ليبيا.. بين التدخل الخارجي والتشرذم الداخلي

الأسلحة تتدفق على «داعش».. والجيش الوطني ينتظر

ليبيا.. بين التدخل الخارجي والتشرذم الداخلي
TT

ليبيا.. بين التدخل الخارجي والتشرذم الداخلي

ليبيا.. بين التدخل الخارجي والتشرذم الداخلي

سيارة وحيدة طويلة وسوداء تقل ثلاثة مسؤولين تقف هنا وسط أسراب الذباب، في مدينة إمساعد الليبية القريبة من الحدود المصرية. مدينة تجارية عتيقة لكنها، بعد أربع سنوات من ثورات «الربيع العربي» باتت خاوية على عروشها. حركة الوزراء والنواب الذين يمرّون بها في طريقهم إلى مصر أصبحت أكثر من حركة التجار. ينادي أحدهم، وهو نائب في البرلمان الليبي، على عامل المطعم. لم يعد أحدٌ يهتم. ولم يتبق من هيبة رجال الدولة المنقسمة على نفسها منذ مقتل معمر القذافي في 2011 إلا أسماء وصفات من دون رنين وبلا بريق.
عيسى عبد المجيد، مستشار رئيس البرلمان الليبي، وهو من قبيلة التبو التي تقاتل في صفوف الجيش الوطني ضد الميليشيات المتطرفة، يقول في حوار لـ«الشرق الأوسط» إن «الأسلحة والمقاتلين يتدفقون على تنظيم داعش في عدة مدن ليبية، جهارا نهارًا» ويتهم صراحة تركيا ودولتين عربيتين بدعم التنظيم، عبر البحر والجو والبر. غير أن الدول الثلاث تنفي هذا النوع من التهم التي كان وجهها لها أيضا قائد الجيش الفريق أول خليفة حفتر أثناء زيارته للأردن قبل أسبوع.

المشكلة اليوم في ليبيا لا يبدو أنها تتعلق فقط بمساعي تسوية ملفات الماضي بين الأطراف المتقاتلة، بل أخذت القضية بعدًا جديدًا حين اتضح وجود سباق محموم للوصول إلى شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. إنه موعد انتهاء المدة القانونية لعمل البرلمان، وفقا للإعلان الدستوري. فمن سيتسلم السلطة من بعده يا ترى؟ وهل ليبيا، وهي على هذا القدر من الانفلات والفوضى، قادرة على إجراء انتخابات جديدة؟
في الرد على أسئلة «الشرق الأوسط» لا يخفي بعض مستشاري الجيش، مثل الدكتور صلاح الدين عبد الكريم، الشكوك في مساعي مبعوث الأمين العام لأمم المتحدة، برناردينو ليون، الذي يسعى منذ عام، لعقد مصالحة بين أطراف النزاع.
ليون أيضًا يبدو أنه يريد للأمور أن تبقى على ما هي عليه حتى يقترب موعد انتهاء عمل البرلمان، وهنا يمكن للضغوط على السلطات الشرعية أن تثمر، كما يرى بعض القادة الليبيين. إنه يريد تشكيل «حكومة وفاق وطني» يشارك فيها ما يعرف بـ«تيار الإسلام السياسي»، بيد أن هذه الخطوة من شأنها أن تطيح بقائد الجيش الفريق أول خليفة حفتر. ولهذا يقول الدكتور عبد الكريم إن القوت المسلحة لن تترك البلاد مرة أخرى لحكم المتطرفين، مشيرًا إلى أن رؤساء الأركان وكبار الضباط يلتفّون حول القائد حفتر.
في هذه الساحة من مدينة إمساعد كانت تقف ألوف الشاحنات الآتية من مصر والمحمّلة بمختلف أنواع البضائع، من قوالب الرخام حتى قوارير المياه وعلب حليب الأطفال. ليبيا دولة مستوردة للسلع الغذائية والأدوات الكهربائية ومواد البناء. ومعروفٌ أنها دولة نفطية قادرة على دفع الفواتير. إلا أن الأوضاع تغيرت إلى الأسوأ. لقد اختفى كل شيء. الدولار كان يساوي في أيام معمّر القذافي الأخيرة 1.3 دينار ليبي، ثم ارتفع في العام الماضي إلى 2.3 دينار، واليوم وصل إلى نحو 3 دنانير. كل هذا الشحّ، إضافة للفوضى والخراب والقتلى والمصابين، يدفع الليبيين لطلب الخلاص بأي طريقة. لقد ارتفع سعر كيس الطحين من نحو 50 سنتا أيام القذافي إلى أكثر من 15 دولارًا الآن. والكهرباء تأتي فقط ساعة أو ساعتين في اليوم. رواتب الموظفين ومستحقات المواطنين الشهرية التي تصرف لهم على ما يعرف بـ«كتيبات العائلة» تتأخر لشهرين وثلاثة. أما على «الطرق السريعة» فتنتشر حواجز المتطرّفين ومن بينهم عناصر «داعش»، وفي كل يوم يحقق هؤلاء المتشدّدون مكاسب جديدة. ولا سيما أن «الهدف الوحيد لهؤلاء المتشددين – كما يقول إبراهيم عميش، النائب في البرلمان الليبي عن مدينة بنغازي – هو العمل على تقسيم ليبيا وتشجيع الغزو الأجنبي للبلاد».
ينظر عميش، الذي يرأس لجنة برلمانية معنية بالمصالحة بين الليبيين، إلى هذا الواقع المرير مجدّدًا، ويقول إن بلاده «مقبلة كما يبدو على (كابوس جديد)، إذ يخوض المتطرّفون منذ أكثر من سنة حربًا شرسة في بنغازي ضد السلطات الشرعية». وهو مثل كثيرين من القادة الليبيين، يخشى من مغبة التدخل الخارجي في رسم مستقبل ليبيا بالقوة العسكرية بحجة حالة الفوضى. لكن حالة التشرذم الداخلي والتمترس خلف البنادق ربما أصبحت أكبر من قدرة أي طرف على الحل حتى لو كان المبعوث ليون نفسه.
بعد الدوران من المنعطف الأول في مدينة إمساعد توجد ساحة تزيد مساحتها عن ثلاثة ملاعب كبيرة لكرة القدم أصبح يخيم عليها السكون. وفي الواجهة «مطعم المدينة» الذي يقدم الأكلات المسبكة واللحوم المقلية. حسب مدير المطعم، أجويدة «كنا نطبخ ونشوي للزبائن لحوم 13 إلى 15 خروفًا في اليوم. أما الآن فلا نبيع أكثر من ربع خروف ونضع الباقي في المبرّد انتظارا لليوم التالي».
هنا ينتظر ثلاثة من النواب ووزير في الحكومة ومستشاران في الجيش فناجين الشاي الأخضر المغلي، قبل أن يواصلوا الرحلة للعبور إلى مصر حيث أسس أول جيش ليبي عام 1939 لتحريرها من الاستعمار. ويقول عبد الكريم: «مصر تقف معنا، لكننا في حاجة إلى مزيد من الضغط على المجتمع الدولي لتحقيق ثلاثة أمور: الأول منع تدفق المقاتلين والأسلحة إلى الإرهابيين في ليبيا، والثاني رفع الحظر عن تسليح الجيش، والثالث المساعدة في بناء مؤسسات الدولة».
المظاهرات الصغيرة المتعارضة واللافتات التي تحمل شعارات متضاربة، ويرفعها البعض على واجهات المباني، تعكس حالة شديدة التعقيد لا تبشر بإمكانية التوصل إلى حلول سريعة لحسم الصراع. فهناك انتشار لـ«داعش» في مدن بنغازي ودرنة في الشرق، وسرت في الوسط، وصبراتة قرب حدود تونس في الغرب. أيضًا توجد جماعات متشددة أخرى مشابهة – وإن كانت تقاتله في بعض الأحيان – تتركز في العاصمة طرابلس وبعض المدن الأخرى، منها تنظيم «القاعدة» و«قوة فجر ليبيا» التي يديرها قادة متطرّفون من جماعة الإخوان و«الجماعة الليبية المقاتلة» التي أسسها شبان ليبيون
في ثمانينات القرن الماضي في أفغانستان.
وبينما تزيد «قوة فجر ليبيا»، المحسوبة على مدينة مصراتة الساحلية، تحصّنها في طرابلس، يتحرك «داعش» للسيطرة على الهلال النفطي الممتد على ساحل البحر المتوسط من سرت إلى إجدابيا، لكن قادة الجيش يقولون: إنه يوجد تعاون بين العناصر المتطرّفة في البلاد، وكل فريق، سواءً كان «داعش» أو «القاعدة» أو «فجر ليبيا» يساعد الآخر لتحقيق الهدف نفسه.. ألا وهو ضرب الجيش والشرطة والسلطة الشرعية، أو على الأقل، تعطيلها انتظارا لاحتمال دخول البلاد في حالة فراغ في السلطة بانتهاء المدة القانونية لعمل البرلمان الشهر المقبل.
المنقذ الوحيد يبدو أنه يكمن، حتى الآن، في تشكيل «حكومة الوفاق الوطني» المنتظرة. وسيعقد ليون لقاء لهذا الغرض في جنيف قبل نهاية سبتمبر (أيلول) الجاري، لكن المسألة على أرض الواقع لا تبدو بتلك البساطة. كيف سيفك الارتباط بين الميليشيات المتطرفة التي سيدخل ممثلون عنها في تركيبة «حكومة الوفاق»؟ وكيف ستحل مشكلة الجيش والتفافه حول حفتر الخصم اللدود للمتطرفين؟ وكيف ستعاد الوحدة لهيئة صياغة الدستور بعدما قاطعتها مكوّنات أساسية في المجتمع الليبي، هي الأمازيغ والطوارق والتبو؟ كما يتساءل لـ«الشرق الأوسط» عضو هيئة صياغة الدستور، خالد وهلي.
الذين لا يفضلون حلول ليون، لديهم بدائل أخرى مختلفة، منها الإسراع من خلال البرلمان في انتخاب رئيس للدولة، على أن يكون ذلك من داخل جسم البرلمان نفسه، وذلك قبل انتهاء مدته القانونية، حتى يمكن لهذا الرئيس أن يسد أي فراغ محتمل في السلطة. وهناك اقتراح آخر يراوح مكانه منذ نحو شهرين، ويقضي بتأسيس «مجلس عسكري» يكون لديه جاهزية ليتولى إدارة البلاد في حال حل البرلمان. وهنا يقول عيسى عبد المجيد: «نعم.. مسألة انتخاب رئيس للدولة من داخل البرلمان أمر وارد». بينما يشير عبد الكريم إلى أن موضوع تشكيل «المجلس العسكري» جرى التطرق إليه مع قادة من الجيش ومن البرلمان. بيد أن الأفكار التي ينثرها البعض حول مائدة الطعام وفناجين الشاي في إمساعد، قبل عبور الحدود للتشاور مع الجانب المصري وبعض الأطراف الدولية التي تزور القاهرة، تتعارض دائمًا مع مخاوف من وجود مخطط دولي للتدخل العسكري في ليبيا وتقسيمها إلى دويلات.
لماذا لا تتدخل سفن حلف شمال الأطلسي وحاملات الطائرات الأميركية في البحر المتوسط لمنع تدفق الأسلحة والمقاتلين على «داعش» وعلى التنظيمات المتطرفة الأخرى في ليبيا؟
هكذا يتساءل مستشار الجيش عبد الكريم، موضحًا أن الجيش رصد في الشهور الأخيرة تحرك الكثير من السفن الآتية من تركيا إلى ميناء مصراتة، وفي ميناء مصراتة يجري تفريغ حمولتها وتوزَّع على مراكب صغيرة يسميها الليبيون «جرافات» ومن ثم تُنقَل إلى موانئ يسيطر عليها المتطرّفون والدواعش في سرت وبنغازي ودرنة. الجيش يقصف هذه «الجرافات» بين وقت وآخر، ونجح بالفعل في إغراق بعضها بمن عليها من مقاتلين وما عليها من أسلحة في البحر، لكن الوضع العسكري ما زال صعبا ولا يمكن الحديث عن حسم كل شيء قبل نهاية العام. وحتى إذا لم ينته الحظر الدولي على تسليحه، فالجيش، وفق عبد الكريم «لن يستسلم وسيواصل حربه على المتطرفين، بمساعدة الدول الشقيقة والصديقة، مثل مصر التي تعد من أكثر الدول تضررا من وجود المتطرفين في هذا البلد المجاور لحدودها من ناحية الغرب».
وفي الوقت نفسه، يضيف عبد الكريم «ما زالت هناك طائرات تركية تهبط في مطار مصراتة الذي لا تسيطر عليه السلطات الشرعية في البلاد، وتديره الميليشيات المتطرفة»، واتهم الدولتين العربيتين الأخريين بمساعدة المتطرفين عبر مطار معيتيقة القريب من طرابلس ومطار الكفرة القريب من الحدود مع مصر، لكن مساعداتها عن طريق الجو تراجعت بعد ضبط طائرة كانت محملة بالأسلحة ومتجهة للمتشددين في ليبيا. مع هذا، ويقول عبد الكريم إن آخر رصد لهبوط طائرات في ليبيا من هذه الدولة كان منذ نحو ثلاثة أشهر.
على أي حال، حفتر نفسه عاد من جديد، قبل أيام، واتهم تركيا والبلدين العربيين المذكورين آنفًا بدعم الإرهاب في ليبيا، قائلا إن الجماعات المسلحة المتشددة تتلقى الدعم من هذه البلدان. ويسعى حفتر راهنًا لدى دول شقيقة وصديقة لفك الحظر الدولي المفروض على تسليح الجيش. وبالفعل زار أخيرًا الأردن (العضو العربي غير الدائم في مجلس الأمن) وباكستان التي لها علاقات حسنة مع الصين، خاصة أن هذه الأخيرة عضو دائم في مجلس الأمن. ويشدد حفتر على أن الجيش الليبي «يحارب الإرهاب نيابة عن العالم».
اتهام الدول الثلاث المشار إليها لا يقتصر على العسكريين، مثل حفتر ومستشاريه، أو نواب بالبرلمان ومستشاريه، بل هو أمر شائع حتى في أوساط الناشطين، وبالأخص، الذين يعملون بالقرب من مناطق تهريب الأسلحة والمقاتلين. ويقول يوسف غالي، الناشط في الجنوب الليبي، إن هذا النوع من التهريب مستمر خاصة بين حدود ليبيا وحدود مالي عبر النيجر، وبين حدود ليبيا مع السودان. لكنه يضيف «مع ذلك، فإن قوة المتشددين في الجنوب تتراجع باستمرار، على عكس تنامي داعش في الشمال الأوسط.. إنهم هنا (في الجنوب) في ضعف دائم.. وأعتقد أنهم في تراجع مستمر بسبب عجزهم عن شن أي هجمات منذ فترة طويلة. وهم الآن في موقع الدفاع لأنهم يحاولون الدفاع عن مواقعهم من خلال حفر خنادق وعمل سواتر ترابية خاصة في منطقة أوباري».
في هذه الأثناء، المتغيرات التي طرأت على مدينة إمساعد الحدودية، رغم بعدها عن واجهة الأحداث الكبيرة، تعطي مؤشرات على ما تسير إليه الأوضاع. إذ كانت المدينة أثناء حكم الإخوان في مصر مركزًا لتهريب البشر والأسلحة على جانبي الحدود. لكن بوصول الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكم في مصر، تغيرت الأمور وشددت مصر إجراءاتها على الحدود، وشنت غارات حربية على قواعد «داعش» قرب درنة، وهي مستمرة بمراقبة الوضع عن كثب. ويؤكد اللواء علاء أبو زيد، محافظ مطروح، أقرب محافظة مصرية للحدود الليبية، أن أعمال التهريب مع ليبيا تراجعت إلى حد كبير.
استعادة الدولة المصرية حضورها عقب إزاحة الإخوان عن الحكم، لم يؤثر فقط على حدودها مع ليبيا، بل على حدود ليبيا عمومًا. فلدى مصر اتفاقات تعاون مع الجيش الليبي، وعلاقتها مع السلطات الشرعية في ليبيا قوية. ويحرص الكثير من القادة الليبيين على توجيه التحية لمواقفها خاصة مواقف السيسي. كذلك ظهرت ملامح تشديد الرقابة على حدود ليبيا مع السودان، من خلال الخلافات بين مهربي الأسلحة والذخائر والآليات والبشر. ولبعض القبائل امتداد داخل ليبيا والسودان. تتركز هذه القبائل في بلدة الكفرة، وشهدت عمليات اقتتال بين أهم قبيلتين هناك، وهما الزويّة التي لها عناصر موالية للمتشدّدين، والتبو المنحازة للجيش الوطني، وذلك خلال الأسابيع الماضية، سقط على إثرها، كما يقول غالي، العشرات بين قتلى وجرحى من الطرفين.
ويذكر شهود عيان أن طائرات يقال: إنها من دون طيار تتحرك في السماء في جنوب ليبيا. وسجّل قبل نحو ثلاثة أشهر قصف أميركي لاجتماع كان يشارك فيه، في جنوب بلدة إجدابيا الليبية، القيادي الجزائري في تنظيم القاعدة، مختار بلمختار، ضمن سلسلة أميركية لاستهداف قادة المتشددين، إذ سبقها اختطاف رجلين آخرين على الأقل من كل من طرابلس وبنغازي. وعما إذا كان يرى أي احتمال لضربات دولية لمواقع المتطرفين خاصة «داعش»، كما حدث مع بلمختار، يقول غالي: لا أعتقد ذلك، أو بالأصح لا أدري، مشيرا في الوقت نفسه إلى استمرار تحليق «طائرات مجهولة الهوية في الأجواء بين الحين والآخر».
قادة عسكريون يرون أن الجيش يستطيع سحق المتطرفين و«داعش» ومنع الهجرة غير الشرعية عبر البلاد إذا ما توافر له السلاح «لكن النوايا الغربية بالذات تجاه الجيش لا تبدو طيبة»، أو هكذا يراها مستشارون مقربون من حفتر، مثل المستشار عبد الكريم. وفي محاولة لخلق زخم شعبي حول القوات المسلحة، سيعلن في غضون الأيام المقبلة عن «جبهة النضال الوطني»، من مجموعات من الناشطين الليبيين والمواطنين، لدعم الجيش. وهذه الجبهة ستسعى أيضا لـ«المصالحة الوطنية الليبية» ودعم قوات الجيش في الحرب على الإرهاب، بعيدا عن أي تدخل خارجي.
