نظام الأسد يفشل في تحقيق تقدم استراتيجي منذ بدء الغارات الروسية

إنجازه الوحيد في مناطق خارج نطاق عمليات موسكو.. وضعف عدده البشري لم يسعفه لمواكبة الضربات

عنصر من كتائب {فرسان الحق} يطلق النيران من مدرعة أميركية الصنع في إحدى قرى ريف حلب أمس (أ.ب)
عنصر من كتائب {فرسان الحق} يطلق النيران من مدرعة أميركية الصنع في إحدى قرى ريف حلب أمس (أ.ب)
TT

نظام الأسد يفشل في تحقيق تقدم استراتيجي منذ بدء الغارات الروسية

عنصر من كتائب {فرسان الحق} يطلق النيران من مدرعة أميركية الصنع في إحدى قرى ريف حلب أمس (أ.ب)
عنصر من كتائب {فرسان الحق} يطلق النيران من مدرعة أميركية الصنع في إحدى قرى ريف حلب أمس (أ.ب)

أعاد تقدم الفصائل الإسلامية وقوات المعارضة السورية الحليفة لها في شمال غرب محافظة حماه، أمس، التوزّع الميداني لقوى المعارضة وقوات نظام الرئيس السوري بشار الأسد في المنطقة إلى نقطة الصفر، وذلك بعد أكثر من شهر على بدء الضربات الروسية التي تخطّت 1500 غارة جوية، بينما أحرزت قوات النظام المدعومة بالميليشيات المساندة لها تقدمًا في الجنوب، وهي المناطق غير المدرجة ضمن نطاق عمليات الطائرات الروسية.
قوات نظام بشار الأسد أخفقت في تحقيق تقدم استراتيجي في شمال سوريا، على الرغم من الضربات الجوية الروسية التي استهدفت مستودعات الذخيرة، ومقرات القيادة والسيطرة، ومباني أخلاها مقاتلو المعارضة، منذ إعلان موسكو انخراطها بالحرب السورية في 30 سبتمبر (أيلول) الماضي إلى جانب نظام دمشق، لكنها حسب كلام مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» استطاعت أن تحرز تقدمًا محدودًا في ريف محافظة اللاذقية، وتقدمًا في ريف حلب الجنوبي، من غير أن تتمكن بعد من فتح طريق دمشق – حلب الدولي بمحاذاة حلب.
ويعيد عبد الرحمن الإخفاق إلى «افتقار قوات النظام إلى العدد البشري الكافي في ظل فتح عدد كبير من الجبهات، بينما استنزفته معركة جبهة أثريا – خناصر التي أطلقها تنظيم داعش، وهو ما منعه من تحقيق تقدم استراتيجي في ريف حلب الجنوبي»، فضلاً عن «تسلح قوات المعارضة، واتحاد الكتائب الإسلامية أخيرًا، وغياب الهليكوبترات الهجومية التي لم تُستخدم حتى الآن في مواكبة القوات البرية في الميدان».
من ناحية، يؤكد مصدر في تنظيم «أحرار الشام» لـ«الشرق الأوسط» أن المعارك في الشمال «أثبتت أن الضربات الجوية لا يمكن أن تحسم المعركة على الأرض»، موضحًا أن «أوامر صارمة أصدرتها غرفة عمليات (جيش الفتح) مع بدء الضربات الروسية، قضت بإخفاء تحركاتنا وتوزيع القوات وإخلاء المباني، إضافة إلى التمويه وتغيير مستودعات الذخيرة»، بينما «يُعاد تجميع القوات ضمن خطط محكمة للتصدّر البرّي لأي محاولة تقدم تنفذها قوات النظام، لإعادة السيطرة على مناطق تقدموا فيها». وحسب المصدر فإن «الضربات الجوية لم تؤثر على تحفيز قوات النظام على التقدم، أو تأخير حركتنا العسكرية»، مشيرًا إلى أن الضربات الروسية «لم تؤذِ إلا المدنيين».
وإذ أكد المصدر «استعادة السيطرة على كامل المناطق التي تقدمت فيها قوات النظام في ريف حماه الجنوبي – الغربي»، أوضح أن التقدم في ريف محافظة حماه الشرقي الشمالي «ليس استراتيجيًا، وقد تمكنّا من استعادة السيطرة على تل سكسك وعطشان».
عودة إلى عبد الرحمن، الذي يشرح أن النظام «خسر نقطة هامة هي بلدة مورك بفضل تضافر قوات (جند الأقصى) و(جند الشام) و(أحرار الشام»، وهي بلدة استراتيجية كان يسيطر عليها النظام قبل الضربات الروسية، بينما أحرز تقدما طفيفا في البحصة ومزارع المنصورة بريف حماه الشمالي». وتابع: «من الناحية الاستراتيجية، لم تمنع الضربات الروسية قوات المعارضة والفصائل الإسلامية من شن هجمات، ولم يحقق النظام تقدمًا يمكن أن يستثمره استراتيجيًا، ولم يساعد في إعادة وصل مناطق بعضها ببعض كما كان يخطط». واستطرد قائلاً إن «الهجوم في ريف حلب الجنوبي، حيث يبقى عالقًا حتى الآن في معقل جبهة النصرة في قرية الحاضر، يسعى من خلاله النظام إلى الوصول إلى ريف محافظة إدلب، بعد فشل التقدم عبر جسر الشغور».
وبالفعل، أكد المصدر القريب من «أحرار الشام» أن قوات النظام «حققت تقدمًا كبيرًا في ريف محافظة حلب الجنوبي، ويكاد يكون الوحيد في الشمال، حتى وصلت إلى أحياء في بلدة الحاضر، لكنها لم تتمكن بعد ذلك من استكمال تمدّدها، بسبب المقاومة العنيفة»، مشيرًا إلى أن التقدم الآخر للنظام «حصل على تلال وقرى صغيرة في ريف محافظة اللاذقية، لكنه لم يستطع استعادة السيطرة على كامل تلة النبي يونس الاستراتيجية، ولا على مصيف سلمى، وهي مناطق استراتيجية، تصدت له فيها قوات تابعة في الفرقة الأولى الساحلية وغيرها من المقاتلين»، في إشارة إلى استعادة السيطرة على جب الأحمر وغمام ونقاط مرتفعة محدودة.
ووفق المصدر المعارض فإن التقدم النظامي في ريف حلب الجنوبي «يعود إلى انسحابات تنظيم داعش في مناطق متداخلة مع جبهة النصرة وأحرار الشام بين ريفي محافظتي حلب وحماه، إضافة إلى طبيعة الأرض الوعرة والمناطق الزراعية الشاسعة»، بيد أنه أشار إلى أن الجبهة في ريف إدلب الجنوبي «صامدة، بعد فشل محاولات تقدم، ويمكن القول إن النظام لم يتقدم على أي نقطة في ريف إدلب والمناطق الممتدة عبره إلى ريف حماه الشمالي».
أما في محافظة حمص فلم يسجل أي تقدم استراتيجي، بحسب عبد الرحمن، إلى جانب «خسارة النظام بلدة مَهين أمام تقدم تنظيم داعش إليها» في جنوب شرق المحافظة. كذلك في الريف الشرقي لمحافظة حلب، حيث لم يسجل أي تقدم ملموس. وفي المقابل، قال عبد الرحمن إن المناطق التي أحرز النظام فيها تقدمًا ملموسًا وهامًا هي خارج نطاق الضربات الروسية، وتقع في جنوب سوريا، في محافظتي القنيطرة ودرعا. وبينما فشل هجوم النظام في الغوطة الغربية بضواحي العاصمة دمشق، نجح في استعادة بعض النقاط المحدودة على جبهة حرستا وضاحية الأسد في الغوطة الشرقية، خلال الأيام القليلة الماضية، بينما حققت قوات «سوريا الديمقراطية» في شمال شرقي البلاد تقدمًا على جبهة «داعش» في الحسكة، بفضل دعم طائرات التحالف الدولي.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».