رفضت باريس منذ انضمامها إلى التحالف الدولي لمحاربة «داعش» في العراق وسوريا في شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، أن تحصر عملياتها في الأراضي العراقية، وترفض استهداف مواقع «داعش» في سوريا لأن من شأن ذلك تقوية النظام السوري، وهو ما لا تريده بتاتا. بيد أن صحيفة «لوموند» المستقلة أكدت في طبعتها ليوم أمس أن الأمور «تغيرت» وأن القرار «اتخذ» للبدء في ضرب «داعش» في سوريا. لكن، حتى مساء أمس، لم يكن قد صدر لا عن قصر الإليزيه ولا عن وزارتي الدفاع والخارجية أي تأكيد بهذا الصدد. ولا شك أن الرئيس هولاند سيأتي على هذا الموضوع صباح الاثنين القادم بمناسبة مؤتمره الصحافي.
في الكلمة التي ألقاها أمام سفراء فرنسا عبر العالم يوم 25 أغسطس (آب) الماضي، اعتبر هولاند أن «داعش» تشكل «أكبر المخاطر» وأن «أمن فرنسا يصان في الخارج كما في الداخل». وفي حديثه عن سوريا، رأى هولاند أن الخط المفترض السير فيه هو «محاربة (داعش) من غير المحافظة على الأسد» مع السعي لتحقيق «انتقال سياسي». ووضع الرئيس الفرنسي ثلاثة شروط لتحقيق هذا الهدف، أولها «تحييد» الأسد وثانيها توفير ضمانات صلبة لقوى المعارضة المعتدلة والمحافظة على بنى الدولة وثالثها «وهو الشرط الحاسم»، «ضم كل الأطراف إلى الحل»، ذاكرا منها دول الخليج وإيران وتركيا. وفي نظر هولاند، الإرهاب «لا يهدد فقط بلدان المنطقة أو بعضها بل كل القوى، وتسوية الأزمة السورية تتطلب مشاركة الجميع». وخلص إلى القول إن فرنسا «مستعدة لتحمل مسؤوليتها».
كلام هولاند أثار الانتباه في نقطتين: الأولى، حديثه عن «تحييد» الأسد والثانية تأكيده أن فرنسا «مستعدة» للقيام بدورها. فكلمة «تحييد» لم تكن دارجة الاستعمال في القاموس الدبلوماسي أو السياسي الفرنسي، وكثيرون تساءلوا عن معناها وعما إذا كانت تشكل تحولا في سياسة باريس التي دعت دائما إلى خروج الأسد من المشهد لأنه «لا دور له في مستقبل سوريا». أما بشأن الإرهاب ودور فرنسا فإن ما جاءت به صحيفة «لوموند» يساعد على فهم عبارة هولاند، إذ يعني أن ما تقوم به باريس ضد «داعش» في العراق غير كافٍ واستهدافها لمواقع التنظيم في سوريا جزء من المسؤولية الفرنسية.
حتى الآن، كانت باريس توفر الدعم السياسي للمعارضة السورية السياسية وتحديدا الائتلاف والتدريب والتسليح والمعلومات لذراعها المسلحة أي للكتائب المعتدلة، بيد أن استفحال أزمة اللاجئين والنازحين السوريين ومراوحة خطوط القتال في مكانها في الأسابيع الأخيرة وبقاء «داعش» على قوتها رغم عام كامل من القصف الجوي في العراق وسوريا يبدو أنها عوامل حفزت الرئيس هولاند على تغيير موقفه وعلى اتخاذ قرار المشاركة في العمليات فوق الأراضي السورية. لكن السؤال الذي يفرض نفسه يتناول مدى قدرة المشاركة الفرنسية في العمليات فوق سوريا على إحداث تغيير ما في المعادلة العسكرية وفي النهاية دحر «داعش».
أما سياسيا، فإن التحول في السياسة الفرنسية كما كتبت «لوموند» يكمن في تعريف كلمة «تحييد» التي يمكن فهمها ليس استبعادا مسبقا للأسد من العملية السياسية ولكن «جعله غير قادر على أن يكون عائقا دون انطلاق المفاوضات». والمفارقة أن كلمة «تحييد» التي لا تعني الاستعباد تقترب من «الخطة» التي طرحها المبعوث الدولي ستيفان دو ميستورا والتي تسربت إلى الصحافة وفيها يتحدث عن «دور بروتوكولي» للأسد.
الواقع أن «التحول» في السياسة الفرنسية إزاء سوريا، إن كان حقيقيا، فإنه يأتي في إطار متغيرات لعل أبرزها تلك التي تتناول الدور الروسي وإمكانية مشاركة موسكو مباشرة في المعارك الدائرة منذ أربع سنوات ونصف. وحتى أمس، لم تكن أية جهة فرنسية قد علقت على تصريحات بوتين التي ينتظر أيضًا أن يتناولها هولاند يوم الاثنين القادم. وإذا ثبتت حقيقة التدخل الروسي المباشر فإنها ستعني تجاور الطائرات الحربية لأربع قوى دولية في أجواء سوريا (الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا)، الأمر الذي يعد سابقة في تاريخ العلاقات بين هذه القوى. والمفارقة أن هذه الدول ستكون مجمعة على محاربة «داعش» ومختلفة «حتى الآن» في ما بينها على مصير النظام.
باريس تتجه إلى المشاركة في العمليات العسكرية ضد «داعش» في سوريا
هولاند سيوضح موقف بلاده في مؤتمره الصحافي صباح غد
باريس تتجه إلى المشاركة في العمليات العسكرية ضد «داعش» في سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة