من المرجح ألا تجد خطة الرئيس الفرنسي الهادفة إلى إقامة «تحالف واسع» أو «وحيد» للقضاء على تنظيم داعش طريقها إلى الوجود بسبب استمرار التحفظات الأميركية والتوتر في العلاقات الروسية التركية، و«عدم تفهم المعارضة» وعدد من دول الخليج للاستدارة في السياسة الفرنسية إزاء الملف السوري ومصير الأسد. لكن الواضح أن فرنسوا هولاند سيشعر أنه لم يعد وحيدا في الميدان بعدما حصل على ما يبتغيه أقله على المستوى الأوروبي. منذ صباح أمس، سارع قصر الإليزيه إلى إصدار بيان باسم الرئيس الفرنسي «يرحب» فيه بالضربات الجوية الأولى التي قامت بها طائرات التورنادو البريطانية في سوريا عقب التصويت الإيجابي على قرار المشاركة في مجلس العموم بـ«أغلبية مريحة». لكن الجملة الأهم في بيان الرئاسة الفرنسية والتي وردت أيضا في بيان وزير الخارجية لوران فابيوس هي الإشارة إلى أن القرار البريطاني جاء «استجابة للنداء من أجل التضامن» الذي وجهه هولاند إلى الأوروبيين جميعا للوقوف إلى جانب بلاده في حربها ضد الإرهاب. تقوم الحجة الفرنسية على القول، وفق ما أكده هولاند أمام النواب والشيوخ بمناسبة اجتماعهم التاريخي في السادس عشر من الشهر الماضي في قصر فرساي، إن استهداف الإرهاب لفرنسا هو، من جهة، استهداف لكل أوروبا ولكل القيم التي تحملها، كما أن فرنسا، من جهة ثانية، تحارب الإرهاب بالنيابة عن أوروبا. ولذا، فإن «التضامن» الأوروبي مع باريس «واجب». وكان واضحا أن عين الحكومة الفرنسية على البلدين الأوروبيين الرئيسيين: بريطانيا وألمانيا. وبالنسبة للأول، لفرنسا تجربة مرة معه؛ إذ خاب ظن باريس صيف عام 2013 عندما صوت مجلس العموم ضد مشاركة بريطانيا في توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد عقب استخدامه السلاح الكيماوي ليلة 21 أغسطس (آب) في الغوطتين الشرقية والغربية. وكانت فرنسا مستعدة للبدء في العمليات العسكرية التي لم تحصل بعد أن تراجع، بدوره، الرئيس الأميركي مفضلا السير بالمبادرة السلمية الروسية. ولذا، كانت عين باريس على ما يحصل من الجهة المقابلة لبحر المانش، علما بأن رئيس الوزراء كاميرون عرض على هولاند، عندما جاء إلى باريس عقب العمليات الإرهابية مباشرة أن يضع بتصرف قواته قاعدة أكروتيري الجوية في قبرص، وأن تقوم الطائرات البريطانية بتزويد المقاتلات الفرنسية بالوقود جوا بالإضافة إلى إرسال فرقاطة بريطانية إلى المجموعة البحرية الفرنسية التي عمادها حاملة الطائرات شارل ديغول في شرق البحر المتوسط.
من هذه الزاوية، ترى باريس أن النواب البريطانيين استجابوا لدعوة هولاند التي وجهها لهم يوم الأحد الماضي عند مشاركته في قمة الكومنولث في لا فاليتا «مالطا». ومن الزاوية العسكرية، ورغم أنه لم يعرف بعد مدى «انخراط» طائرات التورنادو والتايفون في الضربات الجوية، فإن انضمام بريطانيا سيجعل هناك ستة بلدان من التحالف الغربي ضد «داعش» تقوم بضربات جوية في سوريا.
أما بالنسبة لألمانيا، فإن باريس تشيد بقرار برلين مد يد المساعدة لباريس وفق الخطة التي كشفتها وزيرة الدفاع أورسولا فون در ليان التي انتقلت أمس إلى أنقرة لتحضير وصول الطائرات الألمانية إلى قاعدة إنجيرليك التركية. وتقدمت الحكومة الألمانية بمشروع قرار للبوندستاغ «مجلس النواب» الذي سيصوت عليه اليوم لنشر ست طائرات تورنادو وطائرة تزويد بالوقود في تركيا وفرقاطة بحرية مهمتها حماية حاملة الطائرات شارل ديغول و1500 جندي لم تعرف بعد مهماتهم ولا أماكن انتشارهم بدقة. وينتظر أن يوافق البوندستاغ على مشروع قرار الحكومة بالنظر للأكثرية النيابية المريحة التي تتمتع بها أنجيلا ميركل.
هكذا وبفضل المشاركة المزدوجة البريطانية الألمانية تجد الحكومة الفرنسية نفسها في وضع مريح بعدما تعرضت لانتقادات سياسية وإعلامية، فحواها أن باريس أعلنت الحرب على «داعش» وتعتبر نفسها في حالة حرب، بينما الأوروبيون يتفرجون عليها من بعيد بعد أن تركوها وحيدة في مالي وأفريقيا الوسطى، ثم في مواجهة «داعش» في سوريا. بالمقابل، ثمة تساؤلات تتناول «الخطة العسكرية» الفرنسية، حيث تركز باريس على استعادة مدينة الرقة التي هي «العاصمة السورية» لـ«داعش».
وفي الأيام الأخيرة، أثار الوزير فابيوس عاصفة من التساؤلات بعد أن أعلن أن قوات النظام السوري يمكن أن تكون جزءا من القوات الأرضية التي يتعين العمل معها لدحر «داعش» إلى جانب قوات الجيش السوري الحر و«قوات سنية» عربية والأكراد. ثم تراجع فابيوس ليربط تطورا من هذا النوع بألا يكون الأسد على رأس القوات المسلحة السورية، وأن يتم ذلك في إطار عملية انتقال سياسية ما يبين مدى الضبابية في الرؤية الفرنسية. وحتى الآن، كانت الإمارات العربية الوحيدة هي الطرف الوحيد الذي أعلن استعداده لإرسال قوات أرضية إلى سوريا على غرار ما تفعله في اليمن.
باريس «مرتاحة» لانضمام لندن وبرلين لمحاربة «داعش»
الرئيس هولاند يرى فيه «استجابة لنداء التضامن» مع فرنسا
باريس «مرتاحة» لانضمام لندن وبرلين لمحاربة «داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة