عاد مؤرخ الحوليات السعودي عثمان ابن بشر إلى الواجهة مجددًا بعد أكثر من 150 عامًا على رحيله، مسجلاً اسمه كعالم موسوعي وأحد أعلام بلاده وصاحب الشواهد التاريخية للدولة السعودية في مختلف أدوارها الثلاثة.
وشهدت «جلاجل» (160 كيلومترًا شمال غربي الرياض) مسقط رأس المؤرخ، مساء أول من أمس (الأربعاء)، ندوة ضمن برنامج دارة الملك عبد العزيز عن أعلام السعودية الذين كانت لهم إسهامات تأسيسية وفكرية وثقافية منذ نشأة الدولة السعودية الأولى، وحتى نهاية عهد الملك عبد العزيز، وحرص منظمو الندوة على إظهار مكانة العلامة ابن بشر والاحتفاء به بين أقاربه وذويه، وأتاحوا لحضور الندوة زيارة منزل المؤرخ في «جلاجل» الذي عاش فيه ثمانين عامًا وتوفي فيه قبل ما يقرب من 150 عامًا.
ودشنت دارة الملك عبد العزيز، برنامجها الوطني في توثيق حياة أعلام من السعودية، وإنجازاتهم الوطنية وجهودهم المختلفة التي أسهمت في حركة الإنماء في المجتمع السعودي، كل في مجاله، من خلال ندوة علمية عن المؤرخ الشهير (1795 إلى 1875) صاحب أوسع وأشهر مصنف في تاريخ نجد، حيث أرخ الأحداث والأخبار والشواهد السياسية والاقتصادية في كتاب «عنوان المجد في تاريخ نجد»، فضلاً عن مصنفات أخرى في العلوم الشرعية والفلك وأنساب الخيل من المجالات المعروفة في زمنها.
وحضر الأمير عبد الرحمن بن عبد الله بن فيصل محافظ المجمعة حفل افتتاح الندوة والفعاليات المصاحبة، بمشاركة باحثين ودارسين ومهتمين بالجوانب التاريخية.
واستكشف ثلاثة باحثين جوانب في الإنتاج العلمي للمؤرخ عثمان ابن بشر، مع توثيق لمسيرة حياته وإنجازاته، حيث قدّم الدكتور حمد الدخَيل بحثًا بعنوان «ابن بشر أديبًا» رصد من خلاله السمات الكتابية والبلاغية ومزايا لغته التوثيقية التي تعكس العصر الأدبي الذي عاشه المؤرخ الشهير قبل ما يقارب قرنين من الزمان.
كما قدم الدكتور دايل الخالدي بحثًا عن العناصر المكونة ومتطلبات الحدث والخبر لدى ابن بشر تحت عنوان «ابن بشر مؤرخًا»، وعن حياة عثمان بن عبد الله بن بشر الاجتماعية وسيرته الشخصية بما تتضمنه من مراحل العمر المختلفة والمحطات الرئيسية في حياة الفرد من التعليم والعمل والزواج وغيرها، وقدم علي المهيدب بحثًا في ذلك بعنوان «ابن بشر: نشأته وحياته» بينما يعد ذلك أيضًا توثيقًا للحياة العامة في ذلك التاريخ.
وجاءت أبرز الكتب التي اتفق الجميع على ريادته في مجاله من حيث عدد السنوات التي شملها وتفصيل أحداثها هو سفره القيم الذي عُرف به «عنوان المجد في تاريخ نجد»، حيث دون فيه وقائع نجد على مدى قرن وعقد من الزمان وأخبارها وكل ما يتصل بها من بداية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى نهاية عام 1851 وشمل الأحداث الرئيسية في الدولة السعودية الأولى والثانية حيث عاصرهما ابن بشر، كما أنه ذكر أخبارًا وحوادث قبل ظهور الدعوة الإصلاحية عنونها بكلمة «سابقة» أي سابقة لظهور هذه الدعوة المباركة. والكتاب ظهر في جزأين، وذكر بعض المهتمين بشأن ابن بشر أنه كان عازمًا على كتابة جزء ثالث؛ مما دعا البعض منهم أن يعلل عدم ظهور هذا الجزء إلى فقدانه أو أنه انشغل بمصنفات ومهام أخرى عنه.
كما أن هذا المُؤلَف على الرغم من عنوانه التحديدي للمنطقة المعنية بالتوثيق وهي نجد، تعدى الأحداث فيها وشمل أقاليم أخرى وصلتها الدولة السعودية أو اتصلت بها، وكذلك شمل أحداثًا سياسية وحربية وأخرى اقتصادية وتجارية وأخبار المطر والأوبئة والوفيات والأماكن الجغرافية والأنساب وغيرها من الأحداث المجاورة للحدث السياسي، مما يجعله مساعدًا قويًا ونقيًا لقراءة وتفحص الحياة من كل جوانبها في الجزيرة العربية في ذلك العهد، فليس لأي باحث في السياسة أو دارس في مكونات المجتمع السعودي الأخرى غنى عن الاطلاع عليه للوصول إلى المفردات المكونة لكيان السعودية منذ أكثر من ثلاثة قرون، خصوصًا أنه كتب بمنهج عصره فاعتمد المباشرة والاختصار والعبارة اللغوية الدقيقة دون إطالة أو تمويه.
أما ثاني كتبه التي طبعتها الدارة ضمن سلسلتها «مصادر تاريخ الجزيرة العربية المخطوط»، فهو ذات الخصوصية العلمية التطبيقية «الإشارة إلى معرفة منازل السبعة السيارة» الذي يُعدَ أول كتاب ألف في الفلك والحساب الفلكي في نجد.
وكان هدفه من هذا الكتاب تقديم خدمة لمجتمعه في مواقيت المناسبات الدينية المختلفة، وكذلك ضبط مواقيت الزراعة المناسبة التي تمثل الجزء الغالب من الحياة الاقتصادية وتأمين لقمة العيش في نجد آنذاك، وكان سكان نجد يتداولون إلى وقت قريب حسابًا في الفلك يسمونه «حساب ابن بشر» لدقته.
أما المخطوط الثالث فهو «سهيل فيما جاء في ذكر الخيل» وألَفه ابن بشر بطلب من الإمام فيصل بن تركي حيث تحدث عن فضل الخيل وأصالتها وقيمتها في الإسلام ولدى العرب وكرائمها وأفضالها كما تطرق إلى خيول آل سعود، خصوصًا خيول الإمام فيصل بن تركي وأنسابها وعدد مزاياها واهتمام الإمام فيصل بالخيل وتربيته لعدد كبير منها، ورجع في تأليف هذا الكتاب إلى عدد من أمهات الكتب العربية في الخيل وأنسابها؛ مما يدل على امتلاكه مكتبة غنية ومتنوعة.
وجاء رابع هذه المآثر لابن بشر كتاب «مرشد الخصائص ومبدئ النقائص في الثقلاء والحمقى وغير ذلك» ويندرج موضوعه تحت الأدب الاجتماعي الساخر، هدفه نشر السجايا الكريمة في التعامل مع الوقت والناس من خلال عرض لصور اجتماعية للثقلاء من الزوار ورواد المجالس والحمقى، بل إن أحد أسباب تأليف هذا الكتاب هو انتشار مجالس القهوة العربية كطقس اجتماعي في الحياة اليومية وما علق فيها من كثرة الجلوس وما فيها من العادات غير المرغوبة مثل إضاعة الوقت والركون إلى الخمول وأحاديث غير محببة.
العالم الموسوعي «ابن بشر» يعود للواجهة أديبًا وفلكيًا ومؤرخًا
دارة الملك عبد العزيز تدشن برنامجها لتوثيق أعلام السعودية بندوة عن المؤرخ
العالم الموسوعي «ابن بشر» يعود للواجهة أديبًا وفلكيًا ومؤرخًا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة