الحرس الثوري يرفض «تسلل» أميركا إلى إيران عبر بوابة الاقتصاد للتأثير على المجتمع

خامنئي: الشيطان الذي أخرجه الشعب من الباب يحاول العودة من النافذة

علي خامنئي خلال إلقائه خطابا في طهران أمس (أ.ف.ب)
علي خامنئي خلال إلقائه خطابا في طهران أمس (أ.ف.ب)
TT

الحرس الثوري يرفض «تسلل» أميركا إلى إيران عبر بوابة الاقتصاد للتأثير على المجتمع

علي خامنئي خلال إلقائه خطابا في طهران أمس (أ.ف.ب)
علي خامنئي خلال إلقائه خطابا في طهران أمس (أ.ف.ب)

انتقد حميد رضا مقدم فر، المستشار الإعلامي والثقافي لقائد الحرس الثوري الإيراني، الدخول الأميركي إلى بلاده عبر بوابة الاقتصاد، وعده «تسللا»، كما نبه حكومة بلاده إلى ضرورة الاحتراز من التوغل الثقافي الغربي، خصوصا الأميركي، في المجتمع الإيراني. وشدد مقدم فر على أنه في الوقت الراهن يجب الاحتراز من أميركا، وقال: «ما نرى حتى الآن من أوباما والأميركيين، وجه من النفاق والمكر الكامل».
وبحسب مقدم فر، رئيس تحرير «صحيفة جوان» الناطقة باسم الحرس الثوري، فإن النظام يواجه «قنبلة مخربة» تهدده إذا تعامل المسؤولون الإيرانيون مع أميركا كما يتعاملون مع الدول الأخرى، مشددا على أن الولايات المتحدة تحاول التسلل إلى إيران من بوابة الاقتصاد، والتأثير على الاقتصاد المقاوم ووقف النمو والتطور الاقتصادي.
وقال مستشار قائد الحرس الثوري إن أميركا تريد القول إن إيران بعد الاتفاق النووي استسلمت، وغيرت مسارها بعد 36 عاما من المقاومة، وأضاف أن أميركا تريد أن تبرهن على ذلك من أجل هزيمة المقاومة في «الدول التي تبعت نموذج إيران وأحدثت تغييرات بمساعدة إيران مثل العراق وسوريا».
يأتي هذا في الوقت الذي تحول فيه موضوع إعادة العلاقات مع الدول الغربية والانفتاح الغربي على إيران ما بعد الاتفاق النووي، إلى أهم هاجس لدى المرشد الأعلى علي خامنئي والمؤسسات التابعة له وعلى رأسها الحرس الثوري.
وصرح مستشار قائد الحرس الثوري، في إشارة إلى أقوال حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف اللذين عدّا تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما ضد إيران للاستهلاك الداخلي، أن «البعض في البلد يفسر مواقف المسؤولين الأميركيين على أنها رد على منافسيهم في الداخل»، لكنه لفت إلى أن الوجه الآخر يهدف إلى «إذلال الإيرانيين» وهو ما يظهر «مكر الأميركيين».
واتهم مقدم فر، المسؤولين الحكوميين في بلاده بالتقصير في الرد على «التبجح الأميركي في تحقير الإيرانيين»، مطالبا المسؤولين باتخاذ موقف صريح، وبرد قاطع وشديد، كما أشار إلى تجديد شكل محاولات «النفوذ الأميركي» للتأثير على الرأي العام في إيران بشأن أميركا.
من جهته، شدد مستشار قائد الحرس الثوري على أن «النفوذ الأميركي لديه رکائز ثقافية واقتصادية وسياسية»، فی محاولة للتأثير على السلوك الإيراني. وأوضح أن التسلل يتحقق عند عدم اعتبار أميركا شيطانا أكبر يحاول إزالة النظام، وتقديمها للداخل الإيراني بواسطة «قفاز مخملي». ويأمل الإيرانيون انتهاء القطيعة مع أميركا، وعودة العلاقات الطبيعية، وإعادة فتح السفارة الأميركية، وأن يؤدي الانفتاح على الغرب إلى تحسين أوضاع الحريات الفردية وقضايا حقوق الإنسان وحرية التعبير وقضايا اجتماعية وثقافية، كما يأملون في تفعيل النشاط السياحي في البلد الذي سيترك آثارا كبيرة على أوضاعهم المعيشية. الأمل بعودة المنتجات الغربية إلى الأسواق الإيرانية انعكس بشكل سلبي على السلع والمنتجات الإيرانية، وسجلت الشركة الوطنية لصناعة السيارات خسائر كبيرة بسبب تراجع المبيعات في الأيام الأخيرة على الرغم من تراجع الأسعار بنسبة 21 في المائة.
