كانت الشمس قد أشرقت للتو في ويست بالتيمور عندما خرج ويليام تيلر من منزله وسط البيوت المتراصة ببلدته التي كانت لا تزال نيران الشغب مستعرة فيها رغم مرور سبعة أشهر على تلك الأحداث.
وقف ويليام لحظات في الشارع مستظلا بجدران مبنى «مشروع الإسكان العمومي» المحطم حيث قضى فريدي غري وقتا طويلا قبل تعرضه لإصابة في العمود الفقري في قسم الشرطة في 12 أبريل (نيسان) الماضي، حيث مات بأسبوع.
ويدرك تيلر، 44 عاما، أن الكثيرين يأملون أن تكون الأحكام الصادرة في حق الضباط الستة الذين اعتقلوا غري سببا في أن يحل السلام والتفاؤل في هذا المكان لأول مرة، إلا أن شيئا من هذا لم يحدث.
وبدلا من ذلك، اندلع العنف عقب أعمال الشغب، وتخطى عدد القتلى حتى بداية هذا الشهر 300 في عام واحد للمرة الأولى منذ عام 1999. وأصبحت أصوات صفارات إنذار سيارات الشرطة وأصوات الطائرات المروحية أمرا مألوفا في ويست بالتيمور، ناهيك عن انتشار عشرات الجنود الإضافيين في مختلف أنحاء المدينة.
وتواجه العلاقة المتوترة دوما بين تطبيق القانون وسكان المنطقة التي عاش فيها تيلر منذ طفولته اختبارا جديدا ومعقدا مع محاكمة المتهمين باعتقال وموت غري.
وبدأت أمس عملية اختيار هيئة المحلفين في القضية المرفوعة ضد المتهم الأول ويليام جي بورتر، ويسود إحساس بالتشاؤم في المدينة على مدار الشهور القادمة. ففي ساند تاون ونسشستر، بلدة غري القديمة، من المستحيل أن تجد شخصا واحدا يقول لك بأنه يتوقع أن تصدر هيئة المحلفين حكما واحدا بالإدانة في هذه القضية. وتسبب ذلك اليقين في مخاوف متزايدة من أنه في حال أطلق سراح هؤلاء الضباط، فسوف تثور ثائرة أهل المدينة بشكل أكثر تدميرا مما حدث في أبريل الماضي.
وأفاد تيلر أنه يتوقع أنه «سيكون هناك قتلى، وإطلاق نار، وحرق للمباني»، مرددا ما سمعه من الكثيرين من جيرانه، لكنه يتمنى ألا يحدث ذلك.
وكان تيلر يعرف غري الذي كان يلعب مع أولاده، ويقول: إنه رأى جسده مسجى في نعش داخل كفن أبيض في جنازة حضرها المئات. تيلر يعرفه أيضا لأنه مر بنفس تجربته.
ففي فترة المراهقة انضم تيلر لعصابة، وباع المخدرات، ودخل في مواجهات مع الشرطة، ويدرك تيلر أنه كان من الممكن أن يموت في الشارع، ولم يبتعد عن هذه الحياة إلا بعد أن قضى سبع سنوات في السجن التي دُمر فيها أبناؤه، ويقضي اثنان من أبنائه عقوبة السجن حاليا.
لتيلر عمل ثابت، ويستمر مع ناشطين آخرين في المدينة على أمل العمل على تحسين الأحوال فيها. يدرك تيلر أن المزيد من الفوضى لن يساعد مدينة ساند تاون أو أطفالها بمن فيهم ابنه ديلانتي الذي يبلغ عمره أربعة أعوام، والذي خرج يحمل حقيبة ظهره المدرسية الحمراء هذا الصباح، وكان تيلر حمل ابنه الصغير على كتفيه في مظاهرة سلمية منذ عدة شهور وسار وسط المتظاهرين الذين هتفوا «لا عدل.. لا سلام».
أمسك ديلانتي بيد أبيه وسارا شمالا تجاه مدرسة الطفل، وعبرا منازل غليمور، وهو المكان الذي حدثت فيه الجريمة، وسارا حول ركن من المبنى احتله تجار المخدرات بعد ذلك بثلاث ساعات.
يشك تيلر في أن تحسنا سيظهر، على الأقل الآن. وأفاد تيلر أن «ما لا يفهمه الكثيرون هو أن الغضب الذي أبداه الناس بعد موت فريدي غري لم يكن بسبب حادثة موته فقط، لكن هناك أسباب أخرى، منها المساكن المهملة التي تركت للمدمنين المدمرين كي يموتوا فيها».
ردد ضابط الاتصالات أسماء عدد من الشوارع، انطلقت بعدها سيارتان وسط إطلاق النار، حدث اصطدام ثم هرولة للقيام بعملية إنقاذ، الناس تجري، وأدار الضابط الذي يبلغ عمره واحدا وأربعين عاما مقدمة سيارته الفورد من دون لوحات وانضم إلى موكب سيارات الشرطة التي أدارت الأضواء الوامضة وصفارات الإنذار.
وأمام مدرسة ساندتاون حيث عقد اجتماع لمجلس الآباء، عثر رجال الشرطة على شاحنة فارغة وأثار رصاصة اخترقت باب السائق الذي ارتطم بالشاحنة في سيارة أخرى منتظرة. قال الضابط «دعنا نرى ما ذا حدث» بينما يسحب مقبض الباب، ولم يكن الضابط يعرف فريدي غري، ولم يتقابل مع ويليام تيلر من قبل، غير أنه يعرف بلدتهما لأنه سكن فيها.
كان موقع الاصطدام على بعد ميل واحد من المكان الذي نشأ فيه الضابط، بالقرب من مركز موندويمين للتسوق، حيث يحدث الشغب دائما. كان جاكسون قد التحق بأكاديمية الشرطة في سن الثامنة عشرة عام 1993. وهو أكثر الأعوام دموية في بالتيمور، بالطبع قبل هذا العام عندما ارتفعت أعداد القتلى لمعدلات غير مسبوقة.
كان مقر عمل الضابط في منطقة هادئة قريبة من مجرى مائي بعيد عن المكان الذي نشأ فيه، لكن مع اشتعال الأحداث في بالتيمور في أبريل الماضي، طلب جاكسون نقله إلى أحد أصعب الوظائف من حيث القدرة على تنفيذ القانون الأميركي.
ووفق جاكسون الذي يعرف الكثير من الضباط الذين يحاكمون في قضيه فريدي نظرا لحياته السابقة في نفس المنطقة، فإن الناس والشرطة هناك في مواجهات مستمرة يحاولان إزاحة بعضهما البعض. ويشتكي الأهالي هناك من المضايقات والوحشية التي يلقونها من الشرطة، بيد أنهم في نفس الوقت يشكون من أن الشرطة تدير ظهرها للجرائم وسط هذا الجو المسموم.
* خدمة: «واشنطن بوست» خاص لـ«الشرق الأوسط»