فرنسا: الحرب على «داعش» ستشمل ليبيا في المستقبل

باريس لن تقبل تدخلاً دون حكومة وحدة وطنية وقرار من مجلس الأمن

فرنسا: الحرب على «داعش» ستشمل ليبيا في المستقبل
TT

فرنسا: الحرب على «داعش» ستشمل ليبيا في المستقبل

فرنسا: الحرب على «داعش» ستشمل ليبيا في المستقبل

أكد رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أمس وجوب «محاربة وسحق» تنظيم داعش الإرهابي «في سوريا والعراق وغدا على الأرجح في ليبيا»، حيث قام الطيران الفرنسي الشهر الماضي بطلعات استكشافية. واستبق رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس الاجتماع الدولي الذي تستضيفه روما غدا حول ليبيا، للتأكيد على الحاجة لمقاتلة تنظيم داعش في ليبيا نفسها، فيما الجهود الدولية منصبة على دفع الأطراف الليبية للتفاهم فيما بينها على تشكيل حكومة اتحاد وطني من الأطراف المتنافسة.
ويستشف من كلام فالس أن باريس ليست كثيرة التفاؤل بقدرة الأطراف الليبية في حال توصلت إلى طي خلافاتها السياسية ووضعت حدا لانقسام الحاصل في البلاد منذ انهيار نظام العقيد القذافي، على التغلب على «داعش» ودحر الإرهاب وإعادة السيطرة على الحدود. وباختصار، ممارسة الصلاحيات التقليدية العائدة للدولة. وليست هذه المرة الأولى التي يبدي فيها فالس قلقه من تطور الأوضاع في ليبيا حيث سيطرت «داعش» على جزء من الشاطئ الليبي المتوسطي وبسطت هيمنتها على مدينة سرت، التي هي مسقط رأس العقيد القذافي. ويحاول «داعش» الانطلاق منها للسيطرة على المثلث النفطي الساحلي.
وفي حديث صباحي لإذاعة «فرانس إنتر» أمس، أعلن فالس أن فرنسا «في حالة حرب ولدينا عدو اسمه (داعش)، ويتعين علينا أن نحاربه ونسحقه في سوريا والعراق وغدا في ليبيا من غير أدنى شك»، مذكرا بأن العاصمة الفرنسية كانت ضحية عمليات إرهابية متزامنة ليل 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي تبناها «داعش» وأوقعت 130 قتيلا و350 جريحا. وفيما أشار رئيس الحكومة إلى أن «مئات وربما الآلاف» من الفرنسيين أو المقيمين على الأراضي الفرنسية اعتنقوا التطرف، فقد عبر عن قناعته بأن «التهديد الإرهابي ما زال ماثلا» في فرنسا، حيث تتخوف السلطات والأجهزة الأمنية من عودة الشبان الذي توجهوا إلى ميادين المعارك في العراق وسوريا، «كما هي حال أكثرية الذين ارتكبوا الأعمال الإرهابية الشهر الماضي»، أو من «الخلايا النائمة»، وكذلك مما يسمى «الذئاب المنفردة»، غير المرتبطة عضويا بتنظيمات إرهابية.
في بداية الشهر الحالي، رأى فالس أن ليبيا «ستكون بلا أدنى شك الملف (الذي تتعين معالجته) في الأشهر القادمة». وسبب القلق الفرنسي لا يتناول فقط الخوف على التراب الوطني الفرنسي بل أيضا على استقرار بلدان المغرب العربي وعلى رأسها تونس وعلى أمن بلدان الساحل. ومنذ ما قبل عمليات باريس، عمدت فرنسا إلى تأهيل قاعدة عسكرية على الحدود الشمالية للنيجر، قريبا من الحدود الليبية ليكون لها عين تراقب ما يحصل من عمليات تهريب سلاح ومخدرات وتنقل متشددين في المثلث الليبي - المالي - النيجيري مع امتداداته باتجاه الحدود الجزائرية. وينتاب باريس القلق من تسرب «داعش» باتجاه الجنوب وإقامة التواصل مع بوكو حرام الناشطة خصوصا في نيجيريا.
من جانبه، حذر وزير الدفاع جان إيف لو دريان من توجه مقاتلي «داعش» من سوريا والعراق إلى ليبيا، مشيرا، بداية هذا الأسبوع، إلى «تدفق متشددين أجانب يتكاثر عددهم يوما بعد يوم»، إلى سرت بسبب الضغوط العسكرية المتزايدة التي تمارسها قوات التحالف الدولي والطيران الروسي ضد «داعش». بيد أن وزير الدفاع، وبعكس ما توحي به كلمات رئيس الحكومة، استبعد تدخلا عسكريا فرنسيا في هذا البلد، راميا المسؤولية على الجانب الليبي الذي دعا أفرقاءه إلى «التوافق» فيما بينهم.
خلال إبحارها من مرفأ طولون على الشاطئ المتوسطي إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، انطلقت طائرتا رافال من حاملة الطائرات شارل ديغول للقيام بطلعات استطلاعية فوق الشاطئ الليبي. وبحسب بيان صدر عن قصر الإليزيه، فإن باريس تخطط لعمليات إضافية من هذا النوع.
بيد أن الأوساط الفرنسية تستبعد أن تقوم فرنسا بعمليات عسكرية منفردة في ليبيا، وهي تربط مشاركتها في أي جهد بثلاثة شروط: الأول، أن تقوم حكومة اتحاد وطني في ليبيا، بحيث لا يظهر التدخل لصالح هذا المعسكر أو ذاك. والثاني، أن يتم التدخل تحت سقف الشرعية الدولية، أي بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي يتيح ذلك، والثالث أن يكون التدخل في إطار عمل جماعي. وحتى الآن، إيطاليا وهي البلد المستعمر السابق لليبيا، عبرت وحدها عن استعدادها لقيادة عملية عسكرية لم تبد حتى اليوم بشائرها. وجدير بالذكر أن الخوف الغربي «وتحديدا الأوروبي» من ليبيا يتمثل من جانب في تدفق آلاف المهاجرين القادمين من أفريقيا السوداء أو من بلدان الساحل إلى أوروبا «وخصوصا إيطاليا» عبر الشواطئ الليبية، والثاني الخوف من تسلل إرهابيين بين المهاجرين أو اللاجئين.
حتى الآن، حصل الغربيون «وعلى رأسهم الأوروبيون»، على حق ملاحقة مهربي المهاجرين وتدمير سفنهم وزوارقهم وتوقيفهم، ولكن في المياه الدولية، ما يعني أن القرار الخاص بذلك الصادر عن مجلس الأمن لا يتيح للغربيين دخول المياه الإقليمية الليبية. لكن الأميركيين والفرنسيين لم يترددوا في التحليق في السماء الليبية، كما فعلت باريس، أو القيام بعمليات خاصة «كما فعل الأميركيون». وكلا الطرفين لعب دورا مهما في العمليات العسكرية التي أطاحت بنظام القذافي عام 2011. لكن الوضع تغير اليوم. وفيما يخص فرنسا الضالعة في عمليات عسكرية على أكثر من جبهة. سيكون من الصعب عليها أن تقوم بدور عسكري ريادي، والأرجح أنها سترغب في الوصول إلى صيغة تضم الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية المعنية، وربما بعض الدول العربية من الجوار الليبي. ولكن دون ذلك عقبات كثيرة، ما يعني أن تدخلا عسكريا لن يرى النور «في حال حصوله» قبل عدة أشهر على الأقل.



بايرو يحقق نصف حلمه بتسميته رئيساً للحكومة الفرنسية

رئيس الحكومة الجديد فرنسوا بايرو (يمين) ورئيس الحكومة المغادر ميشال بارنييه بعد عملية التسلم والتسليم مساء الجمعة (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة الجديد فرنسوا بايرو (يمين) ورئيس الحكومة المغادر ميشال بارنييه بعد عملية التسلم والتسليم مساء الجمعة (أ.ف.ب)
TT

بايرو يحقق نصف حلمه بتسميته رئيساً للحكومة الفرنسية

رئيس الحكومة الجديد فرنسوا بايرو (يمين) ورئيس الحكومة المغادر ميشال بارنييه بعد عملية التسلم والتسليم مساء الجمعة (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة الجديد فرنسوا بايرو (يمين) ورئيس الحكومة المغادر ميشال بارنييه بعد عملية التسلم والتسليم مساء الجمعة (أ.ف.ب)

يدين إيمانويل ماكرون بالكثير لفرنسوا بايرو، السياسي المخضرم البالغ من العمر 73 عاماً، الذي اختاره أخيراً وبعد تردد شغل الإعلام والمعلقين طوال الأسبوع الماضي، لتشكيل الحكومة الجديدة. فمن دون بايرو ما كان ماكرون ليصبح في عام 2017 رئيساً للجمهورية. فقط دعم بايرو المتمترس دوماً وسط الخريطة السياسية؛ أي قريباً من تموضع ماكرون صاحب نظرية تخطي الأحزاب والعمل مع اليمين واليسار في وقت واحد؛ سمح للرئيس الحالي بأن يحقق قفزة من سبع نقاط في استطلاعات الرأي، وأن يتأهل للجولة الثانية (الحاسمة) ويفوز بها بفارق كبير عن منافسته مارين لوبن، زعيمة اليمين المتطرف.

ومنذ سبع سنوات، وقف بايرو، دوماً وبقوة، إلى جانب ماكرون في المحن. وبعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، عندما انطلقت من اليسار المتشدد المطالبة باستقالة ماكرون من رئاسة الجمهورية، وجد الأخير في شخص بايرو السد المنيع والشخصية البارزة التي ساندته ودافعت عنه. كذلك، فإن بايرو، النائب والوزير السابق والرئيس الحالي لمدينة «بو» الواقعة غرب سلسلة جبال البيرينيه، سخّر حزبه «الحركة الديمقراطية» (اختصاره «موديم» بالفرنسية)، في خدمة ماكرون، وهو أحد الأحزاب الثلاثة الداعمة للرئيس. ولحزب بايرو بـ36 نائباً في البرلمان، حيث لا أكثرية مطلقة؛ ما يفسر سقوط حكومة سابقه ميشال بارنييه الأسبوع الماضي بعد ثلاثة أشهر فقط على رئاسته للحكومة، وهي أقصر مدة في تاريخ الجمهورية الخامسة.

ماكرون يوفّي ديناً قديماً لبايرو

ثمة قناعة جامعة وعابرة للأحزاب قوامها أن ماكرون أخطأ مرتين: الأولى، عندما حل البرلمان لأسباب لم يفهمها أحد حتى اليوم. والمرة الثانية عندما كلف بارنييه، القادم من مفوضية الاتحاد الأوروبي، بتشكيل الحكومة المستقيلة يمينية الهوى، في حين أن تحالف اليسار والخُضر حلّ في المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية؛ لذا اتُّهم ماكرون بـ«احتقار الديمقراطية»؛ لأنه لا يحترم نتائج الانتخابات، ولأنه يفضل التعامل مع اليمين التقليدي (حزب اليمين الجمهورية، وسابقاً الجمهوريون)، واليمين المتطرف (حزب التجمع الوطني بزعامة لوبن)، على الانفتاح على اليسار، لا بل إنه وضع حكومة بارنييه تحت رحمة لوبن التي ضمّت أصواتها إلى أصوات اليسار والخُضر لإسقاطه.

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المكلف فرنسوا بايرو في صورة تعود لشهر مارس 2022 خلال الحملة الرئاسية الأخيرة (أ.ف.ب)

وفهم ماكرون الدرس؛ لذا سعى إلى العثور على شخصية قادرة على اجتذاب الحزب الاشتراكي ونوابه، وربما الخُضر، وحتى الشيوعيين. وطيلة سبعة أيام، تواصلت مسرحية البحث عن «العصفور» النادر. طُرحت أسماء كثيرة قبل أن يقع الخيار على بايرو؛ منها برنار كازنوف آخر رئيس حكومة في العهد الاشتراكي، وسيباستيان لو كورنو وزير الدفاع، والوزير السابق جان إيف لودريان الذي اعتذر بسبب السن (73 عاماً)، ورولان ليسكور، وحتى احتمال المجيء بحكومة من التكنوقراط. وللوصول إلى نتيجة، أكثر ماكرون من المشاورات الفردية والجماعية.

والمسرحية المتأرجحة بين الهزلية والدرامية، كانت زيارته الخميس إلى بولندا وعودته سريعاً إلى باريس للوفاء بوعد إعلان اسم رئيس الحكومة العتيدة مساء الخميس. لكن الإعلان لم يأتِ، وظل المرشحون يتقلبون على نار القلق، حتى أعلن القصر الرئاسي أن الاسم سيصدر صباح الجمعة. ومنذ الصباح الباكر، تجمهرت وسائل الإعلام قبالة قصر الإليزيه، وامتدت الساعات ولم يخرج الدخان الأبيض إلا بعد ثلاث ساعات من خروج بايرو من الإليزيه عقب اجتماع مع ماكرون قارب الساعتين.

وذهبت وسائل إعلامية، ومنها صحيفة «لو موند» الرصينة، إلى إعلان أن ماكرون «لن يسمي بايرو». كذلك فعلت القناة الإخبارية «إل سي إي»؛ والسبب في ذلك معارضة رئيس الجمهورية اليميني الأسبق نيكولا ساركوزي هذه التسمية. ولهذه المعارضة قصة طويلة لا مجال لعرضها اليوم. واختصارها أن ساركوزي وبعض اليمين «حاقد» على بايرو الذي «خان» ساركوزي؛ لأنه دعا للتصويت لمنافسه الاشتراكي فرنسوا هولاند في عام 2012. وهذا يبين أن الحقد السياسي لا يُمحى بسهولة. ومن الروايات التي سارت في الساعات الأخيرة، أن ماكرون اتصل ببايرو لإخباره بأنه لن يسميه لتشكيل الحكومة، لكنه عدل عن ذلك لاحقاً، مخافة إغضابه والتوقف عن دعمه.