علی‌ نقیض ما یردده قادة الحرس الثوري بشأن التسلل الأميركي، علي لاريجاني رئيس البرلمان قبل أيام في نيويورك أرسل إشارات إيجابية بشأن إمكانية إعادة العلاقات بين البلدين عندما قال: «الشعب الإيراني لديه قلق، لكننا لا نقول يجب البقاء في الماضي، في الحال نفسها يجب أن لا نبحث عن حلول رومانسية، إذا تغير السلوك الأميركي، يمكن التحدث (عن عودة العلاقات) في طهران».
إلى ذلك، هاجم المرشد علي خامنئي، أمس، من يحاولون تقديم صورة الملاك لوجه أميركا «الأسوأ من إبليس»، عادّا إطلاق لقب «الشيطان الأكبر» على أميركا ذا مغزى كبير، قائلا: «إبليس زعيم كل شياطين العالم، لكن عمله فقط الإغواء والخداع، بينما أميركا تغوي وتقتل وتفرض العقوبات وتخدع وتنافق».
في وقت تقترب فيه إيران من اتخاذ القرار بشأن التوافق النووي وتنفيذ القرار «2231»، وجه خامنئي اللوم لمن يحاول التقرب لأميركا، قائلا: «الشيطان الذي أخرجه الشعب من الباب يحاول العودة من النافذة.. يجب أن لا نسمح بذلك»، وتساءل: «أي عقل وضمير يقبل بأن نحسن صورة أميركا ونعدّها صديقا وقابلا للثقة». وعدّ خامنئي العداء بين أميركا وإيران لا نهاية له، متهما الكونغرس الأميركي بالتخطيط والتآمر وصناعة المشكلات لإيران في أيام ما بعد التوافق «الذي لم يعرف مصيره بعد في إيران وأميركا».
كما انتقد خامنئي بشدة من يصف الشباب الثوري بالمتطرفين، وانتقد ما وصفه نسيان جيل الشباب ماضي العلاقة بين إيران وأميركا، وقال إن الأعداء يعملون على إشاعة اللامبالاة بين الشباب الإيراني بهدف «امتصاص الروح والحماس الثوري». وأضاف أن إيران تتفاوض وتتفاهم مع كل الدول إلا «الشيطان الأكبر»، وشدد مرة أخرى على أنه لم يسمح للحكومة أو أي مسؤول إيراني بالحديث عن قضايا خارج الملف النووي. وفي إشارة إلى ترحيب بعض الإسرائيليين بالتوافق النووي، قال إن «وجود إسرائيل في المنطقة لن يدوم لأكثر من 25 عاما».
من جانب آخر، أشار خامنئي إلى «مناخ انتخابي» يسيطر على إيران منذ سنة ونصف، حسب وصفه، قائلا إن «مناخ التنافس والنزاع الانتخابي» يهمش القضايا الأساسية ويهدد مصالح البلد، كما قال إن «بعض المتلاعبين في السياسة» حاولوا خلال 37 عاما من عمر النظام التأثير على الاستحقاقات الانتخابية، متهما «عملاء أميركا» بالدعاية السلبية ضد الانتخابات. وحذر خامنئي المشككين في سلامة الانتخابات، وقال: «لماذا يقوم البعض بإشاعة هواجس كاذبة وادعاءات لا أساس لها يريدون الطعن بثقة الناس؟»، كما حذرهم من تكرار «الادعاءات» حول سلامة الانتخابات التي تحظى بعناية فائقة، حسب وصفه. وعدّ «مجلس صيانة الدستور» من «النعم الكبيرة» التي تدافع عن سلامة الانتخابات.
بهذا أراد خامنئي توجيه رسالة إلى حسن روحاني الذي قال مؤخرا إن إجراء الانتخابات من مهامه مطالبا «مجلس صيانة الدستور» بالإشراف على الانتخابات فقط. وعن البت في أهلية المرشحين، قال خامنئي إنه يدعم «مجلس صيانة الدستور». وأضاف أن مجلس صيانة الدستور يمنع ترشح «غير المؤهلين» للترشح في الانتخابات، وعدّ ذلك «الحق القانوني والمنطقي والعقلي» للمجلس.
يذكر أن وزیر الداخلیة الإيراني رحمان فضلي في مارس (آذار) الماضي تحدث عن دخول الأموال القذرة (أموال الاتجار بالمخدرات وغسل الأموال) إلى الانتخابات، لكن بعد أسبوع من استجوابه في البرلمان تراجع، وقال إنه حذر من تمويل حملات المرشحين من تجار المخدرات ودخول تلك الأموال إلى السياسة.
قبل استجواب وزير الداخلية، كان عضو البرلمان مويد حسيني صدر، قد تحدث بشأن أموال المخدرات في الانتخابات، وقال: «مهربو المخدرات دخلوا ساحة النشاط الانتخابي».



إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
TT

إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)

إلى جانب الأهداف المتعددة، بما في ذلك الإقليمية والداخلية، التي حققتها الهجمات الإسرائيلية ضد القدرات العسكرية للجيش السوري، حقق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطوة كبيرة نحو التحضير لهجوم واسع على إيران. فالحلم الذي راوده منذ 13 عاماً بتوجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني أصبح، من وجهة نظره، أمراً واقعاً. ولديه شريك مهم يشجعه على ذلك، وهو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

كان نتنياهو، ومن خلفه الجيش والمخابرات، مقتنعين بأن توجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي الإيراني هو مشروع ضخم يفوق بكثير قدرات إسرائيل.

لذلك، حاول نتنياهو خلال الحرب جرّ أقدام الولايات المتحدة للقيام بالمهمة، لكنه فشل. فالرئيس جو بايدن ظل متمسكاً بموقفه مؤيداً للحوار الدبلوماسي مع طهران. غير أن الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران في 26 أكتوبر (تشرين الأول) غيّر القناعات. فقد كانت نتائج الهجوم قاسية على القدرات الدفاعية الإيرانية، وإيران أول من يعلم بذلك لكنها تفضل الصمت. وإذا أضفنا إلى ذلك أن خطة طهران لتطويق إسرائيل بأذرع عسكرية فتاكة تلقت ضربة قوية، حيث تم تدمير 60 إلى 70 في المائة من قدرات «حماس» العسكرية في غزة والضفة الغربية، وتدمير نصف قوة «حزب الله» على الأقل، فإنها قلّمت أظافر «الحرس الثوري» الإيراني.

طائرة مقاتلة إسرائيلية في مكان غير محدد في صورة نشرها الجيش في 26 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

ومع سقوط نظام بشار الأسد، أتيحت لإسرائيل فرصة مفاجئة ونادرة لضرب الجيش السوري، فاستغلتها دون تردد. وفي غضون أيام قليلة، دمرت سلاح الجو السوري وقواعده، وكذلك سلاح البحرية وموانئه، إلى جانب معظم الدفاعات الجوية وبطاريات الصواريخ. وكل ذلك دون أن تتعرض لإطلاق رصاصة واحدة، ليخرج الجيش الإسرائيلي من الهجوم بلا أي إصابة.

كما هو معروف، نفذ الجيش الإسرائيلي هذه العملية ليؤكد مكانته كأقوى جيش في المنطقة، ولإظهار أنه يرد على المساس به بمقاييس ضخمة غير مسبوقة في الحروب. كما كانت رداً على الانتقادات الداخلية في إسرائيل، خصوصاً بعد نقاط ضعفه التي ظهرت في 7 أكتوبر 2023 وخلال الحرب.

