«فيينا 2» أمام تمسّك طهران وموسكو بأولوية «محاربة الإرهاب» والتعويل على موقف «أصدقاء سوريا»

خبير: ما بعد سقوط الطائرة الروسية ليس كما قبله.. والحلّ السياسي بات مطلبًا لبوتين أكثر من أي وقت

مواطن سوري يقود سيارته شبه المحطمة ومعه ولده في مدينة دوما، أحد معاقل المعارضة في ضواحي العاصمة السورية دمشق (أ.ف.ب)
مواطن سوري يقود سيارته شبه المحطمة ومعه ولده في مدينة دوما، أحد معاقل المعارضة في ضواحي العاصمة السورية دمشق (أ.ف.ب)
TT

«فيينا 2» أمام تمسّك طهران وموسكو بأولوية «محاربة الإرهاب» والتعويل على موقف «أصدقاء سوريا»

مواطن سوري يقود سيارته شبه المحطمة ومعه ولده في مدينة دوما، أحد معاقل المعارضة في ضواحي العاصمة السورية دمشق (أ.ف.ب)
مواطن سوري يقود سيارته شبه المحطمة ومعه ولده في مدينة دوما، أحد معاقل المعارضة في ضواحي العاصمة السورية دمشق (أ.ف.ب)

تحاول كل من إيران وروسيا، قبل أيام قليلة من موعد انعقاد الجولة الثانية من مباحثات فيينا المزمع عقدها السبت المقبل، التأكيد على أنّ الأولوية هي لموضوع الإرهاب في سوريا وتحديدا لـ«تحديد قوائم التنظيمات الإرهابية». وفي حين يرى البعض أنّ موقف موسكو قبل سقوط الطائرة الروسية في سيناء لن يكون كما قبله، تؤكّد المعارضة أن «دول (أصدقاء سوريا) تحاول الدفع بالحلّ السياسي نحو الأمام والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار»، وفق ما أشار إليه أمين عام «الائتلاف الوطني السوري» محمد يحيى مكتبي.
هذا، وبينما لا يزال «الائتلاف» رافضا الحوار مع موسكو في ظل استمرار الحملة العسكرية التي تشنّها على سوريا وتستهدف فصائل من «الجيش السوري الحر»، أعلنت وزارة الخارجية الروسية عن لقاء، هو ليس الأول من نوعه، جمع في موسكو نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف مع هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي. وقال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إن بلاده سبق أن أطلعت شركاءها في الملف السوري على «لائحتنا للمنظمات الإرهابية»، وتنتظر أن تؤول جولة مباحثات جديدة إلى «لائحة موحدة لإزالة المشكلات بخصوص من يقصف من ومن يدعم من».
ولكن، يوم أمس، قال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير: «ليس هناك ما يدعو إلى التفاؤل» بشأن نتيجة الاجتماع الدولي حول سوريا الذي سيعقد السبت في فيينا بهدف وقف دوامة العنف. وأوضح خلال مداخلة في العاصمة الألمانية برلين أمام مؤسسة «كوربر» أن «السعي إلى إنهاء دوامة العنف والفوضى المتناميين هو الهدف، حتى وإن كنا لا نضمن أننا سنتوصل إلى ذلك».
في حديثه لـ«الشرق الأوسط» قال مكتبي: «روسيا وإيران تحاولان بتركيزهما على موضوع محاربة الإرهاب الدفع بالمقولة التي لطالما تبناها النظام السوري بقوله إنه يحارب التنظيمات الإرهابية بوضعه كل الشعب السوري ومن يعارضه تحت هذه الخانة. وهذا ما كان واضحا من خلال ادعاء موسكو أنّها تحارب تنظيم داعش بينما طائراتها تستهدف فصائل الجيش الحر. وهي بذلك تحاول القضاء على المعارضة المعتدلة لوضع المجتمع الدولي أمام خيارين اثنين هما: (داعش) والنظام».
وبينما رأى مكتبي أن المشاركة الإيرانية والروسية في لقاءات فيينا «تضع المطبات أمام الوصول إلى نتائج إيجابية»، أشار إلى أنّه بناء على اللقاءات التي عقدتها المعارضة مع ممثلين عن دول التي شاركت في اجتماع فيينا الأول وستشارك في الاجتماع الثاني، «ثمة تأكيد أن (أصدقاء سوريا)، على رأسهم الجانب الأميركي، يشددون على أهمية الدفع بالحل السياسي نحو الأمام، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار وبحث آليات تنفيذه، وعدم إضاعة الوقت بأمور أخرى».
في ظل هذه المعطيات يعتبر الباحث السياسي وأستاذ العلاقات الدولية اللبناني الدكتور سامي نادر أنّ «ما بعد سقوط الطائرة الروسية في سيناء ليس كما بعده»، متوقعا أن ينعكس «هذا الحدث الأمني الخطير» على المواقف الروسية في مباحثات فيينا المقبلة. وقال نادر لـ«الشرق الأوسط»: «بعدما بات شبه مؤكد أن إسقاط الطائرة الروسية كان نتيجة عمل إرهابي ما عاد ممكنًا تجاهل هذا الأمر. وبالتالي بات السؤال اليوم: كيف يمكن أن ينعكس هذا التحوّل على سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟ هل يتّجه نحو مزيد من التشدّد والإرادة في حسم المعركة عسكريًا، أم أنه سيعيده إلى أرض الواقع ويخفّف من زخم القيصر لتقرّبه أكثر من التحالف الدولي على قاعدة المسارعة في التوصّل إلى تسوية سياسية ولا سيما في ما يتعلّق بالخلاف القائم حول المرحلة الانتقالية والقبول بتقصيرها إلى ستة أشهر؟».
ويرى نادر أنّ كلام وزيري الخارجية الروسية والإيرانية سيرغي لافروف ومحمد جواد ظريف حول التأكيد على أولوية «تحديد قوائم التنظيمات الإرهابية» الذي ورد أخيرًا «لا يصرف في مكان ولا يعبّر عن الموقف الصريح للدولتين، ولا سيما موسكو التي أعلن عدد من مسؤوليتها عن عدم تمسكّهم بالأسد إلى الأبد، وأن مصيره يحدّده الشعب السوري». واعتبر أنّ سقوط الطائرة الروسية «أربك موسكو التي لم تعد الأمور لصالحها، وباتت أكثر من غيرها على عجلة من أمرها للتوصل إلى حلّ سياسي سعت إليه منذ اتخاذ قرارها بالتدخل العسكري».
وأضاف نادر: «كان لافتا ما سبق أن أعلنه المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، لجهة أنّ تقسيم سوريا ليس من مصلحة أحد، لكنه قد يصبح أمرا واقعا إذا لم يتم التوصل إلى نتائج في المباحثات، وبالتالي فإن وضع موسكو للشروط التعجيزية سيؤدي ومن دون أدنى شك إلى تكريس التقسيم الذي هو من مصلحة روسيا أيضا».
وعلى الخط التركي، يعتبر نادر أنّ نتائج الانتخابات الأخيرة «أطلقت يد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بعدما كانت مكبّلة خلال الأشهر الماضية، وهذا سينعكس بدوره على الملف السوري الذي هو أولوية بالنسبة إلى أنقرة ولها فيه دور أساسي».
وكان اجتماع فيينا الأول قد عقد في نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بين ممثلين عن 17 دولة بينها الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وإيران في اجتماع في محاولة لرسم معالم عملية انتقال سياسي في سوريا. وصدر بيان دعا إلى إجراء انتخابات بإشراف الأمم المتحدة وحث على توسط الأخيرة للتوصل إلى اتفاق سلام.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.