بآلات نحاسية ضخمة تجدهم يقدمون أروع الأغاني الطربية بإيقاع وأنغام تبعث على البهجة والمرح، يلتف حولهم كل من يستمع لمعزوفاتهم وأنغامهم الرشيقة التي تتسرب بنعومة للآذان ثم الوجدان؛ إنها فرقة «النفيخة» الموسيقية المصرية، التي أعادت تلك الآلات الموسيقية للمشهد الموسيقي في مصر بعد أن هجرها الملحنون والموزعون، واختفى صوتها من معظم الأغاني العربية الحديثة، بتواري ﻓﺮﻗﺔ «حسب الله» الفلكلورية المصرية عن تقديم العروض.
تقدم «النفيخة» ألحان بليغ حمدي والسنباطي، وكلاسيكيات الأغاني العربية لسيد درويش ولأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، ومحمد فوزي، وعبد الحليم حافظ، وفيروز، ووصولا لأحمد عدوية وشعبان عبد الرحيم «شعبولا»، بأنغام عريضة تعطي فخامة للألحان الشعبية الراقصة.
تتكون فرقة «النفيخة» من 4 عازفين مصريين وعازف ياباني، هم: محمد سواح ووليد جبر على آلة «الترومبيت»، وأمير إبراهيم وأحمد إسماعيل على آلة «الترومبون»، والياباني مساكي أوكاجيما على آلة «باص توبا» من أوركسترا القاهرة السيمفوني، إلى جانب خالد السايس على الـ«بركشن»، وسامح شعبان على الـ«درامز»، وجميع العازفين خريجي معهد الكونسرفتوار بالقاهرة، وهم عازفون مرموقون في الأوبرا المصرية.
التقت «الشرق الأوسط» الفرقة في أعقاب إحيائها حفلا ناجحا بأحد المراكز التجارية بالإسكندرية، بمناسبة احتفالات الكريسماس. يقول محمد سواح، عازف الترومبيت والمؤلف الموسيقي لفرقة «النفيخة»، لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت الفرقة منذ عام 2014. قمنا بكتابة الموسيقى وتوزيعها، وكان أول حفل لنا في مهرجان (البهجة) بالإسكندرية، بعرض اسمه (100 سنة مزيكا من مصر). يبدأ العرض ونحن نرتدي ملابس من عصر سيد درويش، نقدم مقطوعات من أشهر ألحانه، ثم عصر عبد الوهاب، ثم أحمد عدوية، وينتهي بـ(شعبولا)، ووجدنا تفاعلا غير متوقع من الجمهور، وبعدها توالت الحفلات».
وعن الاختلاف بينهم وبين فرقة «حسب الله» التراثية، يقول: «الفارق أننا نستخدم فقط الآلات النفخية النحاسية لكنهم يستخدمون الآلات النفخية الخشبية، كالفلوت والترومبيت». ويشرح السواح هدف الفرقة: «فكرنا في أن نقدم موسيقانا العربية التراثية لنقترب من المواطن العادي، لذا اخترنا اسم (النفيخة) المأخوذ عن الآلات النفخية لكي يتعرف الجمهور على تلك الآلات».
أعضاء الفرقة من العازفين المحترفين يعزفون على تلك الآلات منذ 24 سنة، ويشاركون مع كبار المطربين في حفلاتهم، ويقدمون أعمال «ديو» مع فرق موسيقية شبابية (الأندرغراوند)، ويقدمون الموسيقى الغربية والعربية، لكنهم تركوا العنان لجنونهم الفني لتقديم أداء واستعراضات فنية؛ حيث تعتمد عروض فرقة النفيخة على الحنين للألحان الموسيقية المصرية ﻭﻟﻐﺔ الجسد وﺍﻟملابس ﻭﺍلمؤثرات البصرية ﻭﺍﻟﺴﻤﻌﻴﺔ وإطلاق النكات والقفشات مع الجمهور في بعض الأحيان.