بالنسبة لنتنياهو، كانت العملية وسيلة لإثبات قوته السياسية لخصومه الذين يرونه «قائداً فاسداً ومحتالاً»، ولإظهار أنه يدير حرباً تحقق مكاسب هائلة. ومع سهولة انهيار نظام الأسد وتحطيم الجيش السوري، أصبحت هذه العملية تحقق مكسباً استراتيجياً لم تتوقعه أي مخابرات في العالم، ولم تتخيله أعتى الساحرات، حيث مهدت الطريق أمام نتنياهو للضربة التالية: إيران.

القبة الحديدية في إسرائيل تعترض الصواريخ الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

اليوم، تناقلت جميع وسائل الإعلام العبرية تصريحات صريحة لمسؤولين كبار في الحكومة والجيش الإسرائيليَّيْن، يؤكدون فيها أن «الهدف المقبل للجيش الإسرائيلي هو توجيه ضربة لإيران». وذكر هؤلاء المسؤولون أن العمليات العسكرية الجارية في سوريا تهدف إلى «تنظيف الطريق، جواً وبراً»؛ لتمهيد الطريق لضربة مباشرة ضد إيران. كما أشار البعض إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي يدرس توجيه ضربة قاصمة للحوثيين في اليمن كجزء من هذه الاستعدادات.

بالطبع، يعتقد الخبراء أن ضرب إيران «ليس بالمهمة السهلة. فهي لا تزال دولة قوية، تخصص موارد هائلة لتعزيز قدراتها العسكرية، وتتبع عقيدة لا تعترف بالهزيمة أو الخسارة».

بالنسبة لإيران، حسابات الربح والخسارة ليست محورية؛ إذ تحتفل بالنصر دون هوادة مهما كان الثمن الذي تدفعه باهظاً، خصوصاً عندما يكون الآخرون هم من يتحملون التكلفة.

وفي إسرائيل، كما في دوائر سياسية عديدة في الولايات المتحدة والغرب، يزداد الاقتناع بأن القيادة الإيرانية تدرك التحديات والأخطار المتراكمة ضدها. ويُعتقد على نطاق واسع أنها قد ترى الحل الوحيد أمامها يكمن في تسريع تطوير قدراتها النووية العسكرية، وصولاً إلى إنتاج قنبلتها الذرية الأولى.

صورة جوية تظهر سفناً للبحرية السورية استهدفتها غارة إسرائيلية في ميناء اللاذقية الثلاثاء (أ.ف.ب)

هذا الواقع يشجع إسرائيل على المضي قدماً في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ليس فقط دفاعاً عن نفسها، بل أيضاً نيابة عن دول الغرب وحماية لمصالحها المشتركة. تدعم دول الغرب هذا التوجه. وقد بدأت إسرائيل بطرح هذا الملف منذ عدة أشهر أمام حلفائها، لكنها تطرحه الآن بقوة أكبر بعد انهيار نظام الأسد وتدمير قدرات الجيش السوري.

رغم إعجاب الغرب بالقدرات الإسرائيلية وإشادته بجيشها، الذي استطاع قلب الموازين وتحقيق مكاسب عسكرية بعد إخفاقه المهين أمام هجوم «حماس» في 7 أكتوبر، حيث يُتوقع أن تصبح هذه المكاسب مادة دراسية في الكليات الحربية، فإن هناك تساؤلات ملؤها الشكوك: هل هذه الحسابات الإسرائيلية واقعية ودقيقة؟ أم أنها تعتمد بشكل كبير على الغرور والغطرسة أكثر من التحليل المهني والتخطيط الاستراتيجي؟

إعلان مناهض لإسرائيل في طهران يظهر صواريخ إيرانية أبريل الماضي (إ.ب.أ)

وماذا سيكون موقف إسرائيل إذا تبين أن القيادة الإيرانية بدأت بالفعل الاستعداد للتحول إلى دولة نووية منذ التهديدات الأولى لها، وقد تُفاجئ العالم اليوم بإعلان تجربة نووية ناجحة، على غرار ما فعلته كوريا الشمالية عام 2007؟

وفي الداخل الإسرائيلي، تُطرح تساؤلات صعبة؛ أبرزها: «هل نخوض مغامرة كهذه، نخدم فيها الغرب وكل خصوم إيران في المنطقة، بينما ندفع نحن الثمن كاملاً؟».