سحابة «الشهداء» لم تحجب العزم الخليجي على تأمين اليمن وإعادة شرعيته

السعودية والإمارات والبحرين والمغرب.. دروع التقدم والتضحيات

قوات تابعة للتحالف في طريقها إلى مأرب التي تعرف تحشيدات عسكرية واسعة استعدادًا لعملية تحرير صنعاء (أ.ف.ب)
قوات تابعة للتحالف في طريقها إلى مأرب التي تعرف تحشيدات عسكرية واسعة استعدادًا لعملية تحرير صنعاء (أ.ف.ب)
TT

سحابة «الشهداء» لم تحجب العزم الخليجي على تأمين اليمن وإعادة شرعيته

قوات تابعة للتحالف في طريقها إلى مأرب التي تعرف تحشيدات عسكرية واسعة استعدادًا لعملية تحرير صنعاء (أ.ف.ب)
قوات تابعة للتحالف في طريقها إلى مأرب التي تعرف تحشيدات عسكرية واسعة استعدادًا لعملية تحرير صنعاء (أ.ف.ب)

تتكرر مشاهد تشييع «شهداء» الدول المشاركة في التحالف الهادف إلى إعادة الشرعية في اليمن. وبينما يؤكد قادة دول مجلس التعاون أن «أمن اليمن جزء من أمن الخليج»، فإن قوات قادة الدول المشاركة تترجم تلك المقولة على الأرض، وتستجيب الشعوب دعما وتضخ مجددا أفرادا أضعاف من رحلوا، وأفقهم نحو المستقبل أنه سيكون مختلفا، بعد القضاء على كل ما يعكر صفو أمنه واستقراره.
«عنوان التكاتف والتضامن مع الأشقاء في اليمن» وفق وصف أمين مجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني في بيان صحافي أدلى به بعد استهداف مستودع للذخيرة في مأرب يوم الجمعة الماضي، وذهب ضحيته عسكريون من السعودية والإمارات والبحرين، جدد التأكيد الخليجي على «مواصلة دعم اليمن ضد القوى الانقلابية لتخليص الشعب اليمني من جورها وطغيانها».
من السعودية، التي قدمت شهداء عسكريين ومدنيين، لا يزال سكان في مقرات سكنهم المتاخمة للحدود مع اليمن مهما غادر منهم الحياة، بينما يقف على رؤوس جبالها وسهول تهامتها وصحاريها الممتدة داخل الجزيرة العربية عسكريون لا يزال أغلبهم في أماكنهم منذ أكثر من خمسة أشهر، وهي مدة في تاريخ تطهير الاحتلال قصيرة، قياسا بما تتداوله وسائل الإعلام نقلا عن القنوات الرسمية من إنجازات على الميدان.
فطبيعة الجغرافيا والتضاريس الصعبة التي تحيط بالجزء الجنوبي للمملكة واتصالها مع اليمن، تشكل صعوبات عدة، لكن ومنذ بدء «عاصفة الحزم» لم تكن أمام ميليشيات العدو على الحدود السعودية سوى رمي قذائف الكاتيوشا بشكل عشوائي تجاه بعض المواقع.
كذلك تصدت قوات الدفاع الجوي السعودي لمحاولات استهداف مدن حدودية، بإسقاطها لثلاثة صواريخ سكود، من منصات تم تدميرها بعد دقائق من إطلاقها لتلك الصواريخ، بينما كانت منصات الصواريخ الباليستية هدفا رئيسا منذ غارات التحالف في أيام العاصفة العسكرية الحازمة منذ أواخر شهر مارس (آذار) الماضي.
القوات السعودية أحكمت السيطرة على حدودها مع اليمن، مضيقة الخناق على الحوثي وأنصار صالح، سادّة كذلك منافذ التسلل، وفاتحة أبوابا للإغاثة بدأها خادم الحرمين الشريفين بإعلان إنشاء مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وأعلن الملك بعد أسابيع من بدء «عاصفة الحزم» التبرع بمبلغ 274 مليون دولار لأعمال الإغاثة الإنسانية من خلال الأمم المتحدة، وتكفلها بكل الأعمال الإنسانية.
السعودية التي لم تستخدم كل قوتها في طريقها إلى دحر ميليشيات الحوثي، والإمارات كذلك، تسعيان إلى تأمين محيطهم الجمعي مع الدول العربية، وتعزيز رسالة العروبة وتحرير اليمن من حبائل صنعها مكر صالح بأيادي الحوثيين، بل يزيد عليها ما أعلنه مستشار وزير الدفاع، العميد أحمد عسيري، من أن صالح والحوثي هما من يتحمل تمدد القاعدة ووجود «داعش» في اليمن، معتبرا أن السعودية وقوات التحالف في اليمن تهدفان إلى العلاج الجذري، لا المؤقت بخصوص الشرعية.
