بغداديون لـ«الشرق الأوسط»: البرلمان والحكومة يعيشان في كوكب آخر

غياب الكهرباء فجر مظاهرات العراقيين.. ومطالبهم اتسعت

عراقي  يرفع لافتة تندد ببطء الإصلاحات خلال مظاهرة ضد الفساد وسوء الخدمات في بغداد مؤخرا (إ.ب.أ)
عراقي يرفع لافتة تندد ببطء الإصلاحات خلال مظاهرة ضد الفساد وسوء الخدمات في بغداد مؤخرا (إ.ب.أ)
TT

بغداديون لـ«الشرق الأوسط»: البرلمان والحكومة يعيشان في كوكب آخر

عراقي  يرفع لافتة تندد ببطء الإصلاحات خلال مظاهرة ضد الفساد وسوء الخدمات في بغداد مؤخرا (إ.ب.أ)
عراقي يرفع لافتة تندد ببطء الإصلاحات خلال مظاهرة ضد الفساد وسوء الخدمات في بغداد مؤخرا (إ.ب.أ)

أجواء بغداد تشبه أحداثها السياسية والحياتية.. بل ربما العكس تماما، أي أن مناخها هو ما يرسم مزاج إيقاع حياتها بالكامل وفي كل الجوانب.. لا تستطيع أن تميز الجو بالعاصمة العراقية إن كان مغبرا أو غائما أم ضبابيا في ظل درجة حرارة ما تزال تتراوح ما بين 46 و48 مئوية. وللجو هنا لون تراه واضحا.. أصفر باهتا لا يستطيع خبير الأنواء الجوية أن يصفه بوضوح.. ولا تستطيع أن تحزر فيما إذا كان هذا اللون هو نتيجة ذرات التراب العالقة في الأثير أم أنها تراكمات دخان انفجارات ما يقرب من 13 عاما.
هكذا هي أيضا الأجواء السياسية وما يجري في كواليسها، إذ لا يمكن لأي محلل سياسي أن يفسرها، ومع أن العراقيين جميعهم، بدءا بعامل المقهى ومرورا بسائق سيارة الأجرة وانتهاء بأستاذ العلوم السياسية، يمارسون دور المحلل السياسي، لكنهم يتفقون جميعهم، وبمختلف مصطلحاتهم، على أن «ماكو (لا يوجد) أمل في المستقبل القريب في الأقل وليست هناك إصلاحات حقيقية والإصلاحات وهمية، وإجراءات لتخدير المتظاهرين»، حسبما يؤكد الشاب ضرغام، خريج كلية الفنون الجميلة.
والعراقيون الذين لا يتفقون على أمر باتوا متفقين، على اختلاف طوائفهم وأديانهم وقومياتهم ولغاتهم ولهجاتهم، على أن الحكومة والبرلمان يعيشان على كوكب آخر غير كوكبهم وأن الفساد المالي بلغ ذروته ولا بد من إصلاحات حقيقية بعدما أدركوا أن «خزينة الدولة خاوية، وأن من أفرغوها يتنعمون هم وعوائلهم بها»، حسبما يقول ضرغام، مؤكدا «لم يسرقوا أموالنا فحسب، بل سرقوا أعمارنا ولهذا نحن نتظاهر كل يوم جمعة حتى ترضخ الحكومة لمطالبنا المشروعة».
بدورها، تقول إنتصار، وهي ناشطة في مقتبل الأربعينات من عمرها: «أنا وعائلتي وصديقاتي نخرج كل جمعة في مظاهرات ساحة التحرير طلبا للتغيير والقضاء على الفساد، وما جرى حتى اليوم مما يسمى بحزمة الإصلاحات لم يمس جوهر مطالب الشعب بل لم يقترب منها، نحن ننادي بمحاربة الفاسدين وإحالتهم إلى القضاء وإعادة أموال العراق إلى خزينة الدولة بينما رئيس الوزراء، حيدر العبادي يقيل نوابه ونواب رئيس الجمهورية، وهؤلاء ما زالوا متمسكين بمناصبهم فعليا وعمليا ويصرحون من خلال الإعلام بأنهم لا يهتمون بالمناصب. نحن ننادي بتحسين الخدمات، خصوصا الكهرباء، بينما العبادي يبشرنا بتوجيه الأجهزة المختصة لفتح المنطقة الخضراء التي لا يهمنا سواء فتحت أم بقيت سجنا لساكنيها».
ويقول فالح الخفاجي، وهو في منتصف الخمسينات من عمره، إنه «بعد عام 1991 وبالضبط بعد حرب تحرير الكويت وعندما قصفت قوات التحالف العراق ودمرت بنيته التحتية وفي مقدمتها محطات الطاقة الكهربائية التي عادت عليلة بعد أن وضعت الحرب أوزارها، قالت الأحزاب والكتل والشخصيات المعارضة لنظام صدام حسين التي كانت تقيم خارج العراق، بالطبع، إن نظام صدام حسين يتعمد عدم إصلاح محطات إنتاج الطاقة الكهربائية وشبكات توزيعها لإلهاء الشعب العراقي وإشغاله عن ممارسات النظام، لكن ما جرى وما يجري منذ 2003 وحتى اليوم هو ذات الأسلوب إن لم يكن أسوأ بكثير إذ إن العراقيين منشغلون ليل نهار بموضوع الكهرباء وسط ظروف حياتية وجوية صعبة للغاية».
ويضيف الخفاجي: «أنا كنت مقيما منذ عام 1995 وحتى 2004 خارج العراق وكنت معارضا لصدام حسين وأردد ما تقوله المعارضة العراقية آنذاك فيما يخص موضوع الكهرباء، لكنني بعد عودتي صدمت بما يجري في هذا الموضوع، خاصة وأن الأموال التي أنفقت على هذا الملف تتجاوز الخمسين مليار دولار ولم يتم بناء أية محطة كهربائية بدءا بعهد أيهم السامرائي، وزير الكهرباء في حكومة إياد علاوي، عندما استورد محطات كهرباء خردة وتم طلاؤها لتبدو حديثة، وانتهاء بنائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة في حكومة نوري المالكي الثانية حسين الشهرستاني الذي استورد محطات تعمل بالغاز بينما العراق يمتلك فائضا من البترول كوقود».
فضاء بغداد مؤثث بشبكات متقاطعة من الأسلاك الكهربائية المتهدلة.. شبكة تتداخل مع أخرى لتكون نسيجا عنكبوتيا أسود يزيد من قتامة المشهد الحياتي وكآبته.. هذه الشبكات من الأسلاك صادرة من الآلاف من المولدات الكهربائية الضخمة التي تتوزع بين الأحياء السكنية وهي ليست ملكا للدولة بل هي ملك أشخاص يبيعون الطاقة الكهربائية للسكان بالأمبير (سعر الأمبير يتراوح ما بين 20 و25 ألف دينار شهريا) ويرتفع السعر إذا كان ضمن ما يطلقون عليه بـ«الخط الذهبي» أي أن الكهرباء لن تنقطع عن البيت أو المحل التجاري.
سكان الأحياء السكنية مجبرون على تحمل ضجيج هدير محركات المولدات الضخمة للطاقة الكهربائية وتنفس دخانها الأسود الذي يتسبب بالكثير من الأمراض السرطانية. وتقول روزلين، ربة بيت تسكن حي العلوية بجانب الرصافة من بغداد، بلهجة ساخرة: «الحكومة وفرت لنا وسائل تسلية ووسائل رياضية تشغلنا طوال اليوم ألا وهي لعبة التيار الكهربائي»، مضيفة: «لا أوقات ثابتة لتزويدنا بالطاقة الكهربائية من قبل الحكومة وهي ما نطلق عليه بـ(الوطنية) التي تأتي أحيانا لساعتين متواصلتين وأحيانا لنصف ساعة ثم تنقطع لتعود وتنقطع، وبين انقطاع (الوطنية) وعودتها نستعين بالمولدات الأهلية».
روزلين موظفة في أحد مصارف بغداد، وهي مسيحية في الخمسين من عمرها وهاجر معظم أقاربها إلى الولايات المتحدة وأوروبا بينما بقيت هي وعائلتها، وتقول «أين نذهب؟ هذا بلدنا الذي ولدنا وعشنا فيه». وتمضي قائلة: «لقد تعودنا على لعبة (توم وجيري)، أي لعبة كهرباء (الوطنية) و(السحب) من المولدات الأهلية، فعندما تأتي (الوطنية) نشغل جميع الأجهزة الكهربائية (ثلاجات ومكيفات تبريد وإضاءة ومحركات تصعيد الماء إلى الخزانات فوق سطح المنزل، وعندما تتوقف علينا أن نوقف كل هذه الأجهزة ونقتصر على تشغيل مراوح الهواء السقفية وربما الثلاجة فقط.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».