لاري كينغ في التلفزيون الروسي يثير ضجة في أميركا

البعض اتهمه بـ«الخرف» وآخرون بـ«العودة إلى أصله»

لاري كينغ في التلفزيون الروسي يثير ضجة في أميركا
TT

لاري كينغ في التلفزيون الروسي يثير ضجة في أميركا

لاري كينغ في التلفزيون الروسي يثير ضجة في أميركا

يبدو أن كثيرا من الأميركيين والمعجبين بلاري كينغ، صاحب أشهر برنامج مقابلات في التلفزيون الأميركي (وربما في العالم)، لم يكونوا يعرفون أنه صار يقدم برنامج مقابلات في تلفزيون «آر تي» الروسي. مؤخرا، بعد انتشار الخبر، ازدحمت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات وسط الأميركيين. وكلها، تقريبا، سلبية.
كتب واحد: «ربما خرف الرجل». وكتب ثان: «منذ البداية، لم أصدق إخلاصه للولايات المتحدة». وكتب ثالث: «هو نفسه قال إنه يفتخر بخلفيته كيهودي روسي أرثوذوكسي».
غير أن أكثر الهجوم جاء من منظمات وجمعيات جمهورية ويمينية ظلت ترى أن كينغ ليس إلا اشتراكيا، إن لم يكن شيوعيا.
في بداية القرن العشرين، هاجر والدا كينغ إلى الولايات المتحدة من روسيا. وولد كينغ (81 عاما) في نيويورك، وتربى، باعترافه، في عائلة يهودية أرثوذكسية. ويظل حتى اليوم يفتخر بذلك.
غير أن عمله مع تلفزيون «آر تي» (كان اسم البرنامج «رشا توداي»، روسيا اليوم، ثم اقتصر على الحرفين الأولين من الكلمتين)، أثار كثيرا من الاستغراب وسط الأميركيين. خاصة لأنه، قبل فترة وجيزة، استقال صحافيون وصحافيات أميركيون من مكتب تلفزيون «آر تي» في واشنطن. وقالوا إنه ليس محايدا. وإنه ليس إلا واحدا من أدوات الدعاية الروسية.
في الأسبوع الماضي، في مقابلة مع صحافية «غارديان» البريطانية، في مقر التلفزيون الروسي في لندن، دافع كينغ عن التلفزيون. وقال: «لم يحذفوا أي شيء من البرنامج الذي أقدمه». وأضاف: «مرات كثيرة، نشير إلى الرئيس الروسي بوتين، ومرات ننتقده. لكن، لم يحذفوا أي شيء من هذا».
قدم كينغ برنامج المقابلات في تلفزيون «سي إن إن» لأكثر من 25 سنة. قبل ذلك، قدم برنامج مقابلات إذاعية ليلية لعشرين عاما. وتزوج ثماني مرات. وكتب عشرة كتب.
رغم شهرة اسم «لاري كينغ»، كان اسمه الأصلي يهوديا «لورنس زايغار». عندما وصل عمره إلى 24 سنة. غير اسمه بعد أن بدأ يقدم، قبل برنامج المقابلات الإذاعية، برنامجا موسيقيا في إذاعة «دبليو إيه اتش آر» في ميامي (ولاية فلوريدا).
كتب كينغ، في كتاب مذكراته، أنه غير اسمه حسب رغبة مدير الإذاعة الذي قال له إن اسم «زايغار» «صعب النطق، ويهودي، وربما لا يكسب كثيرا من المستمعين».
قبل أن يقدم البرنامج الموسيقي في إذاعة فلوريدا (كان عمره 22 عاما)، عمل مساعدا في استوديوهات الإذاعة، ينظف المكان، ويرتب الأسطوانات، ويحضر القهوة والساندويتشات للمذيعين والموسيقيين.
بعد عامين، استقال مقدم برنامج منوعات غنائية صباحية. وطلب مدير الإذاعة من كينغ تقديم البرنامج حتى يعثر على مذيع محترف. لكن، برهن كينغ أنه مذيع حقيقي، ونال إعجاب مدير الإذاعة، وأصبح مقدم البرنامج الرسمي. ومن هناك انتقل إلى برنامج ليلي. ثم إلى تلفزيون «سي إن إن».
قابل كينغ، في برنامجه، ملوكا ورؤساء، وصنعت بعض المقابلات التاريخ. مثل مقابلته مع روس بيرو، الملياردير الذي ترشح لرئاسة الجمهورية في عام 1992 (لكنه لم يفز)، واشتهرت المقابلة لأن بيرو أعلن خلالها ترشيح نفسه. وقلده بعد ذلك مرشحون آخرون.
من الذين قابلهم: الرؤساء: فورد، كارتر، بوش الأب، بوش الابن. ومرات كثيرة، صديقه كلينتون. والرئيس الروسي الأسبق غورباتشوف، ورئيسة وزراء بريطانيا السابقة ثاتشر، ومونيكا لونسكي، عشيقة الرئيس السابق كلينتون، والمغنية مادونا، والمغني فرانك سناترا، ولاعب كرة السلة مايكل جوردون، والزعيم الأسود المسلم مالكولم إكس (في الإذاعة).
لم ينجح كينغ في كل جانب من جوانب حياته. واجه، عندما كان شابا في فلوريدا، اتهامات بالرشوة والتزوير. وسجن لفترة قصيرة.
ولم ينجح في العيش مع زوجاته لفترات طويلة. تزوج ثماني مرات من ست نساء (تزوج واحدة، ثم طلقها، ثم تزوجها، بعد واحدة أخرى):
- «فرادا»، صديقته البريئة في المدرسة الثانوية (أربعة أعوام).
- «الين»، أجملهن، وكانت «فتاة الغلاف» في مجلة «بلاي بوي» التي تخصصت في نشر صور الجميلات العاريات (عامين).
- «مايكي»، موظفة الإذاعة الهادئة (أربعة أعوام).
- «فتاة الغلاف» مرة أخرى (أربعة أعوام).
- «شارون» الأرستقراطية (ثمانية أعوام).
- «مايكي»، مرة أخرى (أقل من عام).
- «جولي» المناكفة التي فضلت أن تعيش في مدينة غير مدينته (عامين).
- «شون» مغنية ومقدمة برامج فنية (عشرة أعوام، حتى الآن. تفتخر بأنها أطول زوجاته عمرا معه).
جانب آخر غير مستقر في حياته: علاقاته مع أولاده وبناته:
تخاصم مع بنته «كيلي» التي انتسبت لوالد آخر. ولم يسلم من الإشاعات عن علاقات غرامية. وضرب زوجاته، وشتمهن. وعن استكباره وتعاليه.
لكن، بدا انتقاله من التلفزيون الأميركي إلى التلفزيون الروسي يثير نقدا وسط الأميركيين. وربما سيؤثر على سمعته: «ملك المقابلات التلفزيونية».



شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.