في الذكرى الأولى لحادثة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، وفي الوقت الذي كانت فيه دماء الثأر تغلي كالمرجل في العروق، ومعها طوفان من القهر والغضب موجه نحو العرب والمسلمين؛ دينًا وثقافة وحضارة، وبما يشمل من دولٍ وشعوب.. في ذلك الوقت تجرأ نحو ألفي مثقف أميركي بارز على إصدار بيان «الضمير الأميركي»، تحت عنوان: «ليس باسمنا»، عبّروا فيه بشجاعة منقطعة النظير عن استنكارهم الخيارات الحربية التي اتخذتها إدارة الرئيس بوش للرّد على إرهاب الحادي عشر من سبتمبر.
بدأوا بيانهم بالقول: «كي لا يُقال إن الشعب في الولايات المتحدة لم يفعل شيئًا حينما أعلنت حكومته حربًا لا حدود لها، وأسست لمبادئ قمعية متصلبة جديدة»، وأخطر ما في البيان دعوته الشعب الأميركي إلى مقاومة السياسة «الظالمة واللاأخلاقية واللاشرعية، التي تنتهجها حكومة الرئيس بوش، وأصبحت توجهاتها تهدد العالم بأسره».
كان صوت المثقفين الأميركيين، وعلى رأسهم ناعوم تشومسكي، ورمزي كلارك، ومارتن لوثر كينغ الثالث، وإدوارد سعيد، وجيمس أبو رزق، وغور فيدال.. وغيرهم، عاليًا في وجه الإدارة التي اتهموها بأنها قسّمت العالم إلى أخيار وأشرار، واستغلت أحداث سبتمبر لإشعال الحروب على جبهات متعددة في الخارج، والتأسيس «لمبادئ قمعية متصلبة» في الداخل.
اليوم، وبعد الهجوم الإرهابي الدموي على باريس يحقُ لنا أن نرفع الصوت في وجه أولئك الذين اختطفوا صورتنا وشوّهوا حضارتنا، وروّعوا العالم باسم ديننا، وأن نقول لهم: إن إرهابكم الأعمى «ليس باسمنا».
نحن في صفّ الضحايا الذين سقطوا في شوارع ومسارح ومطاعم باريس، مثلما نحن في صفّ كل الضحايا الذين سقطوا في الشوارع والمساجد والأسواق في بلداننا من الأحساء والقطيف والدمام وعسير ونجران، حتى مصر وبيروت، وفي كل مكان يسقط فيه مدنيون مسالمون، أو يُعتدى فيه على الأمن والاستقرار.
الغرب لديه القوة والقدرة والعمق الحضاري الذي يمكّنه من النهوض ونفض آثار الدمار، لكننا نحن الضحايا، الذين يستحقون الشفقة، فقد ضيّق هؤلاء بثقافتهم المريضة، وبالفكر الجاحد المتطرف الذي ينتمون إليه، الحياة في وجوهنا، وحولونا؛ شعوبًا وحضارة وثقافة، إلى عبء ثقيل على كاهل الحضارات والشعوب الأخرى. صار علينا أن نتحمل كل عين تتفحص وجوهنا، وكل يدٍ تمتد لتفتش أمتعتنا، وكل جهاز يتولى فحص دمائنا وأفكارنا وهوياتنا.. حوّلونا إلى ضيف ثقيل على أعتاب الشعوب المتقدمة، ونحن في أمس الحاجة إلى منتجات الأمم الأخرى؛ علمًا وفنًا وصناعة وإنسانية.
«ليس باسمنا» ما يفعلون، لكننا مسؤولون عن هذه النبتة الخبيثة كيف بُذرت وسُقيت ورُعيت واشتّد عودها، ونحن (كما العالم الحرّ) مسؤولون عن اجتثاثها؛ فكرًا وثقافة وسلوكًا.
كل يوم يبرهن لنا هؤلاء كم هو خطير ومدمر الفكر المتوحش الذي يعتنقونه، لكننا لا نزال نفعل القليل في مجابهة هذا الفكر وتنظيف تراثنا من الإقصاء والتطرف والنظر للعالم المختلف بعدوانية وشراسة. تأخرنا كثيرًا في فتح الأبواب والنوافذ أمام التنوير والحداثة، وهما المضادان الحيويان للانغلاق والتحجر والتطرف، ولا مناص من خوض هذه المعركة، لأنها سبيلنا الوحيد للولوج نحو المستقبل.
«ليس باسمنا»..!
«ليس باسمنا»..!
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة