الأيام الأخيرة تكون دائما الأصعب بالنسبة للمتابعين والأكثر تحديا بالنسبة للمصممين. بعد عدة أيام من العروض المتتالية على مدار الساعة، ليس هناك من مهرب من التعب، الذي قد يولد الشعور بحالة من الشبع، أو بالأحرى التخمة وعمى الألوان، وهذا يعني، بالنسبة للمصممين، أن عليهم أن يزيدوا من جرعة التشويق والإبداع حتى يهونوا التعب ويوقظوا الحواس، وهذه عملية ليست سهلة بالنظر إلى حجم المنافسة. يوم الاثنين الماضي، لم يكن هنا أي خطر من كل هذا على إيلي صعب؛ فالكل تابع حفل توزيع جوائز الأوسكار مساء يوم الأحد، ولا حديث لهم سوى فستان أنجلينا جولي، الذي يحمل بصماته وكأنه فاز بالأوسكار، في مشهد يستحضر اللحظة التي فازت فيها النجمة السمراء هالي بيري بالجائزة منذ أكثر من عقد من الزمن، في فستان من تصميمه، لتطلق اسمه إلى العالمية.
أنجلينا جولي، سواء فازت أو لم تفز بالجائزة فهي مكسب لكل مصمم. آخر حفل توزيع لجوائز الأوسكار حضرته كان في عام 2012، وهو تاريخ لا ينسى بسبب صورة التقطت لها في فستان أسود من دار فرساتشي بفتحة عالية، زادته حركة جريئة بساقها، إثارة، ما جعل الصورة تتداول في كل وسائل الإعلام، وتحصل على نسبة عالية من التعليقات والدعاية المجانية؛ لأن هذه الصورة أصبحت شبه أيقونية، فإنه كان من الصعب أن تمَّحي من الذاكرة سوى بلقطة مماثلة أو تصميم أجمل، وهو ما أدركته النجمة، فقررت أن لا تكرر نفسها، بل تفاجئ المتابعين لحفل الأوسكار بفستان لا يحتاج منها إلى أي مساعدة لكي يتألق ويشد الأنظار.
لهذا كله، كان الحضور في حدائق التويلريز مستبشرين قبل العرض، ويتوقعون تشكيلة سخية بالبريق والفخامة. ما زاد من قوة هذا الإحساس أن الورق الذي وزعه المصمم على الضيوف جاء فيه أن الفخامة هي عنوان تشكيلته.
بدأ العرض، وتلاشت صورة أنجلينا جولي، لتحل محلها صورة امرأة راقية نقابلها دائما في عروضه. فكل إطلالة كانت تذكرنا بوصفة نستعذبها ولا يرى المصمم حاجة إلى تغييرها، بشكل جذري على الأقل. نعم، قد يجري عليها تغييرات بسيطة، أو يضفي عليها تفاصيل مبتكرة في بعض الأجزاء، لكنها تبقى دائما مخلصة للأساس؛ فقد كانت هناك مثلا فساتين بفتحات جانبية عالية، كما لم يغب التطريز الذي غطى مجموعة أخرى إلى جانب تصاميم تكشف جزءا من الأكتاف أو مجموع الظهر، أو تحدد الخصر. ورغم أن قوته تكمن عادة في فساتين السهرة، فإن أزياء النهار تنافست بقوة في هذه التشكيلة لكي تحصل على مكانة راوغتها من قبل، إلى حد القول إن المعاطف والتايورات والفساتين القصيرة والإكسسوارات سرقت الأضواء في الكثير من الأحيان.
حسبما شرح المصمم، فقد اختار «فخامة داكنة» عنوانا لهذه التشكيلة، مضيفا أنه استوحاها من أعمال الفنان مارك روثكو، ما يفسر درجات ألوانها الغامقة والمتدرجة أحيانا. لكن تأثير روثكو لم يدم طويلا، إذ تلاشى بعد ظهور العارضات في مجموعة فساتين بأطوال مختلفة، مطبوعة بالورود على أرضية سوداء، خففت من توهج ألوانها، لينهي العرض بمجموعة أكثر درامية، كانت فيها الإطلالة بلون واحد من الرأس إلى أخمص القدمين، هي الغالبة. وهي إطلالة يميل إليها المصمم، وأصبحت حاضرة في كل عروضه تقريبا، خصوصا عندما يضفي إليها لمساته الخاصة التي تنجح في إكسابها المزيد من الجمال وليس التجديد فحسب. الملاحظ هذه المرة أنه رغم استعماله أقمشة مترفة متنوعة، فإن المخمل كان لافتا بدفئه وأنوثته كما بفخامته. وهي فخامة زادت جرعتها في معاطف بياقات من الفرو، ظهرت أيضا بألوان شهية فوق فساتين وتايورات، كما في فساتين قصيرة، من دون أن ينسى المصمم أن يطرحها بحقائب يد بجلود لا تقل ترفا، حتى تكتمل الصورة التي رسمها للمرأة في ذهنه. بيد أن الجميل في هذه التشكيلة، أنها رغم بريقها وفخامتها، ليست منسلخة عن الواقع، بل على العكس، تخاطب امرأة تعيش حياتها بالكامل، بكل مسؤولياتها ومتعها. امرأة تريد أزياء قوية وديناميكية وفي الوقت ذاته لا تتنكر لأنوثتها أو تتملص منها. وهذا ما يعرفه إيلي صعب، ويتقنه جيدا. فكما يعرف أن المرأة العصرية تريد أن تتألق في كل المناسبات اليومية، فهو يعرف، أكثر من أي مصمم، أن النهار لا يكتمل من دون ليل، عدا أن قوته تزيد عندما تغرب الشمس، لهذا أنهى العرض بمجموعة مطرزة بسخاء، كلها بدرجات غامقة تتباين بين الأحمر والأخضر الزمردي وطبعا الأسود.
إيلي صعب.. فخامة الفرو والمخمل في أسبوع باريس للأزياء
بين تأثير الفنان مارك روثكو ووصفته الدائمة
إيلي صعب.. فخامة الفرو والمخمل في أسبوع باريس للأزياء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة