جدل في الجزائر حول عودة «الإنقاذيين» للسياسة

مدني مزراق مصر على تأسيس حزبه.. وبوتفليقة يؤكد رفضه للخطوة بموجب قانون المصالحة

جدل في الجزائر حول عودة «الإنقاذيين» للسياسة
TT

جدل في الجزائر حول عودة «الإنقاذيين» للسياسة

جدل في الجزائر حول عودة «الإنقاذيين» للسياسة

قال زعيم جماعة إسلامية مسلحة جزائرية، حلّت نفسها نهاية 1999، إنه يملك الوثائق «التي تؤكد أن السلطات تعهدت بمنحنا كل الحقوق بما فيها السياسية»، وذلك ردا على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي قال إن المتشددين الذين حملوا السلاح في تسعينات القرن الماضي لن يمكنهم ممارسة السياسة من جديد.
وأوضح مدني مزراق، قائد «الجيش الإسلامي للإنقاذ» المحل، لـ«الشرق الأوسط»، إنه أبرم اتفاقا مع جهاز المخابرات العسكرية يتناول تفاصيل «الهدنة»، التي أفضت إلى تخلي 6 آلاف من عناصر «الإنقاذ» عن السلاح، واستفادتهم من عفو رئاسي، وقال إنه يحتفظ بنسخة من الاتفاق، مشيرا إلى أنه «يتضمن نصا صريحا بأن أفراد الجناح العسكري للجبهة الإسلامية للإنقاذ يعاملون مثل كل الجزائريين من حيث الحقوق والواجبات، بما في ذلك ممارسة السياسة، كتأسيس أحزاب والمشاركة في الانتخابات».
وأوضح مزراق أن الاتفاق سبقته مفاوضات جرت عام 1997 بينه وبين «الجنرال إسماعيل»، مدير الأمن الداخلي بجهاز المخابرات آنذاك، مضيفا أنه «ليس بمقدور رئيس الجمهورية ولا أي أحد في الدولة حرماننا من ممارسة حقوقنا».
وأطلق مزراق مؤخرا حزبا سماه «جبهة المصالحة والإنقاذ»، خلّف ردود فعل ساخطة من طرف عائلات ضحايا الإرهاب، التي تحمل قادة «الإنقاذ» مسؤولية الدماء التي سالت في تسعينات القرن الماضي.
وذكر بوتفليقة، أول من أمس، في خطاب بمناسبة مرور 10 سنوات على تنظيم «استفتاء ميثاق السلم والمصالحة الوطنية»، الذي تم في 29 سبتمبر (أيلول) 2005، إنه لاحظ «بعض ردود الفعل الناجمة عن فتح جراح لم تندمل بعد، أو عن الخوف من العودة إلى الماضي الأليم. وعليه فإننا نؤكد من جديد أن خيارات الشعب التي اتخذها بكل حرية، والتي رسمها القانون المتضمن إجراءات الوئام المدني، وميثاق السلم والمصالحة الوطنية، ستنفذ بحذافيرها وبلا أدنى تنازل»، ويقصد الرئيس بذلك تسعينات القرن الماضي، التي شهدت صراعا طاحنا بين قوات الأمن والجماعات الإرهابية خلف أكثر من 150 ألف قتيل، بحسب إحصاءات رسمية.
وأفاد الرئيس بأنه «أخذت تتناهى إلينا الآن أخبار بعض التصريحات والتصرفات غير اللائقة، من قبل أشخاص استفادوا من تدابير الوئام المدني، نفضل وصفها بالانزلاقات، لكننا نأبى إزاءها إلا أن نذكر بالحدود التي تجب مراعاتها والتي لن تتساهل الدولة بشأنها»، في إشارة ضمنا إلى مدني مزراق وحزبه الجديد.
وحمل مزراق السلاح في 1993، بدعوى «الدفاع عن خيار الشعب»، ضد تدخل الجيش لإلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية، التي جرت نهاية 1991 والتي فازت بها «جبهة الإنقاذ».
وكان رئيس الوزراء عبد المالك سلال قد صرح قبل أسبوعين بأن مزراق وعناصر «الإنقاذ» المسلحين والسياسيين ممنوعون من العودة إلى السياسة بموجب مادة صريحة في «قانون المصالحة» (صدر عام 2006)، تقول إنه «تمنع ممارسة النشاط السياسي، بأي شكل من الأشكال، على كلّ شخص مسؤول عن الاستعمال المغرض للدين الذي أفضى إلى المأساة الوطنيّة».
ودعا بوتفليقة في خطابه أفراد التنظيمات المتطرفة الذين ما زالوا يحملون السلاح، والذين وصفهم بـ«المغرر بهم»، إلى «العودة إلى رشدهم، وترك سبيل الإجرام، وأن يستفيدوا من أحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. إنني أجدد هذا النداء باسم دولة قوية وباسم الشعب لأننا أمة مؤمنة».
يشار إلى أن آجال «المصالحة» انتهت رسميا بعد ستة أشهر من صدور القانون. ولم تذكر السلطات أبدا عدد المتشددين الذين تركوا السلاح في إطار «المصالحة»، فيما تم إطلاق سراح أكثر من ألفي سجين ضالعين في أعمال إرهابية.
وأشاد بوتفليقة بسياسة «المصالحة» وأثرها على حياة الجزائريين، قائلا: «ما من شك أنكم، في كل صباح تباشرون فيه نشاطكم آمنين في أريافنا ومدننا، تقدرون كل ما جنيناه من ثمار الطمأنينة التي عادت إلينا بفضل المصالحة الوطنية. وكذلك السلامة التي وفرتها المصالحة الوطنية لبلادنا. السلامة من العواصف الهوجاء التي ما انفكت منذ سنوات عديدة تعكر بلدانا شقيقة، إذ كان لم شملنا نعم الجدار الذي عصم الجزائر من المناورات والدسائس، التي استهدفتنا نحن أيضا باسم (الربيع العربي)»، في إشارة إلى الأحداث الصاخبة التي عرفتها تونس وليبيا، والتي تعد في نظر السلطات الجزائرية «مؤامرة نجت منها الجزائر».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».