التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمس، بمجلس حكماء المسلمين برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر. وقال مصدر مصري مطلع إن «المجلس أطلع الرئيس السيسي على الجهود التي يقوم بها المجلس في نشر ثقافة السلام بين الشعوب، والاستعدادات الجارية لانطلاق المرحلة الثانية من قوافل السلام إلى عدد من الدول في قارات العالم المختلفة لتصحيح المفاهيم المغلوطة ونشر قيم السلام والمواطنة والتعايش المشترك»، مضيفًا لـ«الشرق الأوسط» أن «المجلس أكد للرئيس النجاح الذي حققته المرحلة الأولى من قوافل السلام التي تم إيفادها إلى الولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، وإسبانيا، وأفريقيا الوسطى، وجنوب أفريقيا، وتشاد، وإندونيسيا، وباكستان».
في حين رفض مجلس حكماء المسلمين خلال كلمة وجهها للعالم أمس من القاهرة، «ربط الإرهاب بالإسلام»، مؤكدًا أن «التطرف فلسفة حياة عند معتنقيه»، ودعا النخب العربية والإسلامية لتجفيف ينابيع الفكر الإرهابي بكافة صوره وأشكاله.
وقال الطيب: «ما إن بدأنا نفيق من كارثة باريس حتى جاءت كارثة مالي.. والله وحده الذي يعلم إلى أين يتجه مستقبل البشرية القريب مع عصابات الموت ومقاولي الشر وسماسرة الدماء».
وكان الرئيس السيسي قد أكد خلال توقيعه اتفاقية بين مصر وروسيا في مجال بناء المحطات النووية الخميس الماضي، أنه «لابد أن نواجه الإرهاب بقوة مناسبة ومنظور فكرى وخطاب ديني».
وبدأت الجلسة الافتتاحية لمجلس حكماء المسلمين برئاسة الطيب بمقر مشيخة الأزهر بالدراسة (جنوب القاهرة) أمس، لبحث أبرز التحديات والقضايا الراهنة التي يمر بها العالمان العربي والإسلامي.
وتأسس «حكماء المسلمين» في يوليو (تموز) عام 2014، ويتخذ من العاصمة الإماراتية أبوظبي مقرا له، بهدف تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، وكسر حدة الاضطراب والاحتراب التي سادت مجتمعات كثيرة من الأمة الإسلامية في الآونة الأخيرة. ويضم المجلس في عضويته مجموعة من علماء الأمة الإسلامية وخبرائها ممن يتسمون بالحكمة والعدالة والاستقلال والوسطية.
وقال الطيب إن مصيبة الإرهاب ابتلي بها العالم كله الآن، ووصل إلى أماكن وبلدان بعيدة ما كنا نظن أن يصل إليها، لقد طال الإرهاب الأسود لبنان والعاصمة الفرنسية باريس واغتال من أبنائها وبناتها ما يزيد على المائة من القتلى والضحايا، وأصاب مئات أخرى من خيرة شبابهم ومواطنيهم، ولنا أن نتخيل كم من الأسر الفرنسية الآن تبدل حالها من أمن وسلام واستقرار إلى ما يشبه حياة الجحيم والأسى والحزن المقيم.
وأضاف: «ما إن بدأنا نفيق من كارثة باريس، حتى جاءت كارثة جمهورية مالي وقتل عدد من الرهائن المحتجزين في باماكو.. والله وحده الذي يعلم إلى أين يتجه مستقبل البشرية القريب مع عصابات الموت، ومقاولي الشر، وسماسرة الدماء».
وكان مسلحون متشددون تابعون لتنظيم داعش الإرهابي قد احتجزوا رهائن في فندق بالعاصمة المالية باماكو أول من أمس الجمعة، بعد أسبوع من هجوم مماثل في العاصمة الفرنسية باريس حيث احتجز ثلاثة مسلحين أكثر من 100 شخص في قاعة مسرح باتاكلان.
وتابع الطيب بقوله: «كنا نظن أن ما حاق بنا نحن العرب والمسلمين في الشرق من آثار الدمار الذي طال البشر والحجر هو نهاية المأساة، وأن تدمير دول عربية وإسلامية بأسرها على رؤوس أهليها وتشريدهم هو كل ما تخبئه لنا الليالي والأيام؛ لكنا فوجئنا به يتمدد غربا وشمالا وجنوبا كما تمدد شرقا من قبل؛ ولعله بات الآن من المحتم أن نعلم أن الإرهاب هو أولا وأخيرا - اعتقاد وفكر؛ بل لعلي لا أجاوز الحقيقة لو قلت: إنه عند معتنقيه «فلسفة حياة» يهون من أجلها الموت والانتحار، وإنه ليس إفرازا لدين سماوي أيا كان هذا الدين؛ بل هو مرض فكري ونفسي يبحث دائما عن مبررات وجوده في متشابهات نصوص الأديان وتأويل المؤولين ونظرات المفسرين.
وأضاف: «ويثبت التاريخ والواقع المعاصر أيضًا أن بواعث الإرهاب ليست قصرا على الانحراف بالأديان نحو فهوم مغشوشة مدلسة؛ بل كثيرا ما خرج الإرهاب من عباءة مذاهب اجتماعية واقتصادية؛ بل وسياسية»، موضحًا أن الدرس الذي يجب أن يعيه الجميع وبخاصة في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها العالم، أن الإرهاب لا دين له ولا هوية له، ومن الظلم البين بل من التحيز الفاضح، نسب ما يحدث الآن من جرائم التفجير والتدمير التي استشرت هنا أو هناك إلى الإسلام، لمجرد أن مرتكبيها يطلقون حناجرهم بصيحة «الله أكبر» وهم يقترفون فظائعهم التي تقشعر منها الأبدان.
ودعا شيخ الأزهر المفكرين والمثقفين والسياسيين ورجال الأديان، ألا يصرفهم هول هذه الصدمات عن واجب الإنصاف والموضوعية ووضع الأمور في موضعها الصحيح فيما يتعلق بالفصل التام بين الإسلام ومبادئه وثقافته وحضارته، وبين قلة قليلة لا تمثل رقما واحدا صحيحا في النسبة إلى مجموع المسلمين المسالمين المنفتحين على الناس في كل ربوع الدنيا، مضيفًا: «قد مررنا نحن المسلمين وما زلنا نمر بأضعاف أضعاف هذه الهجمات الإرهابية التي شنتها علينا جيوش وعصابات اتخذت من الأديان رداء وستارا، وسالت منا دماء لم تتوقف حتى هذه اللحظة التي أتحدث فيها إليكم».
وتابع بقوله: «على الذين أقدموا على ارتكاب جريمة حرق المصحف وحرق بيوت الله في الغرب أن يعلموا أن هذه الأفعال هي - الأخرى - إرهاب بكل المقاييس؛ بل هي وقود للفكر الإرهابي الذي نعاني منه، فلا تردوا على الإرهاب بإرهاب مماثل، وليس من المنتظر أبدا ممن يزعمون التحضر والتقدم إهانة مقدسات الآخرين على مرأى ومسمع من الناس».
وقال الطيب: «آن الأوان أن نتحمل هذا العبء الذي يزداد يوما بعد يوم، فهذا قدركم وقدرنا جميعا، وقد باتت مهمتنا بالغة التعقيد ومتعددة الأبعاد، وأصبح من الواجب المتعين علينا أن نسير في اتجاه إطفاء الحرائق وردم بؤر التوتر في عالمنا العربي والإسلامي».
في السياق ذاته، أكد مجلس حكماء المسلمين أنه من أجل وحدة الشعب الصومالي وخروجه من أزماته التي طالت دون مبرر ولا سبب معقول ودفع ثمنها البسطاء والفقراء. ودعا المجلس النخب العربية والإسلامية لتجفيف ينابيع الفكر الإرهابي بكافة صوره وأشكاله، من خلال منظومة متكاملة تشمل التعليم والثقافة والشباب والإعلام، وخطاب ديني معبر عن حقيقة الإسلام وشريعته.
من جانبه، دعا الدكتور علي النعيمي، الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين، إلى موقف موحد ضد الإرهاب بعد الاعتداءات الأخيرة التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس والعاصمة المالية باماكو. وقال النعيمي في مؤتمر صحافي بالقاهرة أمس: «لا يجوز ربط الإرهاب بدين معين.. وهناك ضرورة لتكاتف الجهود لمواجهة الفكر المتطرف»، موضحًا أن 16 قافلة للسلام ستنطلق حول العالم لثقافة السلام ويصححون المفاهيم المغلوطة ويحملون شعارا موحدا «كل شعوب العالم نظراء في الإنسانية.. ومن حق الجميع أن يعيش في أمن وسلام»، وذلك بعد ربط البعض بين الإسلام والاعتداءات الأخيرة التي شهدتها فرنسا.
«حكماء المسلمين» يلتقي السيسي.. ويرفض ربط الإرهاب بالإسلام
الطيب: ما إن بدأنا نستفيق من كارثة باريس حتى جاءت مالي.. والله يعلم مستقبلنا مع «عصابات الموت»
«حكماء المسلمين» يلتقي السيسي.. ويرفض ربط الإرهاب بالإسلام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة