زحمة اجتماعات إقليمية ودولية تتداخل وتتقاطع بشأن الأزمة السورية وسبل السير بها من أجل تنفيذ مضمون بيان فيينا الذي رسم خريطة طريق للخروج من الحرب في سوريا؛ فبعد اجتماع الرياض يومي الأربعاء والخميس الماضيين، ثم اللقاء الثلاثي المرتقب اليوم في جنيف الذي سيضم ممثلين عن روسيا والولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة، وبانتظار توجه وزير الخارجية الأميركي إلى موسكو الأسبوع المقبل لمناقشة الملف السوري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، ستدلي فرنسا بدلوها وتدعو لاجتماع على المستوى الوزاري في باريس يوم الاثنين المقبل للنواة الصلبة لـ«أصدقاء الشعب السوري»، وفق الصيغة التي اعتمدتها نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وفي الاجتماع السابق الذي دعت إليه باريس على عجل، كان الغرض إعادة باريس إلى واسطة حلقة الاتصالات بشأن سوريا التي استبعدت منها، كما برز ذلك في الاجتماع الرباعي «روسيا، والولايات المتحدة، والسعودية وتركيا» الذي استضافته العاصمة النمساوية يوم 22 أكتوبر الماضي. لكن الصورة اليوم، كما تقول مصادر رسمية فرنسية، تبدو مختلفة منذ أن أعلنت باريس التي ضربها إرهاب «داعش» في الصميم ليلة 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أنها عازمة على «تدمير» تنظيم داعش. فضلا عن ذلك، فإن الإرهاب الداعشي دفع بحكومتها إلى «إعادة تقييم» سياستها في سوريا والسعي لإقامة تحالف دولي يضم جميع الذين يقاتلون «داعش»، بمن فيهم قوات من النظام السوري مع إبداء المرونة لإبقاء الرئيس الأسد في السلطة خلال الفترة الانتقالية.
بيد أن أهمية اللقاء الباريسي تكمن في أنه يسبق بأيام قليلة اجتماع نيويورك يوم 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي الذي يندرج ضمن سلسلة اجتماعات فيينا وذلك بدعوة من واشنطن وموافقة موسكو. وغرض لقاء باريس الذي لم تكشف وزارة الخارجية بعد عن تفاصيله، العمل على تنسيق المواقف، والبحث في ما تحقق من بيان فيينا، والتحضير لاجتماع نيويورك، والبحث في كيفية مساندة المعارضة السورية التي من المفترض أن تكون قد توصلت إلى توافق على تشكيل وفدها الموحد. وينص بيان فيينا على اجتماع لوفدي المعارضة والنظام بداية الشهر المقبل على أن تقوم حكومة انتقالية بعد ستة أشهر تعقبها انتخابات عامة بعد 18 شهرا.
وقالت المصادر الفرنسية إن باريس تريد، من خلال اللقاء، تحقيق هدفين اثنين: الأول «توفير الدعم السياسي الدولي لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا بحيث يتمكن حقيقة من القيام بدوره وأن يكون همزة الوصل بين الوفدين الحكومي والمعارض». والثاني، النظر في كيفية «تصور صيغة» توفق بين الموقف الأوروبي الأميركي القابل بأن يبقى الأسد في موقعه خلال الفترة الانتقالية، لكن شرط ألا تكون له اليد العليا على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.
وكان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس قد أثار كثيرا من التساؤلات بتصريحاته التي أعلن فيها تخلي فرنسا عن المطالبة بتنحي الأسد من المشهد السياسي شرطا لإطلاق عملية الانتقال السياسي، وكذلك تأكيده قبول انضمام قوات سورية رسمية إلى قوات المعارضة والأكراد و«قوات سنية» لم تحدد طبيعتها في محاربة «داعش» مشترطا لذلك ألا تبقى للأسد قيادة القوات السورية. واعتبرت تصريحات فابيوس بمثابة «تراجع تدريجي» عن مواقف فرنسا التقليدية في دعم المعارضة لا بل المطالبة بمحاكمة الأسد بسبب الجرائم التي ارتكبها بحق شعبه.
وتدور تساؤلات في الأوساط الغربية عن كيفية التعاطي مع انضمام تنظيمات إسلامية مقاتلة إلى الحراك السياسي ومدى قبولها على المستوى الدولي طرفا في البحث عن حلول، وإمكانية أن تكون جزءا من الوفد المعارض. وفي أي حال، لا تبدو باريس كثيرة التفاؤل بإمكانية السير بحل سياسي بالنظر للعقبات الكثيرة التي تعترض مساره وليس أقلها دور الأسد في المرحلة الانتقالية، ومدى استعداد روسيا للدفع باتجاه الحل، فضلا عن توتر علاقاتها مع تركيا.
وفي السياق عينه، نشرت صحيفة «لوموند» المستقلة في عددها أمس مساهمة للرؤساء الأربعة الذين تعاقبوا على إدارة تحالف المعارضة السورية، وهم تباعا معاذ الخطيب وأحمد عاصي الجربا وهادي البحرة وخالد خوجة. ويرى الأربعة أن عملية الانتقال السياسي لا يمكن أن تنجح من غير خطة لمحاربة الإرهاب، وأنه لا النظام ولا المعارضة المعتدلة قادران كل بمفرده على الاضطلاع بهذه المهمة. ولذا، فإن الخلاصة التي توصلوا إليها هي بلورة خطة سياسية توفر انتقالا حقيقيا للسلطة يستبعد منه قادة النظام الحاليون، ورحيل الأسد وعائلته والمقربين منه عن السلطة، وإعادة تشكيل القطاع الأمني برمته. وإذا توافرت هذه الشروط، فإن المعارضة السورية «ستكون مستعدة» للعمل مع المنظمات الحكومية السورية، فيما يوجه الجيش السوري الحر كل إمكاناته لمحاربة «داعش»، وتعاون «الأمر الواقع» مع وحدات من الجيش السوري غير المرتبطة بعائلة الأسد والمطهرة من الضباط «المجرمين»، بحيث يكون الطرفان «الجناحين الطبيعيين» للقوة الوطنية التي ستحارب «داعش» وكل مجموعة تناهض عودة الاستقرار إلى سوريا.
بموازاة ذلك، أكد الأربعة أن القوات الثورية «لا تريد أن تحارب خدمة لمصالح خارجية إقليمية أو دولية»، كما أنها لن تكون مستعدة «للاستجابة لما يملى عليها». وخلاصة الأربعة الموجهة بالدرجة الأولى لروسيا ولداعمي الأسد، أن بقاء الأخير في السلطة «ليس الطريق من أجل المحافظة على الدولة السورية أو إعادة تأهيل قيم التعددية والمساواة والتمسك المشترك بسوريا للبدء عندها بالحرب الحقيقية ضد الإرهاب والتطرف».
اجتماع وزاري للنواة الصلبة لـ«أصدقاء الشعب السوري» في باريس الاثنين المقبل
يأتي في زحمة اللقاءات والاجتماعات المتلاحقة تحضيرًا لمؤتمر نيويورك
اجتماع وزاري للنواة الصلبة لـ«أصدقاء الشعب السوري» في باريس الاثنين المقبل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة