في ظل المساعي العالمية لوقف التدهور المناخي الذي يؤثر على العالم بشكل عام، تهتم منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) بالغابات الطبيعية بشكل خاص في خطوة مهمة لمقاومة التغير المناخي والتصحر. وخصت المنظمة «الشرق الأوسط» بنشر النسخة العربية من مقال مديرها العام جوزيه غرازيانو دا سيلفا، بالتزامن مع نشرها اليوم دوليا.
وقال دا سيلفا في مقاله: «لقد حمل هذا الأسبوع أخبارا سعيدة في دوربن بجنوب أفريقيا خلال المؤتمر العالمي للغابات، حيث تباطأ المعدل العالمي لإزالة الغابات بنسبة 50 في المائة منذ عام 1990».
كما بلغنا خبر إيجابي آخر، حيث تدنت الخسارة السنوية في الغابات الطبيعية من 8.5 مليون هكتار في السنة بين الأعوام 1990 و2000، إلى 6.6 مليون هكتار سنويا بين الأعوام 2010 و2015. وقد أسهمت هذه النتائج في خفض نسبة الانبعاثات الكربونية من الغابات بما يتجاوز 25 في المائة بين الأعوام 2001 و2015.
تم الكشف عن هذه النتائج في التقييم العالمي لحالة الموارد الحرجية، نتيجة جهود قادتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، وأدت إلى إجراء المسح الأكثر شمولية للغابات في العالم.
وقد ترافق تدني مساحات الغابات التي تتم إزالتها مع زيادة غير مسبوقة في استخدام الأخشاب، حيث ازداد عدد السكان في العالم بنسبة الثلث عما كانوا عليه في عام 1990. ويثبت هذا نجاح جهود الإدارة المستدامة للغابات، وأن الإرادة السياسية واتخاذ إجراءات ملموسة من شأنها أن تحدث الفرق. فاليوم، شملت خطط إدارة الغابات أكثر من نصف المساحة الحرجية في العالم.
وتقدم لنا هذه النتائج أساسًا مهمًا يمكن البناء عليه، عشية استعداد المجتمع الدولي لاعتماد أهداف التنمية المستدامة في وقت لاحق من الشهر الحالي. فالغابات تشكل عنصرا مهما لتحقيق الأهداف التي يضعها قادة العالم.
وتضم أجندة التنمية لما بعد عام 2015، 17 هدفا للتنمية المستدامة تهدف إلى وضع حد للفقر المدقع والجوع بحلول عام 2030، والتشجيع على الازدهار والتناغم مع الطبيعة.
ويعتبر التحدي الأكثر إلحاحا الذي تواجهه البشرية هو توفير الغذاء للبشر الذين من المتوقع أن يزداد عددهم من 7 مليارات شخص اليوم إلى أكثر من 9 مليارات بحلول عام 2050. وقد ازداد هذا التحدي صعوبة بسبب تهديدات التغير المناخي، وزيادة ندرة المياه والأراضي، وتدهور التربة والأراضي، وتدني الموارد الطبيعية المتاحة.
لا يمكننا أن نكسب هذا التحدي من دون غابات. فالغابات تغطي نحو ثلث اليابسة على هذا الكوكب، وهي تضم أكثر من 80 في المائة من التنوع البيولوجي في العالم، وتشكل بالتالي موردا جينيا لا يمكن استبداله لتطوير الغلال الزراعية في المستقبل، كما أن الغابات تمتص نحو ثلثي الكربون الموجود في الغلاف الجوي للأرض، ما يؤثر في التغير المناخي.
خلال السنوات الماضية، قمنا بحماية غاباتنا بشكل أفضل. لقد تم تصنيف نحو 13 في المائة من غابات العالم (أكثر من نصف مليار هكتار) لحماية التنوع البيولوجي بشكل رئيسي، بينما سجلت أفريقيا الزيادة الأعلى خلال السنوات الخمس الماضية.
كما تم أيضا تسجيل زيادة واضحة في مساحات الغابات بحسب برامج الجرد الوطني للموارد الحرجية المستحدثة أو المنجزة.. ولقد تم البدء في جرد نحو 80 في المائة من غابات العالم شملت 112 دولة خلال السنوات الخمس الماضية، كما قام عدد من هذه الدول بتجديد بياناتها عن الغابات خلال تلك الفترة.
لكن ما زال هناك الكثير أمامنا لنقوم به. ففي الوقت الذي شهدنا فيه زيادة في المساحات الحرجية خلال السنوات الخمس الأخيرة بمساحة 4 ملايين هكتار في آسيا، و1.9 مليون هكتار في أوروبا، و1.5 مليون هكتار في أوسيانيا، و0.7 مليون هكتار في أميركا الشمالية، تقلصت مساحة الغابات بمساحة 14.2 مليون هكتار في أفريقيا، و10.1 مليون هكتار في أميركا الجنوبية.
كذلك أكد التقييم العالمي لحالة الموارد الحرجية أنه على الرغم من الجهود الكبرى المبذولة لحماية التنوع البيولوجي، فإن التهديد للتنوع الحيوي ما زال قائما ومرشحا للاستمرار. وأنه على الرغم من تزايد استخدام خطط إدارة الغابات، فإن تطبيق هذه الخطط بفعالية دونه عقبات في الكثير من الدول.
لذلك، فإننا نتطلع إلى الاستفادة من الزخم المرافق للإعلان عن أهداف التنمية المستدامة لتعزيز الإدارة المستدامة للغابات. وتظهر أهمية هذا الموضوع في الهدف الخامس عشر من أهداف التنمية المستدامة، الذي يدعو إلى «حماية وإصلاح وتشجيع الاستخدام المستدام للأنظمة الايكولوجية على اليابسة، وإدارة الغابات بأسلوب يضمن الاستدامة، ومكافحة التصحر، ووقف تدهور الأراضي والسعي إلى إعادة تحسينها، ووقف فقدان التنوع البيولوجي».
يضاف إلى ذلك أن الغابات التي تتم إدارتها بأسلوب مستدام يمكن أن تكون لها إسهامات كبرى في تحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة. فعلى سبيل المثال، هناك دور معلوم للغابات في تحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة، الذي يهدف إلى تأمين الوفرة والإدارة المستدامة للمياه وتوفير المرافق الصحية للجميع. ويمكن للغابات أن تساعد على حماية الأنظمة الإيكولوجية المرتبطة بالمياه وإصلاح الأضرار التي يمكن أن تتعرض لها.
وإذا أردنا أن نزيد من مساهمة الغابات في تحقيق هذا الهدف، وجب علينا ضمان حصول الدول النامية على الحوافز المناسبة حتى تتمكن من السير قدما صوب تحقيق الإدارة المستدامة.
كذلك يعتمد ملايين الأشخاص على الغابات في تأمين احتياجاتهم من الغذاء والطاقة والسكن. وتوفر المواد الغذائية الموجودة في الغابات أنظمة غذائية متوافرة طوال السنة، بما في ذلك خلال الأزمنة الصعبة، وإنه يمكن لنظم الحراجة الزراعية – التي تجمع بين الأشجار والمزروعات - أن تزيد من إنتاجية الأراضي الزراعية مع ضمان التنويع في المواد الغذائية. وتشير التقديرات إلى أن 2.4 مليار شخص – أي نحو ثلث العائلات في العالم – تعتمد على الحطب ومشتقاته كوقود لإعداد الطعام.
وتوفر الغابات الكثير من فرص العمل في المناطق الريفية، وتشكل الأساس لملايين المشروعات الاستثمارية الصغيرة التي تقوم بتحسين ظروف الحياة في المناطق الريفية. كما تقدم الخدمات البيئية الضرورية على المستويين المحلي والعالمي. وتدعم الغابات الزراعة من خلال الحفاظ على سلامة مستجمعات المياه، وتوفير موائل للملقحات، كما أنها توفر الحماية من الظواهر المناخية الحادة.
لذلك تشكل الغابات جزءا لا بديل له لتحقيق التنمية المستدامة. نحتاج إلى إدارتها بشكل أفضل، مع تكامل أكبر مع الاستخدامات الأخرى للأراضي، بما في ذلك الزراعة، لكننا نحتاج إلى أن نضمن التوزيع العادل للمنافع التي توفرها. ويمكن القول إننا قادرون على ذلك استنادا إلى النتائج التي توصلنا إليها.
لكن لا يمكننا أن ننجح في الحد من تأثيرات التغير المناخي والترويج للتنمية المستدامة ما لم نحافظ على غاباتنا، واستخدام الموارد الكثيرة التي توفرها بشكل مستدام. وإن الالتزام بعدم القبول قطعيا بأي إزالة للغابات بطريقة غير مشروعة، من شأنه أن يبعث برسالة قوية في هذا الاتجاه. معًا، يمكننا أن نجعل من الغابات إحدى أعظم قصص المجد المسترجع في زمننا هذا. نحتاج إلى أن نقوم بذلك اليوم، ومن أجل الأجيال المقبلة.
مدير عام «الفاو»: لن ننجح في الحد من تأثيرات التغير المناخي ما لم نحافظ على غاباتنا
المنظمة خصت «الشرق الأوسط» بنشر نتائج «المسح الأكثر شمولية» في المنطقة العربية
مدير عام «الفاو»: لن ننجح في الحد من تأثيرات التغير المناخي ما لم نحافظ على غاباتنا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة