قتال عنيف يهز أفريقيا الوسطى.. ويخلف عشرات المصابين

مقتل نحو 30 شخصًا خلال 3 أيام من الاشتباكات الطائفية في بانغي

رجال إسعاف يقومون بنقل مصاب إلى المشفى العام في بانغي إثر اشتباكات طائفية شهدتها المدينة أمس (أ.ف.ب)
رجال إسعاف يقومون بنقل مصاب إلى المشفى العام في بانغي إثر اشتباكات طائفية شهدتها المدينة أمس (أ.ف.ب)
TT

قتال عنيف يهز أفريقيا الوسطى.. ويخلف عشرات المصابين

رجال إسعاف يقومون بنقل مصاب إلى المشفى العام في بانغي إثر اشتباكات طائفية شهدتها المدينة أمس (أ.ف.ب)
رجال إسعاف يقومون بنقل مصاب إلى المشفى العام في بانغي إثر اشتباكات طائفية شهدتها المدينة أمس (أ.ف.ب)

اندلع قتال عنيف بين ميليشيات وقوات حفظ السلام، التابعة للأمم المتحدة في جمهورية أفريقيا الوسطى، أمس وذلك في الوقت الذي عادت فيه الرئيسة كاثرين سامبا - بانزا مبكرا من جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة في محاولة لإنهاء العنف المستمر منذ أيام، والذي سقط فيه 37 قتيلا على الأقل.
وقالت مصادر في المطار إن «سامبا - بانزا، التي تلقي باللوم على الرئيس المخلوع فرنسوا بوزيز في إذكاء العنف، ظلت في المطار لدى وصولها إلى بانجي بعد إغلاق الطريق المؤدي إلى قصر الرئاسة، جراء الاشتباكات بين ميليشيا الدفاع الذاتي (إنتي بالاكا) المسيحية، وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة».
وأبلغ شهود عيان من «رويترز» عن إطلاق عنيف للنيران في العاصمة، وقالوا إن «طائرتي هليكوبتر من مهمة حفظ السلام الفرنسية، المعروفة باسم (سانجاريس)، حلقتا في دوائر قرب المطار، وأطلقتا النار على مقاتلي الميليشيا».
من جهتها، قالت الرئيسة إن «الاضطرابات يذكيها سياسيون يسعون لاستغلالها، ومنهم بوزيز الذي أطيح به من السلطة على أيدي متمردي سيليكا المسلمين في عام 2013». وأضافت لقناة «فرنسا 24» التلفزيونية في إشارة إلى بوزيز «نحن نعرف العناصر التي تؤجج الأوضاع، والتي تحرك وتغذي هذه الاضطرابات على الأرض.. نعرف أن شخصيات كبيرة سابقة في جمهورية أفريقيا الوسطى ترغب في العودة إلى السلطة».
ويقول مسؤولو الأمم المتحدة إن «العنف أدى إلى تشريد أكثر من 27 ألف شخص، بينما تم تعليق الرحلات الجوية الدولية، وتعرضت مكاتب المنظمات الإنسانية للنهب». كما قالت منظمة أطباء بلا حدود إنها «عالجت أكثر من 100 شخص منذ السبت، معظمهم بسبب إصابتهم بأعيرة نارية وجروح ناجمة عن أسلحة بيضاء».
وأثار أسوأ تفجر للعنف هذا العام المخاوف بين المسؤولين بالأمم المتحدة من أن يؤثر على التقدم الذي تحقق في مجال استقرار الأوضاع بالبلاد، وذلك قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. فيما يقول «دبلوماسيون غربيون إن من المرجح تأجيل الانتخابات لمدة شهر على الأقل».
وكانت رئيسة جمهورية أفريقيا الوسطى قد غادرت الأمم المتحدة مبكرا بسبب العنف في بانجي، إذ قال دبلوماسيان غربيان: إن «كاثرين سامبا بانزا أنهت مشاركتها في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة أول من أمس لتعود إلى بلدها بسبب أسوأ أعمال عنف هذا العام في العاصمة بانجي»، إذ قال دبلوماسي «لقد غادرت نيويورك للعودة إلى أفريقيا الوسطى بسبب الوضع الأمني هناك».
ويقول مراقبون إنه «قتل نحو 30 شخصا وأصيب العشرات في 3 أيام من الاشتباكات الطائفية في المدينة، التي يتولى تأمينها جنود لحفظ السلام من الأمم المتحدة وفرنسا، وقد أثار العنف في بانجي مخاوف من احتمال الإطاحة بسامبا بانزا».
وفي وقت سابق هرب مئات السجناء من السجن الرئيسي في بانجي، وأطلق جنود من قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام طلقات تحذيرية لتفريق آلاف المحتجين، الذين كانوا يطالبون بإعادة تسليح الجيش. وقتل شخص واحد على الأقل.
وبدأت الاشتباكات يوم السبت عندما أثار مقتل رجل مسلم أعمالا انتقامية من جانب مسلمين في حي مسيحي، وهجمات من عصابات مسلحة على مدنيين.
وفي نيويورك أدان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومجلس الأمن الدولي أحداث العنف في البلاد، إذ قال المكتب الصحافي للامين العام في بيان إن بان «يدين بشدة جميع أعمال العنف ويدعو إلى نهاية فورية للعنف غير المقبول والهجمات الانتقامية»، مضيفا أن «الأمين العام للأمم المتحدة يحث السلطة الانتقالية في جمهورية أفريقيا الوسطى على بذل كل ما في وسعها لمنع وقوع المزيد من العنف».
كما قال مجلس الأمن في بيان إنه «سيبقى مستعدا لإصدار قائمة سوداء بأسماء الأفراد والكيانات الذين يقوضون السلام والاستقرار في البلاد».



الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
TT

الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)

في وقت تسحب فرنسا قواتها من مراكز نفوذها التقليدي في الساحل وغرب أفريقيا، وتبحث عن شركاء «غير تقليديين»، يحتدمُ الجدل في نيجيريا حول السماح للفرنسيين بتشييد قاعدة عسكرية في البلد الأفريقي الغني بالنفط والغاز، ويعاني منذ سنوات من تصاعد وتيرة الإرهاب والجريمة المنظمة.

يأتي هذا الجدل في أعقاب زيارة الرئيس النيجيري بولا تينوبو نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى فرنسا، والتي وصفت بأنها «تاريخية»، لكونها أول زيارة يقوم بها رئيس نيجيري إلى فرنسا منذ ربع قرن، ولكن أيضاً لأنها أسست لما سمّاه البلدان «شراكة استراتيجية» جديدة.

وتمثلت الشراكة في اتفاقيات تعاون هيمنت عليها ملفات الطاقة والاستثمار والمعادن، ولكنّ صحفاً محلية في نيجيريا تحدّثت عن اتفاقية تسمحُ للفرنسيين بإقامة قاعدة عسكرية داخل أراضي نيجيريا، وذلك بالتزامن مع انسحاب القوات الفرنسية من دول الساحل، خصوصاً تشاد والنيجر، البلدين المجاورين لنيجيريا.

لا قواعد أجنبية

ومع تصاعد وتيرة الجدل، تدخل الجيش النيجيري ليؤكد أن ما يجري تداوله بخصوص «قاعدة عسكرية» أجنبية فوق أراضي نيجيريا مجرد «شائعات»، نافياً وجود خطط للسماح لأي قوة أجنبية بإقامة قاعدة عسكرية في نيجيريا.

وتولّى قائد الجيش النيجيري، الجنرال كريستوفر موسى، بنفسه مهمة الرد، فأوضح أن «زيارة الرئيس بولا تينوبو الأخيرة إلى فرنسا، وُقِّعت خلالها عدد من الاتفاقيات الثنائية، لم تشمل السماح بإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في نيجيريا».

وكان قائد الجيش يتحدّث خلال حفل عسكري بمقر وزارة الدفاع في العاصمة أبوجا، بمناسبة تغيير شعار القوات المسلحة النيجيرية، وقال إنه يوّد استغلال الفرصة لتوضيح ما جرى تداوله حول «قاعدة عسكرية أجنبية» في نيجيريا. وقال: «لقد أوضح الرئيس بشكل لا لبس فيه أن ما تم توقيعه هو اتفاقيات ثنائية تتعلق بالتجارة، والثقافة، والتقاليد، والتعاون، والاقتصاد، ولا وجود لأي شيء يتعلق بقاعدة عسكرية أجنبية».

وأوضح الجنرال موسى أن الرئيس تينوبو «يدرك تماماً عواقب مثل هذا القرار، ويعلم أن من واجبه حماية نيجيريا، ومن ثم، لن يسمح مطلقاً لأي قوة أجنبية بدخول نيجيريا»، ولكن قائد الجيش أكد: «سنستمر في التعاون بشكل ثنائي من خلال التدريب المشترك وإرسال ضباطنا كما هو معتاد، ولكن إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية في نيجيريا ليس ضمن خطط الرئيس».

كراهية فرنسا

ورغم تصريحات قائد الجيش، فإن الجدل لم يتوقف؛ حيث عَبَّر «تحالف جماعات الشمال»، وهو هيئة سياسية ناشطة في نيجيريا، عن إدانته قرار السماح للعسكريين الفرنسيين بدخول أراضي نيجيريا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين انتقد بشكل لاذع عقد شراكة مع فرنسا.

وقال التحالف: «إن القرار يتعلق باتفاقية ثنائية جرى توقيعها بين نيجيريا وفرنسا تمنح الأخيرة وصولاً غير مقيد إلى الموارد المعدنية في نيجيريا»، وذلك في إشارة إلى اتفاقية وقعها البلدان للتعاون في مجال المعادن النادرة.

المنسق الوطني لتحالف جماعات الشمال، جميل علي تشارانشي، اتهم الرئيس تينوبو بالسعي نحو «تسليم سيادة نيجيريا إلى فرنسا، والتغطية على ذلك بمبررات مضللة»، ثم وصف ما يقوم به تينوبو بأنه «مناورة دبلوماسية مكشوفة».

الناشط السياسي كان يتحدث بلغة حادة تجاه فرنسا؛ حيث وصفها بأنها «دولة عدوانية؛ تدعم وتمول تفكيك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)»، قبل أن يحملها مسؤولية «جو الحرب الذي تعيشه منطقة غرب أفريقيا».

وخلُص الناشط السياسي إلى أنه مصدوم من «إمكانية أن تخضع نيجيريا، بتاريخها الفخور بالدفاع عن السيادة الأفريقية، لتأثير أجنبي، نحن نرفض ذلك، وسنعارضه بشدة»، على حد قوله.

شراكة مفيدة

الرئيس النيجيري بولا تينوبو لدى حضوره حفل تنصيب رئيس تشاد في ندامينا 23 مايو (رويترز)

في المقابل، ارتفعت أصوات في نيجيريا تدافع عن تعزيز التعاون والشراكة مع فرنسا، وعدّت الحديث عن «قاعدة عسكرية» محاولة للتشويش على الطموحات الاقتصادية للبلدين.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي النيجيري، نيكسون أوكوارا: «إن العالم يتّجه بسرعة نحو نظام متعدد الأقطاب، وإعادة صياغة التحالفات التقليدية، وهذا الواقع الجديد يتطلب من نيجيريا الاصطفاف مع شركاء يقدمون فوائد استراتيجية دون التنازل عن سيادتها».

وأضاف المحلل السياسي أن «فرنسا، رغم تاريخها غير الجيد في أفريقيا، فإنها تمنح لنيجيريا فرصة إعادة التفاوض على العلاقات من موقع قوة؛ حيث تواجه فرنسا معضلة تراجع نفوذها بشكل مطرد في الساحل وغرب أفريقيا».

وشدّد المحلل السياسي على أن نيجيريا يمكنها أن تربح «مزايا اقتصادية كبيرة» من الشراكة مع فرنسا، كما أكّد أنّه «مع تصاعد التحديات الأمنية في منطقة الساحل، يمكن للخبرات والموارد العسكرية الفرنسية أن تكمل جهود نيجيريا لتحقيق الاستقرار في المنطقة».

تعاون عسكري

التعاون العسكري بين فرنسا ونيجيريا عرف صعوداً مهماً عام 2016، حين وقع البلدان اتفاقية للتعاون العسكري والأمني، خصوصاً في مجالات الاستخبارات، والتدريب والإعداد العملياتي.

في الفترة الأخيرة، بدأ الحديث عن رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تعزيز هذا التعاون، وهو الذي عمل لستة أشهر في السفارة الفرنسية في أبوجا، حين كان طالباً في المدرسة الوطنية للإدارة. وبوصفها خطوة لتطوير التعاون العسكري بين البلدين، أعلن الجنرال حسن أبو بكر، قائد القوات الجوية النيجيرية، الأسبوع الماضي، أن بلاده تستعد للاستحواذ على 12 طائرة من طراز «ألفاجيت» مستعملة من القوات الجوية الفرنسية، ستتم إعادة تشغيل 6 منها، في حين ستُستخدم الـ6 أخرى مصدراً لقطع الغيار.

ورغم أنه لم تعلن تفاصيل هذه الصفقة، فإن نيجيريا أصبحت خلال السنوات الأخيرة «زبوناً» مهماً للصناعات العسكرية الأوروبية، وسوقاً تتنافس عليها القوى المصنعة للأسلحة، خصوصاً سلاح الجو الذي تراهن عليه نيجيريا لمواجهة خطر الإرهاب في غابات حوض بحيرة تشاد، أقصى شمال شرقي البلاد.