الإمارات، ذات التطور التقني والعسكري، يبرز دورها منذ بدء عمليات عاصفة الحزم، بقوة التسليح والتدريب الذي تتميز به قواتها الجوية والبرية، يتسابق جنودها إلى ساحة الحرب يقل عدد مصابيهم ويكثر الشهداء، لا تلتفت إلا عبر العزم على تحقيق النصر وقص أيادي التدخلات الإقليمية في اليمن، التي استنجد أهلها بالخليج فكان التحالف الواسع عبر أكثر من عشر دول هبة قوية لتخليص اليمن من انقلابييه والساعين إلى خرابه.
وقال المحلل العسكري الإماراتي، مجيب بن هازع، إن الإمارات لم تتخلَّ عن اليمن عبر تاريخها، وإن «الألم من سقوط شهدائنا لن يكون نتيجته إلى النصر من أجل إعادة اليمن إلى عروبته». وأضاف خلال اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» أن الشموخ العربي يضحي بكل ما يملك لنصرة المظلومين وإعادة الحق، من أجل شعب أنهكه سارقوه منذ عقود، وأن لحظة الحسم العربي ستستمر من اليمن إلى كل أرجاء العرب.
وأشاد مجيب بالدور الكبير الذي تقوم به قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات في رسم صورة عربية مغايرة للواقع العربي المتهالك، وأن الرياض وأبو ظبي تحققان الانسجام الكبير في التعاون الشامل من أجل الأمن العربي وكسر شوكة إيران المتمددة في عدد من الدول، مستلهما التضحيات التي يقوم بها أبناء التحالف لحماية أمن وطنهم وأمتهم.
مملكة البحرين، وقود آخر في خزان التحالف العربي، قوتهم في حماية وطنهم تمتد إلى القضاء على التدخلات الإيرانية في منطقة الخليج، فهم من يعي أكثر بتلك التدخلات، وقوة الحكومة المعلنة وضرباته لخلايا وأفراد الشغب الإيراني تجعلهم في موقف الهجوم قبل الدفاع. وقالت الكاتبة البحرينية وجدان فهد خلال حديث مع «الشرق الأوسط» إن قوات التحالف العربية وعبر ما تقدمه من تضحيات وأرواح من جنودها البواسل لاستعادة الشرعية في اليمن توجه رسالة قاطعة لكل من يعبث بأمن الخليج ويهدد الأمن القومي العربي في الداخل والخارج، وتؤكد الرسالة في مضمونها على «أن زمن المراهقة السياسية الذي يظن به هؤلاء المهددون لأمننا قد ولى، فلا مراهنة ولا مراهقة سياسية مقبول بها بعد اليوم».
وعدت الموقف البحريني حاسما وواضحا على أن التضحيات التي قدمها أبناء البحرين ضمن قوات التحالف العربي للدفاع عن الشرعية في اليمن لتزيد من الإصرار والاستمرار على المضي قدما لترسيخ التلاحم العربي ووحدة المصير المشترك بين الدول العربية الشقيقة من أجل مواجهة التحديات الجسام في هذه المرحلة. وتؤكد أن البحرين لن تبخل بأبنائها وجنودها فداءً لأمتهم العربية وخدمة لقضاياها المصيرية.
واعتبرت وجدان أن قدر دول الخليج العربي أن تكون من يقود الفعل العربي، ثم الأهم في ذلك أن الخبرات العسكرية الموحدة ستكون خطوة مهمة في خطوات التنسيق والاتحاد الخليجي المأمول، وستخلق روحا اتحادية وثابة تنعكس على أداء الجيوش الخليجية وقوتها، وأن ذلك ما سيعزز الروح التضامنية الخليجية. وهذه كلها نتائج إيجابية يمكن استثمارها لمصلحة الوحدة الخليجية وفق معطيات الواقع ومتطلبات المستقبل.
من المغرب أيضا، الموجودة في صلب التحالف العربي، وضحت بأحد طياريها في سبيل تحقيق الأمن العربي، مرورا بمصر التي تعسكر قواتها البحرية في سبيل تأمين مياه البحر الأحمر ومضيق باب المندب، بانية سدها العسكري لضمان القضاء على إمدادات الحوثيين بالأسلحة الإيرانية، وحتى قواتها الجوية وفصيل القوات الخاصة المصرية، إضافة إلى السودان وقطر والكويت وغيرها، فإن السعودية التي تحتضن هذا التحالف وتعامل دوما من «يستشهد» من تشكيلات التحالف معاملة «الشهيد» السعودي، جميعها تجعل أرضية القوة العربية المشتركة محفزا للتشكل، وهي ما تسعى إليه عصبة الأمم العربية.



«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

غموض يكتنف مصير الهدنة في قطاع غزة مع انتهاء المرحلة الأولى دون أفق واضح للخطوة التالية، وسط تمسك كل طرف بموقفه، ومحاولات من الوسطاء، كان أحدثها جولة مفاوضات في القاهرة لإنقاذ الاتفاق، وحديث عن زيارة مرتقبة للمبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى إسرائيل ضمن مساعي الحلحلة، وسط مخاوف من عودة الأمور إلى «نقطة الصفر».

تلك التطورات تجعل مصير المفاوضات بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، في مهب الريح وتنتظر تواصل جهود الوسطاء وخصوصاً ضغوط أميركية حقيقية على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو؛ للوصول لصيغة مقبولة وتفاهمات بشأن مسار الاتفاق لاستكماله ومنع انهياره، وخصوصاً أن «حماس» لن تخسر ورقتها الرابحة (الرهائن) لتعود إسرائيل بعدها إلى الحرب دون ضمانات حقيقية.

وبعد 15 شهراً من الحرب المدمّرة، بدأت الهدنة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وانتهت مرحلتها الأولى (42 يوماً)، السبت، وشملت إفراج «حماس» وفصائل أخرى عن 33 من الرهائن بينهم 8 متوفين، مقابل إطلاق سراح نحو 1700 فلسطيني من سجون إسرائيل، فيما لا يزال 58 محتجزين داخل قطاع غزة، بينهم 34 يؤكد الجيش الإسرائيلي أنهم قد تُوفوا، وسط انتظار لبدء المرحلة الثانية المعنية بانسحاب نهائي ووقف للحرب على مدار 42 يوماً، وأخرى ثالثة معنية بإعمار القطاع.

وأفادت صحيفة «تايمز أوف» إسرائيل، السبت، بأن نتنياهو أجرى، مساء الجمعة، مشاورات مطولة مع كبار الوزراء ومسؤولي الدفاع بشأن الهدنة، على غير العادة، في ظل رفض «حماس» تمديد المرحلة الأولى «ستة أسابيع إضافية» ومطالبتها بالتقدم إلى مرحلة ثانية.

وطرحت المشاورات بحسب ما أفادت به «القناة 12» الإسرائيلية، السبت، فكرة العودة إلى القتال في غزة، في حال انهيار الاتفاق، لافتة إلى أن الولايات المتحدة تضغط لتمديد المرحلة الأولى.

فلسطينيون نزحوا إلى الجنوب بأمر إسرائيل خلال الحرب يشقُّون طريقهم عائدين إلى منازلهم في شمال غزة (رويترز)

بينما نقلت «تايمز أوف إسرائيل»، السبت، عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي، أن وفد بلادها عاد من محادثات تستضيفها القاهرة منذ الخميس بشأن المراحل المقبلة وضمان تنفيذ التفاهمات، كما أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية الرسمية، لكن المحادثات «ستستأنف السبت»، وفق الصحيفة.

وأكدت متحدث «حماس»، حازم قاسم، السبت، أنه لا توجد حالياً أي «مفاوضات مع الحركة بشأن المرحلة الثانية»، وأن «تمديد المرحلة الأولى بالصيغة التي تطرحها إسرائيل مرفوض بالنسبة لنا»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، دون توضيح سبب الرفض.

ويرى الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن مصير المفاوضات بات غامضاً مع تمسك إسرائيل بطلب تمديد المرحلة الأولى، ورفض «حماس» للتفريط في الرهائن أهم ورقة لديها عبر تمديد لن يحقق وقف الحرب.

ولا يمكن القول إن المفاوضات «فشلت»، وفق المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، الذي لفت إلى أن هناك إصراراً إسرائيلياً، على التمديد والبقاء في 3 بؤر عسكرية على الأقل في شمال وشرق القطاع و«محور فيلادليفيا»، بالمخالفة لبنود الاتفاق ورفض من «حماس».

لكنّ هناك جهوداً تبذل من الوسطاء، والوفد الإسرائيلي سيعود، وبالتالي سنكون أمام تمديد الاتفاق عدة أيام بشكل تلقائي دون صفقات لحين حسم الأزمة، بحسب الرقب.

ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصادر، قولها إنه إذا وافقت «حماس» على تمديد المرحلة الأولى من خلال الاستمرار في تحرير دفعات من الرهائن، فإنها بذلك تخسر النفوذ الرئيسي الوحيد الذي تمتلكه حالياً. وذلك غداة حديث دبلوماسي غربي كبير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، أشار إلى أن نتنياهو يستعد للعودة إلى الحرب مع «حماس».

طفل يسير في حي دمرته الحرب تم وضع زينة شهر رمضان عليه في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووسط تلك الصعوبات، استعرض وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، بالقاهرة، مع رئيس وزراء فلسطين، محمد مصطفى مستجدات الجهود المصرية الهادفة لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ كل بنوده خلال مراحله الثلاث، وخطط إعادة الإعمار في قطاع غزة في وجود الفلسطينيين على أرضهم وترتيبات القمة العربية غير العادية المقرر عقدها يوم 4 مارس (آذار) الحالي بالقاهرة، مؤكداً دعم مصر للسلطة الفلسطينية ودورها في قطاع غزة.

ويعتقد فرج أن حل تلك الأزمة يتوقف على جدية الضغوط الأميركية تجاه إسرائيل للوصول إلى حل، مؤكداً أن التلويح الإسرائيلي بالحرب مجرد ضغوط لنيل مكاسب في ظل حاجة «حماس» لزيادة دخول المواد الإغاثية في شهر رمضان للقطاع.

وبعد تأجيل زيارته للمنطقة، ذكر ويتكوف، الأربعاء، خلال فعالية نظّمتها «اللجنة اليهودية-الأميركية»، إنه «ربّما» ينضمّ إلى المفاوضات يوم الأحد «إذا ما سارت الأمور على ما يرام».

ويرجح الرقب أن الأمور الأقرب ستكون تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق مع ضمانات واضحة لأن الوسطاء و«حماس» يدركون أن إسرائيل تريد أخذ باقي الرهائن والعودة للحرب، مشيراً إلى أن «الساعات المقبلة بمحادثات القاهرة ستكون أوضح لمسار المفاوضات وتجاوز الغموض والمخاوف الحالية».