تتحمس الفرقة الشبابية للنزول للجمهور في محاولة توصيل الفن الجميل الراقي مجانا للمواطن العادي في أماكن وجوده، وحول تلك الفكرة يقول السواح: «بما أننا عازفون لآلات نحاسية لا تحتاج إلى كهرباء ولا تقيدنا في الحركة فإننا نحاول أن نذهب للجمهور الذي لا يذهب للحفلات الموسيقية، ونوصل له أن الموسيقى تتطور بتطور الزمن، حتى دون أن يكون الجمهور متخصصا في الموسيقى سوف يتفهم تاريخ الموسيقى المصرية». ويشير: «لاحظنا حب وتفاعل الأطفال مع موسيقى أغنيات أم كلثوم وعبد الوهاب، وكان ذلك أمرا مثيرا». ويضيف: «من الرائع وجود دعم من رجال الأعمال لتقديم الفن للجمهور والارتقاء بالذوق العام، وهو ما يحتاجه الفنان بشكل عام لأن الدعاية أمر مكلف جدا، ولا بد من وجودها بجانب (السوشيال ميديا) والإذاعة والتلفزيون».
ويتطلب العزف على الآلات النحاسية عازفين مدربين على تمارين النفس وحركات الشفاه، مع تمرين جيد على الآلات لتمرين عضلات البطن أثناء حركة «النفخ»، وهو الأمر الذي يتطلب من العازف التدريب لمدة ساعة أو ساعتين يوميا «تمارين إحماء» لكي يتمكن من العزف دون أن يعاني من الإجهاد أو الإرهاق أو تمزق في تلك العضلات.
وعن تقديمهم لأغاني «شعبولا» مع أغاني عمالقة الطرب الشرقي والمصري، يقول السواح «نحاول إعطاء الجمهور فكرة عن مدى التنوع الموسيقي الشرقي والمصري وثرائه حتى في تلك الأغاني الشعبية، فهناك ألحان مميزة تطرب لها الأذن». ويشير إلى أن «الفرقة تسعى في المرحلة المقبلة إلى تأليف وكتابة مقطوعات خاصة بها وتقديم موسيقاها الخاصة بهذه الآلاﺕ ﻓﻲ محاولة لإضفاء التجديد على الموسيقى المصرية».
وتهتم ﺍﻟﻔﺮﻗﺔ موسيقيا بتطوير الكتابة الموسيقية للآلات النحاسية بصفة خاصة، ﻭإﻋﺎﺩﺓ توزيع بعض المقطوعات الشرقية والتراثية توزيعا موسيقيا جديدا مناسبا لهذه الآلات النحاسية، على الرغم من صعوبة عزف المقامات العربية بتلك الآلات الغربية. وفضلا عن ذلك، فلدى الفرقة سعي لتقديم مسرح غنائي يضاهي ما تقدمه المسارح العالمية، حيث تهتم ﺍﻟﻔﺮﻗﺔ بعرض فكرة مرئية خلال ﺍﻟﻌﺮﺽ الموسيقي معتمدة على العزف ﻭحركة ﺍﻟﺠسد الأدائية معا.
وعن مستقبل تطوير الموسيقى الذي تتبناه «النفيخة»، يقول: «نستعد خلال الفترة المقبلة لتقديم عروض شهرية في مسارح مختلفة بجانب حفلات الجمهور العادي، ونتمنى أن نقدم حفلا مشتركا مع الفنان الكبير محمد منير لأنه يقدر ويحترم الفن ويبحث عن كل ما هو جديد وله قيمة».
ويعلن: «خلال الشهر المقبل سنقدم استعراضا موسيقيا ضخما له سيناريو يعرض تاريخ الموسيقى المصرية بالشخصيات والملابس التاريخية، باستخدام الإضاءة وتقنية ثلاثية الأبعاد 3D، وتقنية الهولوغرام، حيث سيجد الجمهور عبد الوهاب يخرج على المسرح بين أعضاء الفرقة، ونحرص على أن يكون مستوى العرض لا يقل عن حفلات (ديزني)، لكن لم يحدد بعد مكان الحفل، وسوف نقوم بتسجيله وطرحه في أول ألبوم لنا الذي سيضم 12 مقطوعة».
فرقة «النفيخة».. تطوع الآلات النحاسية لتقديم الألحان المصرية الشعبية
تحيي تاريخ الموسيقى من «سيد درويش» إلى «شعبولا» بشكل جديد
فرقة «النفيخة».. تطوع الآلات النحاسية لتقديم الألحان المصرية الشعبية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة