ما وراء العلم الأسود: تجنيد قاتل داعشي

مبتور الساقين ومعسول الكلام في صحبة كورس من المنشدين.. وترتيله الظلامي دليل واعتراف

القيادي الداعشي حسن عبود (يسار) مع أبو أيمن (نيويورك تايمز)
القيادي الداعشي حسن عبود (يسار) مع أبو أيمن (نيويورك تايمز)
TT

ما وراء العلم الأسود: تجنيد قاتل داعشي

القيادي الداعشي حسن عبود (يسار) مع أبو أيمن (نيويورك تايمز)
القيادي الداعشي حسن عبود (يسار) مع أبو أيمن (نيويورك تايمز)

كشفت الأناشيد الحماسية التي أداها حسن عبود عن الحقد داخل كلماته، فقد غنى «أوه دراجي.. دولتنا قدمت لنا الذخيرة وأرسلتنا لاغتيالك».
يقصد بهذه الدولة تنظيم داعش الإرهابي الذي يسيطر على مساحات شاسعة من سوريا والعراق، ونشر العنف مؤخرا في أنقرة وبيروت وباريس وسان برناردينو بولاية كاليفورنيا. ويعد عبود – وهو رجل معسول الكلام، مبتور الأطراف، يُحمل أحيانا لحضور اجتماعات زملائه المسلحين – قائدا في تنظيم داعش، يدير أيضًا شبكة من القتلة المحترفين، بمن فيهم هؤلاء الذين قتلوا دراجي، أحد مرؤوسيه السابقين، بالرصاص واللهب.
وانتشرت تسجيلاته الغنائية بين زملائه السابقين خلال هذا العام. وعمل ترتيله الظلامي التعنيفي بمثابة دليل واعتراف. كان عبود – الذي انشق عن المتمردين السوريين للانضمام إلى التنظيم الإرهابي في عام 2014 – قد اعترف بتنفيذه عمليات قتل سابقة بحق أصدقائه السابقين التي ظلت دون حل.
وقال عبود: «اقتلعنا رأس أديب عباس»، ومضى يقول، عن تفجير نائب سابق له وهو يقود دراجة نارية إثر انفجار قنبلة مزروعة على جانب الطريق: «سكبنا دماءه القذرة». وتوعد حينها بقتل المزيد، مع هتاف مجموعة من المنشدين بكورس لهؤلاء القتلى، حيث قال: «سنقوم بتصفية كل خائن».
ومنذ بروزه كتهديد دولي، حاول «داعش» تمجيد أعضائه، واصفا إياهم بالمحاربين العظماء، الذين رفعوا الأسلحة لحماية إخوانهم السنة، ولخدمة مفهومهم عن الله. لكن رحلة عبود، وتجنيده لصالح «داعش»، التي تضمنت دفع نقود تبتعد عن النصوص التي تشدد على التقوى أو الدفاع المدني.
وتسببت وقائع كونه مقاتلا سريا في تشويه وتلف معركته الطويلة، وتشير سيرته الذاتية – التي تزخر بالتنافس والتناحر بين الأشقاء – إلى أنه قائد إسلامي ثبتت جدارته وشعبيته ذات مرة اتسمت تصرفاته بأنها أشد عنفا وانتقاما أثناء انتقاله إلى مدار تنظيم داعش.
تخلى عبود، بحسب ما يقوله جيرانه وزملاؤه السابقون، عن الدفاع عن مسقط رأسه من أجل الحصول على المال والسلطة والترخيص لمزيد من الشراسة التي انطوت على انضمامه إلى «داعش». ولم يمثل طريقه ما تعرضه طواحين دعاية المتشددين، وإنما حكاية مافيا شرق أوسطية تقابل الآثار المفسدة للحرب.
تشكلت الرحلة من الكوادر المتطرفة إلى شخصية سرية مرعبة بواسطة كثير من القوى. ويشمل ذلك الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، وقمع الحكومات واسع النطاق بحق السكان المسلمين السنة في دمشق وبغداد. وغذى هذا القتل العشوائي للمدنيين من قبل قوات الأمن السورية منذ عام 2011، ومن ثم وجهها التآمر المريض للتنظيم المتطرف، الذي كان ممزقا ذات مرة، وأحيى نفسه لحجب تنظيم القاعدة.