من ناحية أخرى، غضب حفتر من «كيل بعض الدول الغربية بمكيالين» ظهر بوضوح خلال الزيارة المفاجئة التي قام بها فريق من لجنة العقوبات الدولية إلى ميناء طبرق، لتوقيف باخرة تحمل علم ليبيريا كانت تحمل 52 مدرعة عسكرية كمساعدات للجيش آتية من إحدى الدول العربية. إذ رفض كل من حفتر ورئيس الأركان، عبد الرزاق الناضوري، مقابلة الفريق الأممي كنوع من التعبير عن الاستياء من التضييق على الجيش. واكتفى حفتر بإيفاد العميد عبد السلام الحاسي رئيس غرفة العلميات، للتحاور مع مندوبي لجنة العقوبات. ويقول مسؤول عسكري حضر اللقاء بين أعضاء الفريق الأممي والحاسي إن هذه الواقعة جرت قبل نحو عشرة أيام وإنه كان لدى لجنة العقوبات معلومات عن وصول شحنة المساعدات.. «المعلومات كانت صحيحة.. وصلت الشحنة للميناء بالفعل لكنها لم تكن قد أنزلت حمولتها بعد». والحمولة عبارة عن 52 مدرعة عسكرية. وبعدها حطت طائرة فريق لجنة العقوبات في طبرق. كانوا ثمانية معظمهم أوروبيون. فسألهم الحاسي أسئلة عن وجهتهم ولماذا. ومن ثم انتقدهم، وأخبرهم قائلا: هل أنتم لا ترون حقيقة ما يجري من أوضاع في ليبيا؟ ما هي قصتكم؟
يوضح المصدر أن الحاسي كان يقول ذلك بطريقته حتى أنك إذا رأيته من بعيد تعتقد أنه يلقي لهم بكلمات الترحيب لا الانتقادات الحادة. ويضيف أن الحاسي قال لأعضاء الفريق أيضًا «الجماعات الإرهابية تأتيها كل أنواع الأسلحة، من البحر والجو والبر، وتحط في مصراتة وغيرها، ولم يحتج أحد ولم يتدخل للتحدث مع داعمي الميليشيات المتطرفة». ووفقا للمصدر نفسه تابع الحاسي حديثه للفريق الأممي قال لهم «هل لا ترون ما يجري؟ هل لا تبصرون؟.. لماذا لم تروا إلا الـ52 سيارة مدرعة؟ هذه سيارات خاصة لقوات الشرطة لحماية الليبيين من القتل. فلماذا بدأتم تتحركون الآن؟».
لكن أعضاء الفريق لم يتوقفوا كثيرا عند انتقادات الحاسي، وبدأ أحد هؤلاء الأعضاء السؤال عن أوراق شحنة السيارات المدرعة، ومَن صرّح بدخولها إلى ميناء طبرق، ومن أين أتت. وأجاب الحاسي إجابات على أسئلة أخرى كانت تشغل الجيش، قائلا إن السلطات الشرعية الليبية سبق وتقدمت للجنة العقوبات الدولية بالكثير من القوائم التي تشمل المعدات والأسلحة المطلوبة لسد حاجات القوات المسلحة من أجل محاربة الإرهاب، وحتى الآن لم تبتوا فيها. وقال للفريق الأممي أيضا إن «الطلبيات التي يحتاجها الجيش موضوعة في ملف كامل جرى تسليمه للأمم المتحدة عدة مرات في الشهور الأخيرة، لكنكم لم تردوا عليه. ولم تبتوا فيه. لماذا لم تبتوا فيه؟ ما الهدف؟».
ويضيف المصدر أنه كانت هناك محاولات من الحاسي ومن قادة آخرين في الجيش لإقناع الفريق الأممي بالسماح بإنزال السيارات التي كانت على وشك النزول بالفعل على رصيف الميناء. وقال أحد القادة لوفد لجنة العقوبات إن المدرعات تابعة لقوات الشرطة، وإن الجيش كان يسعى لتسلمها لأنه هو المشرف على مثل هذه الأعمال باعتباره في حالة حرب. بيد أن أعضاء اللجنة الثمانية توجّهوا إلى الميناء وصعدوا على ظهر الباخرة، وأخبروا قائدها بطبيعة مهمتهم، وأمروه بألا يفرغ حمولة الباخرة، والعودة بها من حيث أتت.
استغرقت مهمة الفريق الأممي عدة ساعات، وبعد تأكدهم من مغادرة الباخرة بما عليها، رفضوا المبيت في طبرق. ربما لشعورهم بأنهم غير مرحب بهم هنا. ومن جانبها تقول مصادر بالأمم المتحدة على علاقة بالملف الليبي إنه في حال التوصل إلى «حكومة وفاق وطني»، فإنه سينظَر في رفع العقوبات الدولية عن ليبيا بما فيها حظر تسليح الجيش، والعمل على بسط الاستقرار ومساعدة الليبيين في بناء دولتهم. وتنفي هذه المصادر وجود محاباة للجماعات المتشدّدة التي تهيمن على طرابلس، قائلة إن «بنود التوافق الوطني واضحة، والهدف منها ليس التدخل الخارجي في شؤون ليبيا، ولا الانحياز لطرف على حساب الآخر، ولكن الهدف هو جمع الأطراف المتصارعة على مشتركات من أجل الخروج من النفق المظلم قبل فوات الأوان». ليون، من جهته، قام بزيارة خاصة إلى القاهرة أخيرًا، التقى خلالها بعدد من أعضاء البرلمان الليبي وذلك لإزالة المخاوف التي تتعلق بمستقبل البرلمان والجيش وتشكيلة الحكومة المقبلة. ووفقا لمصادر ليبية شاركت في هذه اللقاءات، فإن ما جرى التوصل إليه مطمئن ومبشر لكن العقبات تكمن دائما في التفاصيل، كطريقة اختيار وزير للدفاع في الحكومة الجديدة ومستقبل حفتر، وصلاحيات مجلس الدولة الذي سيتكون من النواب السابقين في المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، وشروط التمديد لعمل البرلمان الحالي بعد أكتوبر. وإلى أن ينعقد الاجتماع المقبل بين الليبيين في جنيف، تظل خيارات المستقبل مفتوحة على كل الاحتمالات.



حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
TT

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات سريعة وفعالة لوقف القتال في أوكرانيا، ووضع خريطة طريق لمعالجة الملفات الخلافية المتراكمة مع الكرملين. وقبل أيام قليلة من تسلم صلاحياته رسمياً، برزت اندفاعة جديدة من الرئيس الجمهوري نحو روسيا، عندما أعلن استعداده لتنظيم لقاء عاجل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يرسم ملامح العلاقة المستقبلية ويضع خطط إنهاء الحرب وتخفيف التوتر على مسار التنفيذ. لكن اللافت أن هذه التصريحات لم تُقابَل بشكل حماسي في روسيا. بل فضَّل الكرملين التزام لهجة هادئة تؤكد الانفتاح على الحوار، مع التذكير في الوقت ذاته، بعنصرين ضروريين لنجاح أي محاولة لكسر الجليد بين البلدين، أولهما اتضاح الملامح الأولى لرؤية الرئيس الأميركي الجديد لتسوية الملفات الخلافية المتراكمة، والآخر التذكير بشروط الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وبالتوازي مع ذلك، بدت تعليقات الأوساط المقربة من الكرملين متشائمة للغاية، حيال فرص إحراز تقدم جدّي على أي مسار... لا في الحرب الأوكرانية ولا العلاقات مع «ناتو»، ولا ملفّات الأمن الاستراتيجي في أوروبا.

لا ينظر أحد في روسيا بجدية إلى إمكانية تحقيق قفزات سريعة تؤدّي إلى تحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة، وتضع إطاراً واقعياً للحوار حول الملفات الخلافية. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب صرّح مرّات عدة بأن موقف روسيا يمكن فهمه، وأن سبب الصراع كان إلى حد كبير السياسة المناهضة لروسيا التي تنتهجها «الدولة العميقة» الأميركية، فإن الأوساط الروسية تنظر بريبة إلى قدرة ترمب، العائد بقوة إلى البيت الأبيض، في تجاوز الكثير من «المطبّات» التي تعترض طريق إعادة تشغيل العلاقات بين موسكو وواشنطن.

رسائل روسية واضحة

في هذا الصدد، كان لافتاً أن موسكو تعمّدت توجيه رسائل واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عبر إطلالتين إعلاميتين لشخصيتين تعدّان من أبرز المقربين لبوتين، هما وزير الخارجية سيرغي لافروف والمستشار الرئاسي وعضو مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف. وفي الحالتين كان التوقيت وشكل التعامل مع «اندفاعة ترمب» يحظيان بأهمية خاصة.

جوهر كلام المسؤولين ركّز على قناعة بأن العالم قد يكون أمام «فرصة حقيقية للسلام» في عهد ترمب، بيد أن الانفتاح الروسي على الحوار مرتبط باستناد هذا الحوار إلى أسس «مبادرات ملموسة وخطوات ذات معنى بشأن الاتصالات على أعلى مستوى»، والأهم من ذلك، أن تتوافر لدى ادارة ترمب «اقتراحات محددة» بشأن أوكرانيا، وفق تعبير لافروف.

والاقتراحات المحددة المطلوبة روسياً، ينبغي أن تنعكس - كما قال الوزير – بـ«جدية في الاستعداد لحل المشاكل المتراكمة عبر الحوار لا عبر الضغوط والتهديدات» التي لم ينجح سلف ترمب في معالجتها.

وفي إشارة ذات مغزى، قال لافروف إنه «من المفيد أن نرى ما هي الأساليب التي سيستخدمها ترمب لجعل أميركا أعظم». وهذه عبارة أكملها باتروشيف بقوله: «هل سيكون ترمب قادراً على ترجمة نواياه بالكامل؟ وكما أظهرت ولايته الأولى، فإن (الدولة العميقة) السيئة السمعة في الولايات المتحدة... قوية للغاية».

أوكرانيا «رأس الأولويات»

الموقف الذي أعرب عنه المسؤولان الروسيان ينطلق من «الاستعداد للمناقشة والاتفاق على أي شيء باستثناء شيء واحد - أوكرانيا. (...) لقد عبّرنا عن موقفنا مراراً وتكراراً، وهو موقف لا يمكن تغييره». وفي هذا الإطار، لوّح لافروف بأنه إذا توصّلت روسيا إلى استنتاج مفاده أن واشنطن ستواصل دعم «النظام النازي المعادي في كييف» فإنها (أي موسكو) ستضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة. في حين قال باتروشيف إن أوكرانيا «قد تختفي عن الخريطة خلال هذا العام» إذا استمرت السياسات الغربية السابقة.

الرسالة الروسية الثانية لترمب كان فحواها أن أي تسوية أو ضمانات لأوكرانيا، يجب أن تكون مرتبطة باتفاقيات أوسع نطاقاً. وهنا قال لافروف إن «روسيا مستعدة لمناقشة الضمانات الأمنية لأوكرانيا، لكنها يجب أن تكون جزءاً من اتفاقيات أكبر». بينما أوضح باتروشيف أنه بالإضافة إلى التوصل إلى ترتيبات أمنية في القارة الأوروبية «يجب وقف التمييز ضد السكان الروس في عدد من البلدان، وبالطبع، في دول البلطيق ومولدوفا».

أما النقطة الثالثة التي تحدّد شروط الحوار، فتنطلق من ضرورة البدء بمنح روسيا ضمانات كاملة عبر ملفي: وقف مسار ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الاطلسي (ناتو) وتأكيد حيادها لعشرات السنوات، وتقليص القدرات العسكرية لهذا البلد ومنع تسليحه مجدداً.

هكذا، ترى موسكو المدخل الصحيح للحوار، الذي يجب أن يتأسس - كما قال الرئيس الروسي سابقاً - على قاعدة الإقرار بالتغييرات الميدانية التي وقعت خلال سنتين، بما يضمن الاعتراف الغربي بضم شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها روسيا خلال عام 2022.

تشكل هذه القاعدة التي تنطلق منها موسكو سبباً وجيهاً للتوقعات المتشائمة حول فرص إحراز تقدم، تضاف إلى الشكوك المحيطة بقدرة ترمب الفعلية على تجاوز كل العقبات والضغوط الداخلية والانطلاق نحو تقديم تنازلات مهمّة للروس.

يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية،

لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية

التداعيات على أوكرانيا

كيف يتأثر الوضع في أوكرانيا؟

في هذا الإطار، وضع أحد أبرز خبراء السياسة في «المجلس الروسي للسياسة والأمن»، وهو مؤسسة مرموقة ومقربة من الكرملين، التصور التالي لشكل العلاقة مع ترمب في ملفات رئيسة:

بدايةً، في أوكرانيا ستفشل محاولة ترمب للتوصل إلى وقف إطلاق النار على طول خط التماس. وذلك لأن المخططات الأميركية لـ«وقف الحرب» تتجاهل تماماً المصالح الأمنية الروسية، كما تتجاهل الأسباب التي أدت أولاً إلى الأزمة ثم إلى الصراع العسكري واسع النطاق في أوكرانيا.

في المقابل، لن تقبل واشنطن الشروط الروسية لبدء المفاوضات ومعايير السلام التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران) الماضي؛ لأنها تعني في الواقع استسلام كييف وهزيمة استراتيجية للغرب. وخلافاً لتوقعات التهدئة، فإن ترمب «المهان»، رداً على رفض خطته، سيعلن دعمه لأوكرانيا ويجمع حزمة أخرى من العقوبات على موسكو. لكنه في الوقت نفسه، سيمتنع عن التصعيد الجدي للصراع؛ كي لا يستفز روسيا ويدفعها إلى ضرب أراضي دول «ناتو»، بما في ذلك القواعد الأميركية الموجودة هناك. ومع هذا، ورغم غطاء الخطاب القاسي المعادي لروسيا، فإن المساعدات الأميركية لنظام كييف ستنخفض، وسيتعيّن على الأوروبيين تغطية العجز الناتج من ذلك. ومن حيث المبدأ، فإن الاتحاد الأوروبي مستعدٌ لذلك، وبالتالي لن يكون هناك خفض كبير في الدعم المادي لأوكرانيا من الغرب في العام الجديد على الأقل.

إلى جانب ذلك، قد تحاول واشنطن، وفقاً للخبير البارز، بدعم من بريطانيا وحلفاء آخرين، تعزيز الموقف السياسي الداخلي لنظام كييف من خلال المطالبة بإجراء انتخابات في أوكرانيا، وبالتالي استبدال فولوديمير زيلينسكي وفريقه المكروهين بشكل متزايد بمجموعة أخرى بقيادة رئيس الأركان السابق فاليري زالوجني. لكن التأثير السياسي المحلي لمثل هذا الاستبدال سيكون قصير الأجل.

العلاقة مع أوروبا

أيضاً، يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية، لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية. وهذا يعني أنه لن يحقق وعوده حيال علاقة الولايات المتحدة مع «ناتو»، وبدلاً من ذلك، سيرفع السعر الذي يتوجب على الأوروبيين دفعه للانضمام إلى التكتل.

ووفقاً لبعض الخبراء، سيكون لزاماً على الأوروبيين، الذين كانوا يخشون عودة ترمب، أن يقسموا يمين الولاء له. وبالتالي، «لن تكون هناك معارضة ضد ترمب بأي شكل من الأشكال؛ لأن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى أميركا زعيمةً: ليس فقط حاميةً عسكريةً، بل وأيضاً زعيمةً سياسيةً ــ لا تقل عن حاجتها إلى روسيا باعتبارها «تهديداً مباشراً على الأبواب».

بهذا المعنى، تتطابق آراء الخبراء في مسألة أن «العداء لروسيا سيظل العامل الحاسم في توحيد أوروبا في عام 2025».

ويضيف بعضهم القناعة بأنه خلافاً للفكرة الرائجة بأن الأوروبيين متردّدون في مواجهة روسيا، بشكل رئيس بسبب الضغوط الأميركية، فإن الحقيقة أن روسيا، باعتبارها عدواً، تشكل عاملاً قوياً في توحيد النخب الأوروبية ودولها. بمعنى أنه كان لا بد من «اختراع التهديد الروسي»، وتقديم الحرب في أوكرانيا باعتبارها المرحلة الأولى من «الاختطاف الروسي لأوروبا».

في السياق ذاته، ينظر إلى الانتخابات المقبلة في ألمانيا، بأنها ستحمل إلى السلطة ائتلافاً جديداً، سيعمل أيضاً على تشديد السياسة تجاه موسكو. ولكن في الوقت نفسه، من غير المرجح إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا بناءً على دعوة من فرنسا، لأن أوروبا تنظر إلى خطر الصدام العسكري المباشر مع روسيا على أنه مفرط في المخاطرة.

وداخلياً، ينتظر أن تواصل أوروبا الاستعداد بنشاط للحرب مع روسيا - وفقاً لأنماط الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن على حدود جديدة، تحولت بشكل كبير نحو الشرق. كذلك، سيزداد الإنفاق العسكري للدول، ويتوسع الإنتاج العسكري، وتتحسن البنية التحتية العسكرية، وبخاصة، على الجانب الشرقي لـ«ناتو». وبناءً عليه؛ سيصبح المناخ الاجتماعي والسياسي أكثر صعوبة أيضاً.

وهكذا، بشكل عام، يقول خبراء روس إن عام 2025 عموماً سيكون مليئاً بالصراعات، الممتدة من عهد ولاية الرئيس جو بايدن حول روسيا وفي أوروبا، كما سيكون محفوفاً بالمنعطفات غير المتوقعة والخطيرة.

ومع القناعة بأن الاضطراب الاستراتيجي يتزايد باطراد، فإن نتيجة المعركة من أجل النظام العالمي الجديد ليست مُحددة مسبقاً بأي حال من الأحوال. إذ إن نقطة التوازن الافتراضية في النظام العالمي لا تزال بعيدة كل البعد عن الأفق. وفي هذا الصدد، يرون أن روسيا ستواجه في عهد الإدارة الجديدة تحدّيات جديدة في العديد من المجالات... ولا بد أن تكون مستعدة لها.