الأساليب والجهود حتى يمكن محاربة الإرهاب في جميع أنحاء العالم الإسلامي.