بايرو ترشح ثلاث مرات للرئاسة

بتكليفه تشكيل الحكومة، يكون بايرو قد حقق نصف حلمه الكبير، وهو أن يصبح يوماً رئيساً للجمهورية. فهذا السياسي الذي ولج الحياة السياسية في ثمانينات القرن الماضي، وكان نائباً في البرلمانين الفرنسي والأوروبي، ورئيساً لمدينة متوسطة (بو) ولمنطقتها، ووزيراً في عدة حكومات... ترشح للرئاسة ثلاث مرات وكاد يتأهل مرتين للجولة النهائية في عامي 2007 و2012، حيث حصل على أكثر من 18 في المائة من الأصوات، وانسحب في ترشحه الرابع. وتسلم، في أولى حكومات ماكرون في عام 2017، وزارة العدل. بيد أنه اضطر للاستقالة منها بعد أشهر قليلة بعد أن انطلقت فضيحة استخدام نواب حزبه في البرلمان الأوروبي الأموال الأوروبية لأغراض محض حزبية؛ ما حرمه من أي منصب حقيقي في السنوات السبع الماضية، إلا أن قضاء الدرجة الأولى سحب الدعوى لعدم توفر الأدلة. لكن المسألة نُقلت إلى محكمة الاستئناف. واللافت أن الاتهامات نفسها وُجّهت لمارين لوبن ولحزبها. وإذا تمت إدانتها، فإنها ستُحرم من الترشح لأي منصب انتخابي، ومن رئاسة الجمهورية تحديداً لمدة خمس سنوات.

مهمة مستحيلة؟

بارنييه وزوجته إيزابيل بعد عملية التسلم والتسليم في ماتينيون مساء الجمعة (إ.ب.أ)

وبعيداً عن الجوانب الشخصية، تعود تسمية بايرو لقدرته، على الأرجح، على التعامل مع اليمين واليسار معاً. ومهمته الأولى أن ينجح في تشكيل حكومة لا تسقط خلال أشهر قليلة، وأن تبقى على الأقل حتى الصيف القادم، وربما حتى نهاية ولاية ماكرون في عام 2027. وقالت رئيسة البرلمان يائيل براون ـ بيفيه، إن بايرو هو «رجل المرحلة السياسية التي نعيشها، ونحن بحاجة إلى رصّ الصفوف السياسية حول مشروع موحد».

من جانبه، ربط اليمين التقليدي مشاركته في الحكومة بطبيعة «المشروع» الذي يحمله بايرو، والمهم بالنسبة إليه «خريطة الطريق». بالمقابل، فإن حزب «معاً من أجل الجمهورية» (حزب ماكرون) أعرب عن تأييده لبايرو ووقوفه إلى جانبه، في حين قال بوريس بوالو، رئيس الكتلة البرلمانية للاشتراكيين: «لن ندخل الحكومة، وسنبقى في المعارضة». بيد أن الاشتراكيين تعهّدوا بعدم التصويت على سقوط الحكومة إذا امتنعت عن اللجوء إلى تمرير مشاريع قوانين، وعلى رأسها موازنة عام 2025، من غير تصويت. أما الخُضر، فربطوا سحب الثقة بتجاهل بايرو لمخاوفهم بشأن الضرائب والمعاشات، وهو ما عبّر عنه رئيس «التجمع الوطني» جوردان بارديلا الذي وعد بأنه «لن يحصل حجب ثقة مبدئياً»، لكن الظروف يمكن أن تتغير.

يبقى أن الرفض المطلق جاء من حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد الذي يقوده جان لوك ميلونشون، والذي أعلن كبار مسؤوليه أنهم سيسعون إلى إقالة بايرو في البرلمان، في أقرب فرصة.

وفي تصريح صحافي له، قال بايرو إن «هناك طريقاً يجب أن نجده يوحّد الناس بدلاً من أن يفرقهم. أعتقد أن المصالحة ضرورية». إنه طموح كبير بمواجهة تحديات أكبر، والأصعب أن ينجح في دفع أحزاب ذات توجهات ومطالب متناقضة إلى العمل معاً. صحيح أن العجائب غير موجودة في السياسة، ولكن من يدري؟!