وفي نهاية المطاف، يقدم تودد «داعش» له نظرة مفصلة على نحو غير عادي حول كيفية اختيار التنظيم قادته من المنطقة التي أنتجت عددا لا يحصى من المسلحين منذ عام 2003. ويسيطر هؤلاء القادة المختارين – الذين أغرتهم الهدايا وهيبة «داعش» القاتمة – على الأراضي التي يحتاج إليها التنظيم لإعلان خلافته المزعومة.
والتقى مراسلو صحيفة «نيويورك تايمز» عبود في سوريا عام 2013، أثناء قيادته الحصار حول مواقع الجيش المعزولة التي كانت تقصف السكان المدنيين في المناطق المجاورة، وفي نهاية المطاف فاز عبود هو وعدة مئات من المتمردين الذين يخضعون لقيادته – المعروفين باسم لواء داود – في هذه المعركة.
تعرضت بلدة سرمين، التابعة لمحافظة إدلب، التي يوجد بها مقر لواء عبود، نفسها للقصف المتكرر، وكان عبود يتحرك ويقبل الاجتماعات بحذر أكبر من عدة قادة متمردين آخرين.
وجرى الترتيب لمقابلته مع صهر زعيمه، إذ إن مؤيدي عبود كانوا ينتظرون في الطابق السفلي من المسجد خلال فترة بعد الظهيرة قبل أن يقودوا المجموعة إلى مبنى مهجور في بلدة خالية جزئيا وممزقة بفعل الحرب.
دخل عبود عليهم من الخارج بواسطة هؤلاء الذين يحملونه، فقد خسر مقاتلون في المعركة التي جرت في اليوم السابق، ويبدو أنه يشعر بالضجر ويشك في الضيوف. كان سرواله الرمادي مطويا لإخفاء جذعي ساقيه أثناء جلوسه على وسادة. بدأ المحادثة بصوت هادئ، مهددا بقتل الصحافيين إن كانوا يخدعونه. وتحدث أبو أيمن – صانع قنابل ساعد في حمله إلى داخل الغرفة – أكثر من عبود، الذي اختار كلماته بعناية، حتى عند تكرار الكلمات الإسلامية التي يتلفظ بها.
واشتكى عبود من أنشطة كثير من المتمردين العلمانيين، واصفا إياهم بالانتهازيين والمنتفعين، قائلا: «هناك ألوية الجيش السوري الحر، تحصل على الأسلحة وتبيعها من أجل التجارة». وأكد عبود – متحدثا بهدوء مرة أخرى – على أن سوريا سقطت في حرب طائفية بواسطة إيران وأتباعها، بما في ذلك الحكومة السورية وجماعة حزب الله. وأضاف: «تسعى إيران لإعادة تأسيس الإمبراطورية الفارسية للسيطرة على الشرق الأوسط كله».
وعقب المحادثة مباشرة، حُمِل عبود بسرعة ووُضِع في سيارة دفع رباعي موحلة وانطلقت مسرعا.
وعاد مراسلو «نيويورك تايمز» إلى الحدود التركية – السورية بعد انشقاقه لإجراء مقابلة مع هؤلاء الذين عملوا معه عن كثب.
وحاليا، يعيش عبود، وهو في منتصف الثلاثينات من عمره، في منفى عن بلدة سرمين، التي عاش فيها معظم حياته الراشدة. ويقول زملاء الماضي إنه الآن إما ولي وإما أمير لدى «داعش»، وهما لقبان يدلان على السلطة أو القوة العسكرية التي يمنحها «داعش» لحكامه والرتب العسكرية المتوسطة.
* خدمة «نيويورك تايمز»



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.